هل هناك مؤامرة لزعزعة استقرار الخليج ونقل العمليات الإرهابية من العراق إلى عدد من دول المنطقة؟! ثمة أكثر من تساؤل في هذه العبارة التي تتداولها منذ أيام عدة أجهزة استخبارية غربية على ضوء آخر التقارير التي تلقتها من محطاتها في العراق وبعض الدول الخليجية والشرق أوسطية، وذلك في إطار أكبر عملية رصد وتعاون استخباري تحصل منذ أحدث سبتمبر “أيلول” والغزو الأميركي للعراق.
وفي معلومات حصلت عليه “الوطن العربي” من مصادر اطلعت على جميع هذه التقارير أن الأجهزة المعنية توقفت مطولا عند حدثين استجدا مؤخرا وارتبطا بتطورات الوضع على الساحة العراقية وكشف للمرة الأولى في شكل ملحوظ منذ أشهر حجم الثروات والانعكاسات الخطيرة لما يحصل في العراق في اتجاه دول المنطقة.
نظرياً لا شيء يربط بين الحدثين لكن الخبراء وجدوا فيهما أكثر من عنصر يؤكد المخاوف التي تتكرر في غالبية التقارير منذ آخر الصيف.
الحدث الأول الذي توقف عنده المراقبون كان في تصريح لوزير داخلية العراق بيان حبر صولاغ يكشف فيه عن خطة لجماعة الزرقاوي لنقل العمليات إلى الخليج، ولوحظ أن الوزير العراقي بنى معلوماته على من قال إنه بيان عثر عليه في منزل الرجل الثاني في قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، أبو عزام إثر نجاح قوات التحالف في تصفيته، وعلى الرغم من شكوك عدد من الأجهزة الأمنية في عملية النيل من “الرجل الثاني” للقاعدة، في العراق كونها ليست المرة الأولى التي تنشر فيها معلومات عن مقتل “الرجل الثاني” إلى أن ما أثار الشكوك أكثر هو حقيقة أن يكون المدعو “أبو عزام” ظل يحمل معه رسالة وجهها إلى الزرقاوي قيل شهر حول نقل العمليات إلى الخليج.
ووصل بعض الخبراء إلى حد اعتبار “معلومة” بيان حبر إنذارا لدول الخليج بأن عمليات الزرقاوي ستصل قريباً إليها، خصوصا وأن ذلك تزامن مع تصريحات عدائية أطلقها الوزير العراقي ضد المملكة السعودية في شكل لم تعهده الأعراف الدبلوماسية ولا طبيعة العلاقات السعودية ـ العراقية.
ومن هنا توقف هؤلاء الخبراء عند اعتبار تصريحات الوزير العراقي ناطقة باسم إيران وليس العراق، خصوصاً وأن العديد من التقارير تعتبره “إيراني الأصل” وواحد من زعماء “قوات بدر” التي أنشأها وأشرف على تدريبها وتمويلها الحرس الثوري الإيراني.
ولعل ما دفع بالخبراء إلى إثارة الشكوك وحتى الشبهات في “تهديدات” بيان جبر بالزرقاوي هو أنها تزامنت مع التقارير التي كانت ترد من المخابرات البريطانية حول نشاطات الحرس الثوري السرية في العراق وعن استراتيجية هجومية جديدة أعدتها إيران لاختراق دول خليجية أخرى عبر تصدير الثورة إليها والعمل على نقل النموذج الذي استخدمه الحرس الثوري بنجاح في العراق إلى هذه الدول.
وكشف مصادر أمنية بريطانية لـ “الوطن العربي” أن ما حرصت لندن على تسريبه من محتوى تقاريرها عن حجم التغلغل الإيراني ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد وأن استراتيجية إيران تذهب إلى أبعد من العراق وهي أخطر بكثير مما تم الإعلان عنه رسميا أو في شكل شبه رسمي!
وفي معلومات أن “الدبلوماسية” البريطانية تعمدت حصر رسالتها على الإيرانيين بالعراق، ولذلك لم يكشف إلا عن المعلومات التي تتهم إيران، وتحديداً الحرس الثوري والتيار الأكثر تشدداً في نظام الملالي بأن مسؤولية مهاجمة القوات البريطانية في جنوب العراق والتي أدت إلى مقتل ثمانية عسكريين خلال الأشهر الماضية تقع على طهران وأنها جزء من خطة أعدها ومولها ويشرف على تنفيذها الحرس الثوري عبر أكثر من 12 تنظيماً مسلحاً قام بإنشائها في العراق عبر تسميات مختلفة أبرزها قوات “بدر” وجيش “المهدي” و “حزب الله” وحزب “الفضيلة” و “ثأر الله” وغيرها.
