وكالات – كتابات :
نشرت مجلة (ناشيونال إنترست)؛ تقريرًا أعدَّه، “كايل ميزوكامي”، وهو كاتب يهتم بشؤون الدفاع والأمن القومي؛ ويعيش في مدينة “سان فرانسيسكو” الأميركية، ناقش فيه القوة التي يُشكلها الجيش الإيراني، واصفًا إياه بأكبر قوة في الشرق الأوسط وأكثرها نفوذًا في المنطقة. وأكَّد الكاتب أن العقوبات التي فرضتها البلدان الغربية على “إيران”، وحظر الأسلحة الذي استهدف “طهران”، صنعت فراغًا لم تستطع صناعة الأسلحة الناشئة في البلاد ملئه.
قوة برية في المقام الأول..
يقول “ميزوكامي”؛ في مستهل تقريره: “فيما يلي معلومات يحتاج القاريء إلى أن يتذكَّرها: على عكس معظم الدول التي تمتلك جيشين، يُعاني الجيش الإيراني من تهميشٍ للدور المنوط به، وتُعاني قوات (الحرس الثوري) الإيراني من كثرة القدرات والمسؤوليات، والسبب في ذلك يرجع، إلى حد كبير؛ إلى اندلاع الثورة الإيرانية”.
وتُعد “إيران”، بلا شك، إحدى أقوى البلدان التي تقع في منطقة الشرق الأوسط وأكثرها نفوذًا، بحسب التقرير. وتتربع “الجمهورية الإيرانية” على عرش عِدَّة مناطق إستراتيجية رئيسة، وغالبًا ما تكون هذه المناطق مضطربة، بما في ذلك مناطق: “الخليج العربي وآسيا الوسطى والمحيط الهندي والقوقاز”.
وتُمثِّل “إيران” قوَّة برية في المقام الأول، وقد غزت شعوبًا وبلدانًا وعانت من غزو شعوبٍ وبلدان أخرى على مدى آلاف السنين الماضية. ونتيجةً لذلك تحتفظ “إيران” بقوات برية كبيرة؛ في كل من الجيش الإيراني نفسه وفي قوات (الحرس الثوري) الإيراني شبه العسكرية.
ويُمثِّل آية الله “علي خامنئي”، المرشد الأعلى لـ”الثورة الإيرانية”، القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية. وعلى غرار عديد من الدول، تمتلك “إيران” جيشين، وهما: الجيش الإيراني، الموالي للدولة ذاتها، وقوات (الحرس الثوري) الإيراني؛ وميليشيات (الباسيج) التابعة له، الموالية للنظام وروح الثورة. وعلى عكس معظم الدول التي تمتلك جيشين، يُعاني الجيش الإيراني من تهميشٍ للدور المنوط به؛ وتُعاني قوات (الحرس الثوري) الإيراني من كثرة القدرات والمسؤوليات، والسبب في ذلك يرجع إلى حد كبير إلى اندلاع “الثورة الإيرانية”.
جيش هزيل و”حرس ثوري” يعاني تخمة المسؤوليات !
ويؤكد كاتب التقرير؛ أن “الثورة الإيرانية”، التي اندلعت عام 1979، أطاحت بالنظام الملكي في عهد “الشاه”، وفرضت نظام دولة ثورية ثيوقراطية، (دينية). وسمح حُكَّام “إيران” الجدد، الذين يشكِّكون في المؤسسات القديمة الموالية لـ”الشاه”، للجيش بالبقاء بوصفه تنظيمًا، ولكنَّهم طوَّروا قوات (الحرس الثوري) الإيراني؛ باعتبارها تنظيمًا موازيًا. وبينما يتولَّى الجيش الإيراني تأمين حدود البلاد ويدافع عنها ضد التهديدات الخارجية، تحرس قوات (الحرس الثوري) الإيراني النظام نفسه.
