منذ ايام , كتبتُ عن الراحل الدكتور حسام الآلوسي ، وبنهاية المقال ، وعدتُ القارئ بأنني سأكتب عن ديوانه الذي حمل عنوان : (زمنُ البوح) . وايفاءً بالوعد ، ها أنذا أكتب .
الديوان يضم (740) صفحة من القطع الكبير ، وصدر عام 2008 ، وتقديم الدكتور الأكاديمي اليمني عبد العزيز المقالح . أهدى الآلوسي ديوانه : الى وطنه العراق ، وعائلته الكبرى شعب العراق ، والى خاصته أفراد عائلته الصغيرة .
خمس مجموعات
قسم الشاعر قصائده الى خمس مجموعات ، واعتمد التسلسل الزمني . فالمجموعة الاولى سمّاها : (مرحلة التلمذة في الثانوية ، قبل 1952) . والمجموعة الثانية ، وهي مرحلة تلمذته في قسم الفلسفة ، والتعيين كمدرس ، 1952 – 1961 . والمجموعة الثالثة (1965 – 1969) .
وهناك مجموعات أخرى ، هي : –
– مجموعة بنغازي 1968 ، وتقع ضمن المجموعة الثالثة .
– المجموعة الرابعة (اليمن : جامعة عدن ، جامعة صنعاء ، 1999 – 2003 ) .
– المجموعة الخامسة : (اليمن ، والعراق منذ الغزو الامريكي حتى عام 2006) .
فيلسوف أم شاعر ؟
الموقف من قصائد الآلوسي ، تركز في التساؤلات الآتية :-
– هل هو فيلسوف ؟
– هل هو شاعر ؟
– أم فيلسوف شاعر ؟
وبهذا الخصوص ، كانت هناك آراءٌ متباينة . فالدكتور عبد العزيز المقالح ، وكان رئيساً لجامعة صنعاء لعدة سنوات ، يشير الى رسالة تلقاها الأكاديمي حسام الآلوسي من أحد أصدقائه وتلامذته ، جاء فيها : (أخذك الشعر ، وهو أمر لا أرتضيه ، لأِنك من عشرين عاماً تربعتَ على عرش الفلسفة في العراق ، وكنتَ الممثل لطلابك من حولك ، وكان بامكانك وبسهولة أن تتربع على عرش الفلسفة في الشرق ، ولكنك انحرفت عن الجادة ، ليس لأنك غير جدير ، ولكنها حالة من حالات التصوف والانكسار) .
ويعقب الدكتور المقالح ، على هذه الرسالة ، كما جاء في الصفحة الثالثة من الديوان ، بقوله : (أتعجب مما ذهب اليه صاحب هذه الكلمات ، ومن تقديره بأن الاقتراب من الشعر ومناجاة الوجدان ، إنحراف عن الجادة . وهل الشعراء الكبار في العالم منحرفون ؟ هل هناك تناقض ما بين الشعر والفلسفة ، بين الفكر في حقيقته الفلسفية ، والفلسفة في حقيقتها الشعرية ؟ . هل كان إبن سينا منحرفاً عندما كتب شعراً ؟ ) .
من كل حديقة زهرة
سنعمد الى أن نقتطف زهرة أو أكثر من حدائق شعر الآلوسي . أن نقرأ بعض قصائده أو أبيات منها . ولكننا نشير الى أن معظم قصائد الآلوسي ، غلب عليها الحزن والفراق بسبب الاغتراب ، كما غلب عليها المضمون الوطني اليساري .
ففي إحدى قصائده ، يخاطب أحباءه ، قائلاً :
يا غائبين وعن بعد أشاهدهم
أنتم معي ها هُنا في قلبي الصادي
يا حادي الركب حدثني بلا ملل
عنهُم ، ففي ذاك إيناس واســـعادي
يؤكد الآلوسي ، أن هناك موقف له في كل قصائده ، أو ربما تعددتْ أشكال المواقف بحسب المرحلة الزمنية والعمرية . هناك تعبير وجداني انفعالي عاطفي عن الطبيعة أو الوطن أو الأهل أو الأحفاد ، كما يشير الآلوسي .
وفي كتابه الذي تضمن حواراته مع الشاعر حسام الآلوسي ، يؤكد الباحث حميد المطبعي ، (أن شعر الآلوسي ، يعبر عن مرحلته ، فلا توجد قصيدة من هذه القصائد إلاّ وتعبر عن المرحلة التي مر بها ، وهي انكسار التقليد عنده وشعوره بفقدان العدالة في مسرح التاريخ ومسرح الحياة ، لذلك تغلب على القصائد روح فلسفية قوامها التساؤل والشكوى والنقد المبطن أو الصريح ..) .
جاء في قصيدة للآلوسي في مرحلة الثانوية :
سَدّوا عليّ مسالك التجديد
فأبى القديم تبصري وقصيدي
وفي قصيدة حملتْ عنوان (قلبي) يقول :
قلبي مفتوحٌ للشمسِ
فاذا ما غابت أغلقهُ
واذا ما نورٌ لاحَ له
عن بُعد يدنُو أفتحــه
وفي قصيدة له ، حملت المكان والزمان التالي (صنعاء 1/7/1999):
مُسافٌر هدّهُ التجوالُ والسفرُ
موزع يعتريه الهمُ والكدرُ
وفي قصيدة أخرى ، بنفس المكان والعام ، قال :
تفاقم الشوقُ واشتدَتْ تُحاصرني
دروبُ صنعاء كمصيودٍ وصيّاد
ومن قصيدة حملت عنوان : (بعد فراقهم) وتاريخها ومكانها : (آب/2006 – بغداد) ، يقولُ الشاعر :
ضُحى كلّ يومٍ ساهمٌ بحديقةٍ
وكانتْ رياضاً فاستحالتْ صحاريا
لن نقطف المزيد من زهور حدائق الشاعر الفيلسوف الدكتور حسام محيي الدين عبد الله الآلوسي ، لنترك القارئ يقطف ما يرغبه من زهور : الوطنية والفلسفة والاغتراب والحزن .