وكان لافتاً أن لندن حرصت للمرة الأولى على اتهام إيران مباشرة باستخدام الساحة العرقية لمواجهة البريطانيين وليس فقط لدفعهم إلى الخروج من العراق، بل أيضاً إلى تغيير سياستهم المتشددة في المفاوضات الدائرة حول البرنامج النووي، لكن ما تضمنته التقارير البريطانية من تفاصيل تجاوز تدخل إيران المعروف في العراق وعبر التنظيمات الشيعية المختلفة ليفضح استراتيجية إيرانية شاملة على مستوى المنطقة وربما أبعد من أجل استخدام ورقة الإرهاب وتصدير الثورة الخمينية على طريقة ما، لأن يحصل في الثمانينيات، وفي هذا المجال كشفت التقارير البريطانية أن استراتيجية تصدير الثورة والإرهاب من العراق إلى دول الخليج قد أعدت على أعلى المستويات، وأن الضوء الأخضر لها قد جاء من مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي وحازت على مباركة المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يسيطر عليه المتشددون وتم تكليف قيادة الحرس الثوري بتنفيذها من خلال أجهزتها المختلفة في مؤسسات الدولة وفي مقدمها “قوات القدس” التي تعتبر وحدة العمليات الخارجية في الحرس.
وتأكيداً لذلك تشير المصادر الاستخبارية إلى أن قائد قوات القدس الجنرال قاسم سليماني المقرب من خامنئي ومن الرئيس أحمدي نجاد قد كلف بالإشراف على خطة تصدير الثورة واختراق الدول الخليجية،خصوصاً بعدما قاد بنجاح خطة اختراق الساحة العراقية منذ الاحتلال الأميركي لها، وتمكن عبر وسائله المختلفة التي يقال إنها استندت إلى دعم أمني واقتصادي وديني وعسكري ومالي تجاوز الثمانين مليون دولار سنوياً في منع إقامة حكم عراقي مؤيد للولايات المتحدة وفي تحويل العراق إلى جمهورية إسلامية على الطريقة الإيرانية وإيصال رجالات طهران إلى أعلى مراكز السلطة والقرار في العراق، تأليب الشيعة العراقيين ضد السنة إلى حد دفعهم إلى الارتماء في أحضان إيران، وطمس المشاعر القومية العربية عند غالبية زعمائهم والعامة منهم، وذلك باستغلال حالة الحرب والمجازر والتكفير التي أعلنها أبو مصعب الزرقاوي ضد الشيعة.
ولعل المفاجأة في التقارير البريطانية أنها لم تكثف باتهام إيران بعلاقاتها المشبوهة مع “القاعدة” جماعة الزرقاوي بتأكيدها أن جماعات الحرس الثوري لا تتولى فقط تزويد التنظيمات المسلحة الشيعية بالسلاح، بل إنها تقوم أيضاً بتزويد المقاومة السنية بالأسلحة والذخائر والألغام، وذكرت التقارير هنا أن سليماني هو من قادة الحرس الثوري الذي قدموا اللجوء والدعم لعدد من عناصر “القاعدة” ورموزها وخصوصاً سيف العدل والزرقاوي، وأن قائد قوات القدس هو من أتباع استراتيجية دعم هذه الجماعات المسلحة في حربها ضد القوات الأميركية وحتى في مجازرها ضد الشيعة، ما دامت تخدم استراتيجية الثورة الإيرانية وتقود إلى رفع مستوى العداء والكراهية والدماء بين السنة والشيعة، وخصوصاً إلى تأليب الشيعة ضد السنة وطلب الحماية من إيران!!