ونتيجةً لذلك؛ اصطف الجيش بصفة عامة ضد أعداء “إيران” الأساسيين، في ذلك الوقت، وهم: “العراق، وإسرائيل، والسعودية”، وتمركز في الغالب بالقرب من الحدود الإيرانية. ومن ناحية أخرى تحتفظ قوات (الحرس الثوري) الإيراني بثكنات عسكرية كبيرة في المدن والبلدات الرئيسة في “إيران”.
وفي عام 2013؛ قدَّم “مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية”؛ تقييمًا يُشير إلى أن القوات البرية الإيرانية تضم: 350 ألف فرد في الخدمة الفعلية، بما في ذلك: 130 ألف جندي محترف؛ و220 ألف مجند. ونظمَّت السلطات الإيرانية هذه القوات إلى أربع فرق مدرعة، وفرقة مشاة ميكانيكية، وأربع فرق مشاة خفيفة، وست مجموعات مدفعية، وفرقتين من القوات الخاصة/الكوماندوز، ولواء محمول جوًّا، ومن ثلاثة إلى أربعة ألوية (كوماندوز)، وعدد غير معروف من وحدات الطيران، وغيرها من ألوية المدرعات والمشاة المنفصلة.
وينوِّه (ناشيونال إنترست)؛ إلى أن القوات البرية تمتلك عددًا من المركبات المدرعة تحت تصرفها، بما في ذلك: 1663 دبابة قتالية رئيسة، و725 مركبة استطلاعية ومشاة قتالية، و640 ناقلة جنود مدرعة، و2322 مدافع (هاوتزر) ذاتية الدفع، و1476 قاذفة صواريخ مُتعددة. ومع أن الكم الضخم من هذه المُعدَّات يبدو مثيرًا للإعجاب، وأن العديد من هذه الأسلحة، مثل دبابة من طراز (تشيفتين) البريطانية، والطائرة المروحية الهجومية الأميركية من طراز (سي كوبرا)، وحاملة الجنود المدرعة من طراز (إم-133)، كانت أسلحة من الطراز الأول في وقتها، يُعد كثير منها قديمًا للغاية؛ وفقًا لمعايير عام 2017.
وقد تعزَّزت هذه المعدات بمعدات روسية؛ اشترتها السلطات الإيرانية، خلال تسعينيات القرن الماضي، لإعادة تسليح القوات البريَّة التي أنهكتها الحروب. ومع ذلك تظل القوات البرية، بوجه عام، غير مُجهَّزة تجهيزًا دائمًا، فضلًا عن أنها تعاني من العقوبات المفروضة والإفتقار إلى التكنولوجيا العسكرية المحلية.
فراغ يصعُب ملؤه..
ويلمح تقرير الصحيفة؛ إلى أن العقوبات التي فرضتها البلدان الغربية؛ وحظر الأسلحة الذي استهدف “إيران”؛ صنعت فراغًا لم تستطع صناعة الأسلحة الناشئة في البلاد ملئه. وتمتلك “إيران”، في الوقت الحالي مجمعًا عسكريًّا صناعيًّا مفعمًا بالحيوية، إن لم يكن متطورًا للغاية. ويصنِّع هذا المجمع عددًا كبيرًا من الأسلحة الصغيرة وأسلحة الدعم لقوات المشاة، كما يُقدِّم نُسخًا محلية من المركبات؛ مثل مركبة المشاة القتالية من طراز (بي. إم. بي-2)، والدبابة القتالية الرئيسة من طراز (تي-72).
ومع ذلك؛ لم تؤتِ جميع إنجازات المجمع المُعلنَة ثمارها، وتروج “إيران” إلى أنها صمَّمت الدبابة القتالية الرئيسة من طراز كرار، (سترايكر)، وصنعتها في عام واحد فقط، وتُشير “طهران” إلى أن هذه الدبابة تتفوَّق في بعض النواحي على الدبابة الروسية من طراز (تي-90 إم. إس)، التي كانت “إيران” تحاول شراءها. ويكاد يكون من المُؤكَّد أن هذا الادِّعاء غير صحيح، بحسب التقرير.
