حينما فكرت “واشنطن” في احتلال “السعودية” سابقًا .. “ناشيونال إنترست”: هل تفعلها اليوم من أجل النفط ؟

حينما فكرت “واشنطن” في احتلال “السعودية” سابقًا .. “ناشيونال إنترست”: هل تفعلها اليوم من أجل النفط ؟

وكالات – كتابات :

ناقش الكاتب، “مايكل بيك”؛ معضلة “الولايات المتحدة” في التعامل مع حظر “النفط السعودي”، في سبعينيات القرن الماضي، وما وراء تفكير “واشنطن” في احتلال حقول “النفط”، آنذاك، والحلول الأمثل لمشكلة من هذا القبيل، في الوقت الحاضر؛ عبر تقرير نشرته مجلة (ناشيونال إنترست) الأميركية.

في البداية، يُبرز الكاتب؛ فقرة وردت في سياق تقريره بشأن تداعيات خطوة من قبيل غزو حقول “النفط”، في “المملكة العربية السعودية”؛ إذ يقول إنه في نهاية المطاف يظل السؤال مطروحًا، مثل حالة غزو “العراق” تمامًا: ماذا تفعل “أميركا” بالأرض بعد احتلالها ؟.. هل تحتلها احتلالًا دائمًا يحوِّل حقول “النفط”، في “السعودية”؛ إلى جيب آخر في خليج “غوانتنامو” ؟.. أم لا تُعيد حقول “النفط” إلى أصحابها إلا إذا خفَّضت (أوبك) أسعار “النفط”، وهو ما قد يُخلِّف علاقات مريرة بين العالم وأكبر منتجي “النفط”، (لأنها أجبرتهم على خطوة لا يريدونها) ؟

ما بين الأمس واليوم..

استحضر “بيك”؛ ما حدث قبل 30 عامًا من غزو “أميركا”، لـ”العراق”، عندما كانت “الولايات المتحدة” على وشك غزو “السعودية”. وعاش الأميركيون وقتًا عصيبًا في الأشهر الأخيرة، من عام 1973، بعد أن فرضت الدول العربية المنتجة لـ”النفط” حظرًا على تصدير “النفط”، لـ”الولايات المتحدة”، في تشرين أول/أكتوبر من ذلك العام، وذلك للانتقام ظاهريًّا من “الولايات المتحدة” بسبب دعمها العسكري لـ”إسرائيل”؛ خلال حرب تشرين أول/أكتوبر عام 1973.

وبحلول الوقت الذي انتهى فيه الحظر، في آذار/مارس 1974، كان الضرر قد وقع بالفعل، فقد تضاعفت أسعار “النفط” العالمية أربع مرات، الأمر الذي أدَّى إلى سنوات من الركود والتضخم. ولن ينسَ أي أميركي، عاش خلال حقبة السبعينيات؛ الطوابير الطويلة في محطات الوقود؛ حيث كانت تُرفَع أعلام حمراء أو خضراء للإشارة إلى وجود الوقود من عدمه في المضخات. ومع التخمة في سوق “النفط”، اليوم، وهبوط أسعار “الغاز”، فمن الصعوبة بمكان تذكر وقت عاشه الأميركيون لم يكن بإمكانهم فيه شراء “الغاز” سوى في أيام محددة، اعتمادًا على لوحات رخصتهم وهل تحمل أرقامًا فردية أم زوجية.

وأشار الكاتب إلى أن العالم انقلب رأسًا على عقب. وبعد أن كانت الدول الغنية بـ”النفط”، مجرد دول منتجة لـ”النفط” ترزح تحت رحمة الدول الغربية وشركات “النفط” الكبرى، أضحت بين عشية وضحاها تقف في مصاف القادة العالميين، وباتت منتشية بالأموال الطائلة المتدفقة إليها من كُلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، حتى إنها بالكاد تستطيع إنفاقها كلها، وصارت كذلك مسلحة بأغلى الأسلحة، والتي بالكاد كانت تعرف كيف تستخدمها.

قوة “أوبك” المتزايدة..

لقد أرتعدت فرائص العالم أمام “منظمة البلدان المصدرة للنفط”، (أوبك)، التي كان يٌسيطر أعضاؤها، الذي ينتمي أغلبهم إلى منطقة الشرق الأوسط، على شريان حياة الاقتصاد العالمي.

