مهما أختلفت الآراء بشان مقدمات التغيير السوفيتي،وتحوله بعد فترة زمنية قصيرة نسبيا؛ الى تقويض للدولة والتجربة برمتها، فان عوامل التآكل كانت تدب في الجسد الضخم المصاب باعراض نقص أنسولين الحياة،وكانت جموع الجماهير تنتظر قيادات شابة.
فقد انشغل الشارع السياسي،همسا او جهارا في الداخل،بتداول اسماء شخصيات مرشحة لخلافة كهول المكتب السياسي ،بعد وصول يوري اندروبوف(1914-1984)، رجل جهاز آمن الدولة القوي الى رئاسة الحزب والدولة.
وكانت أولى تباشير التحول، المقالة المنشورة في مجلة الحزب النظرية
” كومينيست” وصدرت تعليمات للأجهزة الحزبية بدراستها واعتمادها وثيقة في تثقيف منتسبي الحزب و
” الجماهير” التي لم تكترث لمقال الأمين العام يوري اندروبوف، قدر اهتمامها بترقب، التحسن المنتظر في توفير المواد الغذائية، و نوعيتها.
في تلك الفترة وقع الحدث المدوي بإعدام مدير أكبر متجر للاغذية والمواد المنزلية في موسكو ” المخزن رقم واحد، والمعروف شعبيا باسم “يليسيفيسكي” نسبه الى التاجر الروسي غريغوري يليسييف الذي افتتحه عام 1901 وتميز باقسامه الوثيرة، وديكوراته التاريخية ولوحاته الثمينة.
وبعد اكتوبر٦ 1917، أمم البلاشفة ممتلكات القطاع الخاص، ومنذ مطلع عشرينيات القرن الماضي، اصبح المتجر الشهير، علامة فارقة في شارع غوركي بقلب موسكو.
وحتى خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وفرت الإدارة الحكومية للمحل متعدد الاجنحة، أفضل المواد والسلع.
في نفس الوقت ذاع صيت، الأبواب الخلفية، للمتجر، حقبة بريجنييف، حين كان المضاربون ، وتجار السوق السوداء، بالإتفاق مع الإدارة الفاسدة، يستولون على أفضل السلع، لتباع في السوق الموازية .
بعد وصول اندروبوف، القي القبض على المدير سوكولوف وعدد من مساعديه، وجرت محاكمتهم بتهم الفساد، وتم إعدام سوكولوف.
ولامس الحادث، مشاعر الناس، واعتبروه مؤشرا على بدء حملة ضد الفساد المتفشي؛وسط نقص حاد في سلة الغذاء،والمواد الضرورية.
لم يحكم يوري اندروبوف، غير 15 شهرا ( تشرين ثاني 1982- شباط 1984)، عانى خلالها من تفاقم المرض، بسبب مضاعفات الإصابة بفيروس (الحماق أو الجدري) عام 1980 أثناء زيارة الى أفغانستان لتفقد القوات السوفيتية هناك.
وسبب المرض لاندروبوف عجزا كلويا،عجّل بوفاته،لكنه خلال سنوات عمله في جهاز أمن الدولة وسكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، سعى الى إتاحة فرص التدرج في السلم الحزبي للكوادر الشابة، التي اعتقد انها الاكثر تقبلا للأفكار الاصلاحية ومن بينهم ميخائيل غورباتشوف.
خَلَفَ اندروبوف، أحد افشل عجائز المكتب السياسي للحزب الشيوعي، قسطنطين تشيرنينكو الذي كان جثة تتحرك بصعوبة، مع حزمة من الامراض، ليس أقلها الربو. ويشار الى ان اختياره، تم في سياق تسوية بين أجنحة الحزب،بهدف تاجيل الصراع بين المتنافسين الرئيسيين، سكرتير منظمة الحزب في لينينيغراد غريغوري رومانوف وسكرتير منظمة موسكو فيكتور غريشين على رئاسة الحزب والدولة.
وقع الاختيار على الكهل المقعد تشيرنينكو لأن الأجنحة المتصارعة، توقعت رحيله عن الحياة خلال فترة زمنية ليست طويلة، لترتيب الأوراق، وتجميع القوى.
وحصل ان ميخائيل غورباتشوف، وبدفع مما كان يوصف بجماعة اندروبوف، فاز بمنصب الأمين العام للحزب، خلفا لتشيرنينكو الذي شغل المنصب لأقل من عام، قضاها طريح فراش المرض .
وسرعان ما واجهت القائد الشاب، سلسلة مصاعب وكوارث، بينها الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وكارثة تشرنوبيل، والخسائر البشرية والمالية المتفاقمة للتدخل العسكري السوفيتي في افغانستان.
وقعت كارثة تشيرنوبيل ( 1986) اي بعد عام من وصوله الى سدة الحكم، وعجلت في مشروع غورباتشوف بضرورة المكاشفة والمصارحة، بعد ان تسترت موسكو على الانفجار المروع في المفاعل النووي؛ ثلاثة أيام بلياليها، حتى وصل الاشعاع الى مركز للرصد في السويد، لتنفجر فضيحة سياسية،شجعت غورباتشوف على إطلاق العنان لسياسة( غلاسنوست- المكاشفة) وفتحت المغاليق أمام الصحفيين المتعطشين إلى الإعلام الحر المنفتح.
وصدرت صحف جديدة، وإذاعة غير حكومية ( ايكو-موسكوفي أو صدى موسكو) ساعدت غورباتشوف أثناء المحاولة الانقلابية في اغسطس 2991 على حشد أنصار الإصلاحات وخروج ألوف المتظاهرين الذين أفشلوا المحاولة الانقلابية ولم يتمكن المشاركون في تدبيرها؛من أقتحام مبنى مجلس السوفيت لان المحتجين بنوا حوله جدارا بشريا الى جانب الحواجز الكونكريتية والشاحنات، وصفوف حافلات النقل العام المتوقفة .
حين شاهد المارشال ديمتري يازوف الحائز على درزينة من اوسمة بطل الإتحاد السوفيتي لدوره في الحرب ضد المانيا الهتلرية، تلك الحشود،استقال من لجنة الدولة للطواري، وأمر بانسحاب القطعات العسكرية من موسكو ولينينغراد.
وأبلغ اعضاء اللجنة “خدمت بلادي وحاربت العدو ولست مستعدا لتوجيه الرصاص ضد الشعب).
باستقالة يازوف؛ إنهار الانقلاب، وفشلت خطة أقتحام “البيت الابيض” المقررة ليلة 21 اب/ اغسطس.
وكنا شهودا على التحركات، ومظاهر الخوف والقلق، وتفشي الشائعات والمشاعر المختلط، والارتباك داخل المبنى العملاق.
يتبع…