وتحتفظ قوات (الحرس الثوري) الإيراني بقوات برية خاصة بها، وهي عبارة عن خدمة متكافئة إلى جانب القوات البرية النظامية. وتحمي القوات البرية، التابعة لـ (الحرس الثوري) الإيراني، الذي يبلغ قوامه مئة ألف جندي، النظام الثيوقراطي، ولذلك تحظى بتسليح أكبر من تسليح الجيش الإيراني النظامي. وتُعد ميليشيات (الباسيج)، شبه العسكرية، قوة مُسلَّحة تسليحًا خفيفًا وتهدف أيضًا إلى حماية الثورة والنظام.
وقد ساءت سمعة قوات (الباسيج)، التي كانت توصف بأنها القوة الضاربة للجيش الإيراني، بعد أدائها الضعيف في الحرب التي اندلعت بين: “العراق” و”إيران”، حيث كانت سيئة التدريب وأقحمت فتيانًا صغار السن وشيوخًا في حربها ضد الدفاعات العراقية المتأهِّبة. واليوم توصَف ميليشيات (الباسيج) باعتبارها: “مزيجًا من حزب سياسي وتنظيم عسكري”؛ يتكون من أربعة إلى: 05 ملايين فردًا يراقبون المُنشقِّين ويحرسون النظام.
تركيز القوة في “فيلق القدس”..
ويضيف تقرير (ناشيونال إنترست): يتمثَّل الجزء الأكثر أهمية في قوات (الحرس الثوري) الإيراني، وربما كل القوات المسلحة الإيرانية، في (فيلق القدس). ويزوِّد (فيلق القدس)، الذي يتألف من: 15 إلى: 30 ألف جندي، من أفضل قوات (الحرس الثوري) الإيراني، نظام “طهران” بقدرة حربية غير تقليدية، تُشبه إلى حد كبير قُدرات “وكالة الاستخبارات المركزية” و”القوات الخاصة” الأميركية، في عام 1967، تقريبًا.
وعادةً ما يعمل (فيلق القدس) إلى جانب جهات فاعلة غير حكومية؛ مثل: (حزب الله)، ليقدِّم التدريبات والأسلحة والدعم. ويرى مُحلِّلون أن عناصر (فيلق القدس) سلَّحت عناصر التمرُّد العراقي بأجهزة تفجيرات متطورة مبنية حول عبوات ناسفة خارقة، ما مَكَّنها من اختراق العربات المُدرَّعة.
ووفقًا لـ”ستانلي ماكريستال”، وهو جنرال متقاعد في الجيش الأميركي، قائلاً: “كنا نعرف مكان وجود جميع المصانع في إيران. وتسبَّبت العبوات الناسفة الخارقة في مقتل مئات الأميركيين”.
ويقول “ميزوكامي”؛ في نهاية تقريره: وعلى غرار الجيش الصيني، في ثمانينيات القرن الماضي، يضم الجيش الإيراني والقوات البرية الأخرى، في صفوفه، عددًا كبيرًا من الأفراد والجنود، ولكنه يعاني من سوء التسليح.
ويسهم حجم “إيران” الضخم، سواء من الناحية الجغرافية أو السكانية، في ردع أي غزو يستهدف البلاد. وفي ظل كفاح “العراق” من أجل بقائه، توجد قوات “طهران” البرية، بصفة عامة، لتأمين الحدود والحفاظ على نظام الحكم الحالي. ومع ذلك، وعلى غرار “جيش التحرير” الصيني، يمكن أن يؤدي ضخ مزيد من التمويل، وتوضيح الأهداف والفصل بين المهام، إلى أن يُحوِّل “إيران” إلى القوة البرية المُهيمنة في الشرق الأوسط.