وأضاف “بيك”؛ أن “الولايات المتحدة”، مثلها مثل بقية دول العالم، دفعت على مضض مقابل أسعار “النفط” المرتفعة. ولكن بدلًا من الدفع مُرغمة، ماذا لو كانت اختارت “أميركا” أن تأخذ “النفط” بالقوة ؟.. في عام 2004، كشفت وثائق الحكومة البريطانية ،التي رُفِعت عنها السرية، عن أن “الولايات المتحدة”؛ كانت قد نظرت في الاستيلاء العسكري على حقول “النفط” في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من عدم ذكر خطة عسكرية صريحة، فإن الوثائق البريطانية تُظهر أن القادة البريطانيين كانوا يشعرون بالقلق من محادثة جرت بين وزير الدفاع الأميركي، آنذاك، “جيمس شليزنغر”، واللورد “كرومر”، السفير البريطاني لدى “الولايات المتحدة”، آنذاك.

استخدام القوة ضد “السعودية” !

في تلك المحادثة، قال “شليزنغر” لـ”كرومر”: “لا أفهم لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة استخدام القوة. إن إحدى النتائج المثيرة للإهتمام الخاصة بأزمة الشرق الأوسط تتمثل في أن فكرة خضوع الدول الصناعية الكبرى باستمرار لأهواء الدول النامية القليلة السكان، لا سيما بلدان الشرق الأوسط، قد يؤدي إلى تغييرٍ في تصورات العامة بشأن الاستفادة من خيار القوة الذي تتمتع به الولايات المتحدة والتحالف”.

وكان رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك،” إدوارد هيث”، قلقًا للغاية من حديث، “شليزنغر”، القاسي، بالإضافة إلى تلميحات عن عمل عسكري من وزير الخارجية الأميركي، آنذاك، “هنري كيسنغر”، وهو الأمر الذي دفع “هيث”؛ لطلب تقييم من المخابرات البريطانية عن نوايا “الولايات المتحدة”. وخلُص التقرير الاستخباري البريطاني؛ إلى أن “الولايات المتحدة”: “قد تأخذ بعين الاعتبار عدم قدرتها على تحمُّل موقف تكون فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها تحت رحمة مجموعة صغيرة من الدول التي تتجاوز حدودها. ونعتقد أن التفضيل الأميركي سيكون لتنفيذ عملية سريعة من جانبهم للاستيلاء على حقول النفط. وستكون القوة المطلوبة للعملية الأوليَّة مكوَّنة من لواءين، أحدهما للعملية في السعودية، والآخر للكويت، وربما الثالث لأبوظبي”.

وتابع التقرير البريطاني: “وتتطلب التعزيزات وجود قوة بحرية أميركية كبيرة في المحيط الهندي، أكبر بكثير من القوة الحالية. وبعد الهجمات الأوليَّة، يمكن نقل فرقتين إضافيتين من الولايات المتحدة”.

وحسبت “لجنة الاستخبارات البريطانية” المشتركة؛ أن الاستيلاء على حقول “نفط” يبلغ مجموع احتياطياتها: 28 مليار طن من “النفط”؛ سيكون كافيًا لاحتياجات “الولايات المتحدة” وحلفائها. ومع ذلك، حذَّر التقرير من أن: “الاحتلال الأميركي سيُلزمه البقاء لمدة: 10 سنوات؛ حتى يتنسى للغرب تطوير مصادر طاقة بديلة، وسيؤدي ذلك إلى: (قَطِيعَة كاملة)، مع العرب وكثير من دول العالم الثالث”. كما أعرب المحللون البريطانيون عن قلقهم إزاء رد الفعل السوفياتي، رغم أنهم خلصوا إلى أن رد “موسكو” سوف يكون على الأرجح دعائيًّا أكثر منه عسكريًّا.

خطوة سهلة لم تتخذ أبدًا !

وأوضح “مايكل بيك”؛ أن “أميركا” كان بوسعها الاستيلاء على حقول “النفط” دون مشكلات تُذكر. ومع خروج الجيش الأميركي، آنذاك، من “فيتنام”، كان من الممكن تخصيص فرقتين للشرق الأوسط مع الإحتفاظ بقوة للحماية ضد أي هجوم سوفياتي في “أوروبا”. وفي عام 1973، كان السعوديون يفتقرون إلى كل تلك الأسلحة الأميركية والأوروبية ذات التكنولوجيا العالية، مثل مقاتلات (إف-15) وطائرة الإنذار المبكر من طراز (أواكس)، والتي تمكَّنت أموال “النفط” السعودية من شرائها؛ بعد بضع سنوات.

وحتى الآن، هناك شكوك جديَّة بشأن قدرة الجيش السعودي على استخدام أسلحة متطورة. أما فيما يتعلق بالجيش الكويتي، فلم يستطع إيقاف، “صدام حسين”، في عام 1990، ولم يكن ليوقف مشاة البحرية الأميركية، في عام 1973.

