خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد ساعات تنطلق “قمة العراق لدول الجوار”، في “بغداد”، والتي تم من أجلها توجيه دعوات عدة، إلى الدول الخمس دائمة العضوية في “مجلس الأمن الدولي”، فضلاً عن دول الجوار العراقي والإقليمي، لحضورها.
تلك القمة ما إن تم الإعلان عنها؛ ولم تتوقف التكهنات والتحليلات حولها، ما بين صحف ومواقع ما زالت حتى اللحظة تضعها في بؤرة الاهتمام.
“فرصة تاريخية“..
ففي صحيفة (الصباح) العراقية، أبدى “حسين درويش العادلي”؛ تفاؤلاً، واصفًا المؤتمر: بالـ”فرصة التاريخية؛ إن أحسنتم قراءة التاريخ واستشراف المستقبل”.
تساءل “العادلي”: “كمسؤولين هناك أسئلة تبحث عن إجابات؛ إن أُريد لهذا المؤتمر أن يصنع تاريخًا مغايرًا لأزمنة الكوارث، وهي: وفق أية رؤية للعراق تجتمعون ؟.. وهل على العراق أن يكون (طاولة) لقاء صمّاء، أو (ساحة) صراع وتفريغ شحنات… ليس إلاّ ؟.. أم أنَّ هناك وعيًا للعراق كبلد (مرتكز) يمكن أن يكون (مركز) توازن واستقرار للمنطقة بأسرها ؟”.
بوابة لتأسيس شراكات إقليمية..
وفي الصحيفة ذاتها، كتب “علي الخفاجي”: “بالطبع مثل هكذا مؤتمرات، والتي نأمل لها النجاح، وفي ظل الظروف الحالية التي يعيشها العراق تُعد ذات أهمية كبيرة؛ فهي تساعد على استقرار البلد على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتُعد بوابة لتأسيس شراكات إقليمية، لتكون منفذًا جديدًا يُحسن من اقتصاد البلد”.
وضع العراق على طريق جديد..
وفي صحيفة (المال) المصرية الاقتصادية، عبّر “شريف عطية”؛ عن أمله في أن تضع القمة “العراق”: “على طريق جديد.. ولا سيما إذا أجريت الانتخابات المرتقبة في ظل رقابة دولية فاعلة، من المفترض أن تأتي نتائجها امتدادًا لاستياء شعبي متزايد منذ اندلاع ثورة 2019؛ ضد الهيمنة الإيرانية المتغولة في العراق”.
وتابع “عطية”: “وحيث الأمل معقود على جهود، (رئيس الوزراء)، الكاظمي، في الداخل وعبر الصعيد الخارجي، لأن يعبر بالعراق حبلًا مشدودًا فوق نيران متأججة، إما أن يُعيده نحو نقطة التقاء عربية، أو إلى الإفتراق عنها”.
خطوة نحو تقارب “سعودي-إيراني”..
فيما، أشارت (الجريدة) الكويتية؛ إلى أن “العراق” دعا، “إيران”؛ و”خصومها” من دول الخليج العربية إلى حضور القمة: “بهدف تهدئة التوتر الذي دفع بالجانبين إلى حافة صراع مفتوح في السنوات القليلة الماضية”.
وتوقعت (الجريدة) أن المؤتمر: “ربما يخطو خطوة صوب تقارب (سعودي-إيراني)، رغم أن الدولتين لم تُعلنا بعد عن مستوى تمثيلهما في الاجتماع”، مضيفة أن “السعودية”: “تشعر بالقلق من إحياء إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للمحادثات النووية، التي قد تُفضي إلى تخفيف العقوبات المفروضة على طهران، وترى في التواصل وسيلة لإحتواء التوتر دون التخلي عن مخاوفها الأمنية من الهجمات التي تحمل مسؤوليتها لإيران وحلفائها”.
معالجة الأوضاع الداخلية..
