من اليسير البت في امر عنوان مقالنا هذا، على نحو حاسم وسريع ولكنه شخصي ونسبي، اذ من الصعب القول بعد ترو وتفكر، لان تعدد الحنجرات الاصوات لا يقضي بالضرورة الى توافقها في الغاية او تناقضها عند اول تحليل مكونات المادة المسموعة او المذاعة او عند تحليل اول مادة نستمع اليها مذاعة.
على اية حال ان الخلاصة الاولية هي ان هناك اصواتا تقارع العراق من بعيد ويمكن الاستماع اليها من قريب، اصوات اعتمدت الحدث الشخصي العابر ستراتيجية لها ولجأت الى الحدث الكبير الراسخ تكتيكيا منها اي جعلت رأس الحدث في قدميه وقدمي الحدث في رأسه فبدا لي ان كل شيء يسير بالمقلوب ، ولما لم يكن بمقدوري الانقلاب على نفسي وجسمي لكي اتوافق مع هذه الصورة فلقد توسمت الصواب في التوغل في خلفيات ما يطرح في الهواء ولو عن طريق المصادفة ولمرة واحدة ، لان من يتقن اللغة وفن الحوار ومداخيل الفكر ودهاليز السياسة لا يواجه مانعا كبيرا او خلافا حادا يمنعه من الوصول الى الحقيقة بسرعة فيرتاح في نفسه وضميره قبل ان يستقر في جلسته او رقاده. هذا هو الذي حدث معي تماما، واؤكد من قبيل المصادقة ومن زاوية الوقت غير المناسب لمنهجي بين العمل والراحة والنوم من جهة ومن زاوية اعتمادي اصلا على نشرات الاخبار التلفازية والتقارير الملحقة بها ثانيا واستمعت بل اطلت السماع.. وتدبرت وتمعنت في التدبير حتى آخر مهاراتي المتاحة ثم حصل التقاطع مع ما النفس بين داخلي وخارجي على محمل القناعة بما انا عليه ، والاقتناع اسمع وبخطأ ما اسمع في مجمل محتواه الغائي وليس في مضمونه التفصيلي او في عرضه الاسلوبي المتغاير، الامر الذي استطيع معه وبكل اطمئنان ان أنوه بجدارة العقل العراقي الذي يستطيع ان يفرز الخيط الابيض من الخيط الاسود في لحظة العجز الصادق في الاخلاق السياسية والمبادئ التي يعمل تحت لوائها كل من يقول أنا سياسي في الصف الموالي للشرعية او في الاتجاه المعاكس، ليس في بلادنا حسب، بل في جميع بلدان العالم من غير حرج او تردد.
ولكن موضوعنا هنا يتعلق بالاصوات التي تخاطب العراق في داخله بادوات تقبع في خارجه، فاضع امامها بعض الحقائق اذ هي عندي ثوابت لا اتزحزح عنها شخصيا ولا يتزحزح عنها كل عراقي في اية قرية او ناحية او محافظة كما أظن. وهذا الظن صحيح وبمعنى اليقين وليس بمعنى التصور والترجيح، واول هذه المبادئ او الثوابت العراقية ان الموالي للدولة الاجنبية (س) على حساب وطنه المقدس العراق يخل بمعيارية نضاله جملة وتفصيلا، وان تعدد الموالاة للدول الاجنبية (س+ ص+ ع) ثم العمل ضد الوطن هو عمل يدخل في اطار خيانة النفس والضمير ومسقط الرأس ووحدة المصير، وان تحويل المشاكل الصغيرة الى قضايا كبيرة وجعلها مائدة يأكل عليها ومنها المرتزقة بغير الحلال ومن مصادر حرام في حرام يدفع بالاكلين الى مرتبة النفاق الاخلاقي والنفاق السياسي مجتمعين ولا مصداقية لهم في ماضي الايام او في مقبلها.
هنا يتعين الانتقال الى الاساس الفكري والغاية السياسية من هذه المقالة فضلا على استنباط ما ورد في اعلاه، فاقول ان مؤشرات التنسيق السري بين الدول على مختلف درجات علاقتها بالعراق قد بدا واضحا برغم تناقضاته الداخلية الملموسة، فالتناقض بينها في الاتجاه السياسي واضح والتنافس بالمعتقد الديني/ المذهبي بين والتناقض بالارتباط بالاجنبي ملموس والتناقض في وسيلة الاستثارة والتحريض ساذج وبسيط، وفي الختام فان ما يتعين اللواذ به في هذا الصدد هو تحذير القائمين على ترويج هذه الاصوات والاصوات نفسها ومن هم وراءها من السقوط التاريخي البعيد حتى لو بدا لهم بعض النجاح الاعلامي المبرقع بصور (جورج واشنطن) اكثر شيء، لان الذي يعيش على هدف سطحي في صلب الدولة والمجتمع لن يعرف كيف يتعامل معه اذا وصل اليه، وهذه الحقيقة مستمدة من اندفاعات غير موضوعية الى درجة الطيش احيانا وتحسب انها على هدى من اللوح المحفوظ، او انها تبحث عن لقمة سهلة تدفع عنها ثمن مطبخ كامل وتحسب انها رابحة ومشبعة حد التخمة.
ان المثقفين الحقيقيين، في الفقر والغنى، لن يتنازلوا قيد انملة عن القدسية الكاملة وغير المشروطة لوحدة التراب الوطني ولوحدة مصيره ولوحدة مجتمعه ولوحدة الامة، اما المسائل النسبية المحدودة فلا يمكن تحويلها الى قضايا مطلقة او شاملة او جعلها ذرائع تكتيكية في العمل السياسي خارج الحدود، وانا لا اقول هذا الكلام اعتمادا على ما يجري في بلادنا وافاءها فهو حصيلة اكثر من عامل اجتماعي واقتصادي واولها سلوك المثقف السياسي الذي اختار الطريق الاسهل في المعالجة وترك المواجهة مع العدو الكبير او الاكبر، الذي يريد تركيع العالم، الى الاخرين ثم يجلس هو وراء المذياع ليرصف الكلمات والتحليلات المدرسية والموسمية بلحن مكرور ومملول ولو بعد حين.
ان استقلالية العراق ووحدة شعبه وارضه لتسموان على كل صغيرة اخرى في المجتمع على نحو خاص حتى اذا رضي الذين يخاطبون المجتمع العراقي بالانتماء اليه فما عليهم الا ان يتعلموا اسبقيات المواطنة والعمل النضالي ويعيدوا النظر لحساباتهم من جديد ليجعلوا اسوأ ما في بلادهم مقابل احسن ما عند الاجنبي.
[email protected]