وكان لافتاً أن التقارير البريطانية غير المنشورة والتي حرصت لندن على عدم تسريبها في إطار حملتها المدروسة ضد إيران تساءلت بوضوح في خطة نقل هناك أصابع الحرس الثوري في خطة نقل العمليات الإرهابية إلى دول الخليج وعن حقيقة الأهداف الإيرانية من إضافة عناصر تصدير الإرهاب إلى مخطط تصدير الثورة إلى الخليج، والواقع أن بعض هذه التقارير يكشف بوضوح عن وجود مخطط لاستهداف عدة دول خليجية بعمليات إرهابية في الأسابيع المقبلة.
وأشار أحدها إلى أن دولتي الكويت والبحرين هما حالياً الأكثر عرضة لعمليات إرهابية على أراضيهما والأكثر تهديداً بمحاولات زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي.
لكن التقرير نفسه يتحدث عن مخاطر تهدد المنطقة بأكملها، مشيراً إلى استراتيجية هجومية إيرانية في اتجاه الخليج تحت شعار العودة إلى “تصدير الثورة” ومواجهة المشروع الأميركي بمشروع إسلامي إيراني واستغلال الاختراق الذي حققته طهران في العراق بمحاولة بسط هيمنتها ونفوذها في المنطقة.
وكشفت التقارير أن مخابرات الحرس الثوري قد بدأت في إحياء “حزب الله” الخليج عبر إنشاء خلايا وشبكات محلية في عدة دول، وقامت لهذه الغاية بإنشاء شركات استيراد وتصدير ومصارف كواجهات تتولى مهمة الاتصال بتنظيمات وجمعيات وحركات ثقافية تعتبر موالية لإيران، ولعل الجانب الأخطر هو لجوء الحرس الثوري إلى فتح معسكرات تدريب لشباب من عدة دول خليجية وتكشف المعلومات البريطانية عن أن الحرس الثوري حرص على إبعاد الشبهات عن إيران في تجنيد وتدريب الشباب الخليجي وقام لهذه الغاية بإرسال مجموعات خليجية إلى معسكرات تدريب في جنوب العراق “منطقة البصرة” تابعة لقوات بدر وأخرى في سورية وثالثة في البقاع اللبناني تابعة لحزب الله وتتولى عناصر من “قوات القدس” تدريب هذه الجماعات على السلاح وتفخيخ السيارات وحرب العصابات.
وكان لافتاً أن المعلومات التي سربتها المخابرات البريطانية تحدثت عن استخدام إيران لمعسكرات لتدريب عناصر شيعية عراقية في سورية ولبنان لكن العارفين بحقيقة وحجم اختراق قوات القدس للساحة العراقية، وخصوصاً مناطق الجنوب أدركوا عدم حاجة الإيرانيين لإرسال شباب عراقيين إلى لبنان وسورية وأن هذه المعسكرات قد فتحت خصيصاً للشباب الخليجيين وتحديداً للشباب الشيعة الذي بدأت مخابرات الحرس الثوري بالعمل على تجنيدهم وتعبئتهم استعداداً لمراحل منتظرة ومطط لها لتصعيد الخلافات بين الشيعة والسنة في أكثر من دولة خليجية ودفع الشيعة إلى إثارة اضطرابات على خلفية مطالب اجتماعية أو مذهبية.
وعلى ضوء هذه المعطيات يبدى أخر التقارير مخاوف من انعكاسات خطيرة للعلاقة البريطانية عن دور إيران في دعم “المقاومة السنية” في العراق وتزويد جماعات متطرفة مقربة من الزرقاوي أو “أنصار الإسلام” بالسلاح والذخيرة، وهي تقارير أعادت تسليط الأضواء على علاقة الحرس الثوري برموز “القاعدة” الذين ما زالوا يعيشون في حماية مخابرات الحرس في إيران وحتى في ضواحي طهران.
وتصل مخاوف هذه الأجهزة والتي عبرت عنها لندن صراحة إلى حد توقع أن تنتقل عدوى تواجد العراقيين بين مطرقة الزرقاوي وسندان قوات بدر وسائر التنظيمات التي يشرف عليها “قوات القدس” إلى وضع أكثر من دولة خليجية في المرحلة المقبلة بين مطرقة المتطرفين السنة وسندان المتطرفين الشيعة لحساب استراتيجية اختراق وهيمنة قررت طهران أن تجعلها إقليمية على ضوء نجاح تجربتها في العراق، وبالتالي لا تعود جمهورية الملالي تهدد مستقبل العراق فقط، بل تشكل تهديداً خطيراً للخليج بأكمله.