وفي سياقٍ متصل، كتبت صحيفة (عكاظ) السعودية؛ عن القمة قائلة: “تتجه الأنظار صوب العاصمة العراقية، بغداد، وسط آراء متباينة حول مخرجاتها، رغم مشاركة دول فاعلة ومؤثرة في توجيه بوصلة الأحداث والصراعات والخلافات التي تعاني منها المنطقة، وفي وقت يعاني فيه العراق تحولات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي”.
ودعت (عكاظ)، قيادة الدولة العراقية؛ إلى: “استثمار القمة لمعالجة أوضاعها الداخلية المتردية، وإنهاء التدخلات السافرة في أوضاعها الداخلية، خصوصًا من قبل النظام الإيراني، الذي يعمل على تحجيم دور العراق في المنظومة الدولية وجعله رهينة لأجندات نظام الملالي الذي لا يريد الخير للعراق وشعبه، ويعمل على عزله عن محيطه العربي، وزعزعة أمنه واستقراره، وتشويه علاقاته بالمجتمع الدولي”.
غموض الأجندة والاستعجال !
من جهة أخرى؛ قالت صحيفة (العرب) اللندنية؛ إن: “حالة من الاستعجال وغموض الأجندة ميّزا التحضيرات لمؤتمر بغداد الإقليمي، وأشّرا إلى كون عقد المؤتمر هدفًا بحدّ ذاته لحكومة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، ولرئيس الجمهورية، برهم صالح، المعنيين بوضوح؛ بتسويق صورة مختلفة عن العراق المأزوم داخليًا بغض النظر عن نتائج هذه المناسبة ومخرجاتها”.
وأضافت الصحيفة: “إلى جانب توقّعات بانخفاض مستوى تمثيل الدول المدعوّة للمؤتمر، لا تزال أجندته غامضة وتحوم التسريبات الإعلامية بشأنها حول كمّ كبير من الموضوعات الخلافية والشائكة؛ والتي لا تكفي عدّة قمم ومؤتمرات لحلّها؛ من قبيل تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران والحرب الدائرة في اليمن وإنهيار لبنان وأزمة المياه على مستوى المنطقة”.
عدم دعوة سوريا “خطأ جسيم“ !
وفي صحيفة (رأي اليوم) اللندنية، انتقد “عصري فياض”، غياب “سوريا” عن القمة؛ ورأى أن وزير الخارجية العراقي، “فؤاد حسين”: “لم يتمكن من تمرير مبرر مقنع حول عدم دعوة ومشاركة سوريا في قمة بغداد”.
وأشار الكاتب إلى أن عدم دعوة “سوريا”: “خطأ جسيم”، محذرًا من أنه: “سيترك آثارًا على علاقة البلدين”.
وتساءل “فياض”: “لماذا لا تكون سوريا حاضرة ؟.. ولماذا لا يجسد الجانب العراقي كامل سيادته على أرضه وفي تحركاته السياسية بدعوة سوريا؛ ما دامت القمة لدول جوار العراق، وسوريا هي الدولة الثانية الأوسع حدودًا مع العراق بعد إيران ؟”.
قمة استعراضية وهروب للأمام..
أما أمين عام الحزب (الطليعي) الناصري العراقي، الدكتور “عبدالستار الجميلي”، فيرى أن هذه القمة استعراضية وهروب إلى الأمام أكثر من أن تكون واقعية، فالحكومة التي لم تستطع أن تواجه المشكلات الداخلية وتقدم حلولاً واقعية وعملية لها، كيف لها أن تساهم في حل المشكلات الإقليمية والدولية.
وأضاف؛ في حديثه لوكالة (سبوتنيك) الروسية؛ أن السياسة الخارجية دائمًا هي انعكاس للسياسة الداخلية، و”العراق” يعيش وضعًا داخليا صعبًا، حيث تتراكم المشكلات وتزداد عزلة الكتل، في “بغداد” و”أربيل”، وحكومتها الحالية عن معاناة الشعب العراقي، الذي يئن تحت ضغط الاستبداد والفساد لهذه الكتل، وتبعيتها التي رهنت الإرادة العراقية إقليميًا ودوليًا.