ولو كانت الإمبراطورية البريطانية، في القرن التاسع عشر؛ كما هي عليه الآن، أو لو كانت: “دبلوماسية الزوارق الحربية”، التي انتهجها الرئيس الأميركي، “تيدي روزفلت”، معمولًا بها، لكان استخدام القوة أمرًا مؤكدًا تقريبًا. ولكن في النهاية، لم تفعل “الولايات المتحدة” والعالم؛ أي شيء سوى دفع المزيد من الأموال في مقابل الحصول على الوقود، (نسخة من لعبة حرب الورق 1975 “حرب النفط” قد تروي ظمأ مَنْ يريدون رؤية كيف يمكن القيام بعملية عسكرية لاحتلال حقول النفط في السعودية).

والحقيقة، وفق ما يرى الكاتب في تقريره، هي أن حظر “النفط” جاء في أسوأ وقت ممكن؛ فقد كان إنتاج “الولايات المتحدة”، من “النفط”، ينخفض، منذ عام 1970، وتزامن ذلك مع الارتفاع الشديد في التضخم، في وقت تورط فيه الرئيس، “نيكسون” في فضيحة “ووترغيت”، وكانت “أميركا” قد انسحبت لتوها من “فيتنام”، وكانت تكتنف الجيش الأميركي حالة من الفوضى، وكان الإنخراط في حرب أخرى يُعد آخر ما يريده الشعب الأميركي.

وربما أقتضى احتلال طويل الأمد، للشرق الأوسط؛ إعادة التجنيد الإلزامي، الأمر الذي كان سيُجدد أعمال الشغب المرتبطة بمعارضة نظام التجنيد الإجباري في الستينيات.

ولو كانت “الولايات المتحدة” قد احتلت حقول “النفط” العربية، لكانت قد فعلت ذلك بمفردها. فمن الواضح أن البريطانيين لم يكن لديهم رغبة في ذلك. ويمكن قياس رد فعل “حلف شمال الأطلسي”، الـ (ناتو)، من خلال حقيقة أن حلفاء “أميركا”، باستثناء “البرتغال”، منعوا طائرات النقل الأميركية العاملة في نقل الإمدادات جوًّا إلى “إسرائيل”، خلال حرب تشرين أول/أكتوبر؛ من التحليق الجوي في أجوائها وإعادة التزود بالوقود فوق أراضيها.

ولم يكن بإمكان العالم الثالث، الذي كان لا يزال يخرج من بوتقة نضالاته التحررية المناهضة للاستعمار، تأييد احتلال من هذا القبيل. ومن المفارقات في هذا الصدد أن الدولة الوحيدة التي ربما لم تكن لتعارض تلك الخطوة هي: “إيران”، الحليف الرئيس لـ”أميركا”، في الخليج العربي، آنذاك.

الحل الأمثل..

وتطرَّق “بيك”؛ إلى أن حالة اختبار غزو “السعودية”، عام 1973، تحققت، بعد 30 عامًا، مع غزو “العراق”، عام 2003، لكن الظروف كانت مختلفة تمام الاختلاف؛ فقد كان عدد سكان “السعودية” أقل كثيرًا من عدد سكان “العراق”، وكان هدف “الولايات المتحدة” يتلخص في احتلال حقول “النفط”، وليس تغيير النظام. ولكن الأمر الذي كان من الممكن أن يترتَّب على ذلك؛ هو اندلاع نسخة مبكرة من الحرب على الإرهاب.

ولم يكن قد ظهر بعد تنظيم (القاعدة)، في مطلع السبعينيات، وكان “أسامة بن لادن”؛ لا يزال مجرد طفل سعودي ثري مدلل. ولكن كان هناك في المقابل أنصار القومية العربية، والعُرُوبِيَّون واليساريون العرب الذين ما زالوا يؤمنون بالشيوعية، وعدد وافر من الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا واليابان؛ تبحث فقط عن قضية تناضل من أجلها. وبدلًا من الانتحاريين، كان من الممكن أن تكون هناك حرب عصابات وإرهاب؛ وربما حتى تصاعد في الأصولية الإسلامية قبل ظهور “بن لادن”.

وفي نهاية المطاف يظل السؤال مطروحًا، مثل حالة غزو “العراق” تمامًا: ماذا تفعل “أميركا” بالأرض بعد احتلالها ؟.. هل تحتلها احتلالًا دائمًا يحوِّل حقول “النفط”، في “السعودية”، إلى جيب آخر في خليج “غوانتنامو” ؟.. أم لا تُعيد حقول “النفط” إلى أصحابها؛ إلا إذا خفَّضت (أوبك) أسعار “النفط”، وهو ما قد يُخلِّف علاقات مريرة بين العالم وأكبر منتجي “النفط”؛ (لأنها أجبرتهم على خطوة لا يريدونها) ؟..

ويُشدِّد الكاتب في ختام تقريره؛ على أن البحث عن مصدر طاقة بديل لا يعتمد على النفط الأجنبي، كان الحل الأمثل حينها ولا يزال هو الحل الأمثل حتى اليوم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة