السلوك الاعتقالي الذي حدث في دوار المنارة الشهير برام اللـه، ومن على الرصيف، وطال الشاعر الفلسطيني الكبير زكريا محمد، صاحب التاريخ النضالي والدور الثقافي والأدبي، وكاتب قصائد النثر الرائقة المتعلقة بقيم الحرية والعدالة والجمال، وعدد من زملائه المحتجين والمنددين بالاعتقالات المتكررة التي تنفذها أجهزة الأمن الفلسطينية ضد ناشطين ومعارضين لسياسة ونهج السلطة وممارساتها، والمطالبة بتحقيق العدالة في قضية مقتل المعارض السياسي، شهيد الكلمة نزار بنات، هذا السلوك الذي جرى بذريعة “التظاهر غير القانوني”، هو معادٍ لحرية الرأي والتعبير وحق التظاهر، ويدل على الوهن القائم في بنية السياسي الفلسطيني والتخبط الذي يعيشه.
يبدو أن هنالك قرار سياسي باعتقال كل من يحتج ويتظاهر حتى لو كان أكبر شخصية اعتبارية في المجتمع الفلسطيني، وهذا يعكس أزمة السلطة والنظام السياسي الفلسطيني الذي تحول إلى نظام قمعي وقهري واستبدادي لمصلحة الاحتلال، ويقوم بالدور بدلًا منه.
لا شك أن ثمة تضييق على مساحات حرية التعبير والنشاط الاحتجاجي وحرية التظاهر، والرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحمل المسؤولية عن تبعات ذلك، ومطالب شخصيًا بالاعتذار للشاعر زكريا محمد، الذي أطلق سراحه بعد احتجازه ساعات، بفعل ردود الفعل والتضامن الهائل معه من مثقفين واوساط شعبية وسياسية فلسطينية وعربية وعالمية على شبكات التواصل الاجتماعي، ولكل من مسه الأذى النفسي قبل الجسدي، وذلك كخطوة أولى نحو تصويب وتصحيح المسار، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الفعلة الحمقاء المشينة والمسيئة والقمعية، التي تضر بشعبنا وطنيًا واخلاقيًا.
النفق يزداد ظلمة وعتمة، والمشهد الفلسطيني يسير نحو الانهيار، ومن الضروري وقف الكارثة وقمع الحريات الديمقراطية، بمراكمة واعية وعقلانية وصبورة لبديل قادر على انقاذ السفينة الغارقة، وحماية حرية الرأي والتعبير، وتوسيع الهامش الديمقراطي، لحماية المستقبل الوطني الفلسطيني.