لا مردودات عملية على الأرض..
وتابع أمين الحزب (الطليعي)، وبناءً على ما سبق؛ لن تكون لهذه القمة أية مردودات عملية على الأرض، سوى خسارة المزيد من الوقت في العوم خارج مجرى معاناة الشعب العراقي ومشكلاته السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية، وجميع الأطراف التي ربما ستحضر القمة تُدرك حقائق الوضع العراقي الصعب والهش والهدف الاستعراضي والإعلامي من القمة، لذلك فإنها لن تأخذها على محمل الجدية والتفاعل والمصداقية في مدخلاتها ومخرجاتها.
واستطرد: كان على الحكومة العراقية أن تواجه مشكلات الشعب العراقي؛ التي وصلت حدود الانفجار المتوقع، بدلاً من مداراة الفشل بعمليات إعلامية، والقفز على الوقائع وبيع الوعود التي لم تر النور منذ تشكيلها وإلى الآن.
وتساءل “الجميلي”، كيف لمن لم يرتب بيته ويحميه من الرياح واللصوص وعدوان وتموضع واحتلال الأطراف الإقليمية والدولية، أن يرتب ويحمي بيوت الآخرين ؟
إنطلاقة لدعم الحكومة العراقية..
من جانبه قال المحلل السياسي العراقي، “أياد العناز”، يسعى “العراق” لاستعادة تأثيره العربي والإقليمي والدولي، وهذا يتم عبر تشجيع ومساندة من قبل العديد من الدول الأوروبية والأقطار العربية، ضمن إطار تحديد المستقبل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، ويأتي عقد “مؤتمر بغداد” ليكون بمثابة إنطلاقة لدعم الحكومة العراقية، وتحقيق الموازنات الميدانية في المنطقة، خاصة وأن هناك الكثير من الأزمات والأحداث التي لا زالت قائمة والمتعلقة بطبيعة الحوارات والنقاشات الجارية في العاصمة النمساوية، “فيينا”، وتسارع الأحداث في المشهد الأفغاني.
“فرنسا” تسعى للحضور الواسع في العراق..
وأضاف في حديثه لـ (سبوتنيك)، تسعى “فرنسا”، من وراء هذا المؤتمر؛ إلى أن يكون لديها حضورًا واسعًا ومؤثرًا في المشهد السياسي العراقي، وحدد هذا الدور في جدول زيارة الرئيس الفرنسي؛ التي ستكون إحدى محطاتها مدينة “الموصل”، التي يعلم الجميع مدى الدمار الشامل الذي حل بها وتحطيم البنية التحتية لمدينة حضارية أعطت الإنسانية الكثير من العلوم والمعرفة والتاريخ المجيد .
الانفتاح العربي للنظام الإيراني..
ونوه المحلل السياسي إلى أن، أحد عناوين المؤتمر هي إعادة تكوين العلاقة مع المحيط الدولي، والانفتاح العربي للنظام الإيراني وعبر الحضور في “بغداد”؛ وتحقيق اللقاءات مع بعض القادة والحكام الذين سيحضرون المؤتمر، وقد نرى لقاءًا “سعوديًا-إيرانيًا” مباشرًا على مستوى القيادات السياسية؛ استكمالاً للمشاورات التي تمت، في الأشهر الماضية، بين الجانبين، في “بغداد”.
وأكد “العناز” على أن، أهداف المؤتمر سياسية، ولكن المشهد العراقي والواقع الميداني يُشير إلى أن الشعب العراقي بحاجة إلى أن تكون الحكومة أكثر اهتمامًا بالوضع الداخلي، وتحسين الأحوال المعاشية والاقتصادية والصحية والتربوية لأبناء البلاد، كما هي حريصة على الحضور العربي والدولي.
وأوضح المحلل السياسي، أن هناك مخاضات كبيرة أمام الحكومة العراقية، بدأت عناوينها بالظهور بالخلافات بين السياسيين العراقيين الأضداد حول موعد الانتخابات القادمة، والأزمات المجتمعية والأمنية في الميدان العراقي.
تحدث لأول مرة منذ 1990..
قال المحلل السياسي، “نجم القصاب”، لقناة (روسيا اليوم)، إن: “هذه القمة تحدث لأول مرة، في بغداد، منذ عام 1990، عندما احتل نظام، صدام حسين، الكويت، وهي قمة تعطي قوة ودعم للحكومة العراقية وشعبها أيضًا”.
وأضاف، أن: “هذه القمة ستعطي دفعة قوية للعراق في مجال مكافحة الإرهاب، وكذلك ستكون فرصة للمكاشفة، ماذا سيريد العراق منهم، وماذا يريدون من العراق”.
الإنطلاق من الخارج لإيجاد صيغ التسوية الداخلية..
ويرى الباحث والمفكر السياسي، “أحمد الياسري”، في حديث خاص لموقع (سكاي نيوز عربية)، أن الإشتغالات السياسية التي عملت عليها حكومة “الكاظمي”؛ كحكومة تصريف أزمات أمنية، هي الانتقال من مفهوم: (inside out ) إلى مفهوم: (outside in ) ، أي الإنطلاق من الخارج لإيجاد صيغ التسوية الداخلية.
ويضيف “الياسري”، أن النجاحات التي يحققها “العراق” في خلق مساحة حلول ضامنة تنعكس على وضعه الداخلي، فالتسوية “الإيرانية-الأميركية” في الملف النووي، تُجنب “العراق” التحول لميدان حرب بين الطرفين، عبر الفاعلين الداخليين، وهو ما قد يخلق فراغًا أمنيًا يؤدي إلى تأهب (داعش) بعودة فجائية تُربك الاستقرار الأمني بالمنطقة؛ وتُعيد مشهد عام 2014 إلى الواجهة.
فرصة للتحرر من الكماشة “التركية-الإيرانية”..
وحول نجاح “العراق” بتحقيق تسوية بين الخصوم الإقليميين، يقول الباحث “أحمد الياسري”، إن قيام “العراق” بتسوية بين: “إيران” وخصومها الإقليميين، أيضًا، يمنح “العراق” فرصة العودة الضامنة إلى محيطه العربي وفرصة التحرر من الكماشة “التركية-الإيرانية” الخانقة، عبر فواعلهما الأمنية والتجارية في الداخل العراقي.
رغم صعوبة المهمة والملفات الشائكة، يبقى الرهان الأخير على درجات التفاؤل، فالمعطيات الحالية والاحتمالات المستقبلية، تدفع إلى حلول، قد تنتهي بتصفير الأزمات وبنتائج إيجابية ترضي الجميع.
الأقرب لكل الأطراف..
ويوضح الباحث، “أحمد الياسري”، أن التداخل الحاصل في ملف الأولويات وهندسة النفوذ والحضور الإستراتيجي بالمنطقة؛ في ظل تغير الإستراتيجيات الأميركية العسكرية، بعهد الرئيس، “جو بايدن”، تجعل “العراق” الحلقة الأقرب لكل الأطراف، الأمر الذي يمنحه فرصة العودة إلى دوره الإقليمي الغائب بفعل الاضطرابات الداخلية وغياب الرؤية المحورية.
وإنطلاقًا من ذلك، يذهب الباحث، “أحمد الياسري”، إلى القول إن نجاح حكومة “الكاظمي” بتجربة إحياء الشراكة الاقتصادية مع: “مصر” و”الأردن”، مؤخرًا، دفعها لزيادة رقعة الطموح واللعب بمساحة الشراكة الإقليمية والدولية والخروج من دائرة أنصاف الحلول إلى مساحة الحلول.
ويرى “الياسري” أن ذلك يدفع للحفاظ على استحقاقات الدعم الدولي، لأن “العراق” يشعر أنه كان الجبهة المتقدمة في محاربة الإرهاب، ولأن ذلك يصب في دعم استقرار دول المنطقة والعالم، وعليه فإن كل هذه الفرضيات تحضر في مشهد القمة المرتقب.