كما توقعنا وفق تحليلاتنا وأجتهاداتنا الخاصة، في أخفاق أميركا على المستويان الداخلي والخارجي، فلم يكن غريباً علينا حول أميركا ودورها الطفولي، في ممارساتها الغير المجدية نتيجة تدخلاتها المشينة خارج المجتمع العالمي بالشأن الخارجي وبتعمد مفضوح على جميع المستويات، بغض النظر عن الصراع القائم والدائر بين جناحيها الحاكمين بالتناوب لأدارة السلطة في أميركا، دون أن تعالج الأوضاع المأساوية قبل تدخلها وحتى سيطرتها على زمام الأمور لتلك الدول خاصة أفغانستان والعراق.
نحن اليوم أمام تياران لا ثالثهما تيارالخير وتيار الشر، فكل الدلائل والوقائع على الأرض تشير وبشكل لا لبس فيه، بأن الأمبريالية العالمية وفي مقدمتها أميركا، هي مصدر قوة للتيارات الراديكالية الأسلامية بكل أشكالها ونواياها المتطرفة والمعتدلة نسبياً منها، وألى جانبها التيارات القومية المتعصبة الفاقدة للأنسانية وقيمها الحضارية الخلاقة، والدليل العملي الواضح للداني والقاصي، هو تدخل أميركا في الشأنين الداخليين للعراق وأفغانستان بشل سافر، من دون أعطاء المنظومة الدولية القيمة الأدارية الواقعية في أدارة مسار العالم في الأتجاه الصحيح والسليم، حتى وصل بها الأمر لخلق الفوضى الخلاقة الشبه الدائمة والمستديمة في كلا البلدين.. ليس الآن فحسب حتى في ظل وجود الصراع القائم بين الأتحاد السوفياتي السابق ومعه المعسكر الأشتراكي وحركات التحرر من جهة، والمعسكر الغربي وفي مقدمته أميركا من جهة أخرى، فدعمت وساندت بكل الطرق والوسائل المتاحة أعلامياً ومالياً ولوجستياً وعسكرياً، بدعما المباشر للتيارات الفاشية القومية والراديكالية الأسلاموية، دون أن ننكر أنتصار المعسكر الأخير في الصراع القائم بأنهاء الأول، وركوع أنظمة التحرر الوطني تحت أقدام المعسكر الغربي، ليتم الأجهاض عليها واحداً تلو الآخر أبتداءاً من الدول العربية وغيرها لتسلم الراية لأمريكا وحلفائها في العالم.
وبأعتقادنا وتحليلنا الشخصي وفق المعطيات وجدلية الحياة، فأن أميركا وحلفائها سوف تنهزم آجلاً أم عاجلاً كما توقعنا سابقاً لنؤكده اليوم مهما طال الزمن أم قصر، والدليل الأولي هو أفغانستان والعراق لفشلها الدائم والمستمر لعقدين من الزمن الفوضوي الدموي الغابر في أدراة أمور البلدين وتدخل أمريكا المباشر، دون أن تحقق أي شيء على أرض الواقع العملي من أمن وأمان وأستقرار، بل فوضى عارمة وخلاقة وفق نواياها الفاشلة، ودون أن تنظر لحقوق الكائنات الحية من حيوانات ونباتات وفي مقدمتها الأنسان، نحو حياة أفضل من السابق بل والأردأ منها حتى باتت الجماهير تترحم على تلك الأنظمة، فبضت أمريكا وبريطانيا الوقه المسخم لتلك الأنظمة السابقة الصدامية والطالبانية على حد سواء.
الأتفاق المعلن بين أمريكا والطالبان:
جميع الدلائل تؤكد حصول أتفاق مسبق بين أميركا وطالبان في مدينة الدوحة برعاية دولة الأمارات العربية المتحدة، بأنسحاب أميركا من أفغانسان، كما حصل مع العراق نهاية عام 2011، من دون معالجة أبسط الأمور التي بصددها أقدمت أميركا للمنطقة، فزادت الأمور أكثر تعقيداً وخراباً من سابقاتها للأنظمة المزالة بتدخلها المباشر عسكرياً.
لا يخفى على أحد كان من يكون، بدور أمريكا من خلال صديقتها الحميمة باكستان وبأشراف مباشر من الأولى، في ترتيب أمور طالبان للسيطرة على حكومة نجيب الله، بعد أنسحاب الجيش السوفياتي مستغلة الثغرة الكبيرة التي رادفت حكومة نجيب الله من الناحية العسكرية، فجندت مرتزقتها طالبان الدارسين في المؤسسة الدينية الأسلامية في باكستان، فهيئتهم ودربتهم وبمساندة مباشرة وعمل عسكري باكستاني بالأستيلاء على الحكم في أفغانستان، وقتل رئيس الجمهورية نجيب الله وأخيه والكثيرين من رجال الدولة والحكم دون وجه قانوني وأخلاقي بأنتهاك منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وعموم المجتمع العالمي.
حقيقة نحن سررنا بهزيمة أمريكا المتوقعة والمشخصة سابقاً، لكننا لا يعنينا أمر طالبان البتة، بل ونحن بالضد من طالبان جملة وتفصيلاً، والسبب نحن مع التيار المدني الديمقراطي العلماني الذي لابد وان يأخذ موقعه العملي في أدارة البلدان المغلوبة على أمرها مهما طال غيابه، فالجماهير الشعبية هلى القادرة على التغيير مهما كان الثمن.
أما تشبث أميركا بالمحافظة على وضعها النظامي الأمبريالي كما شخصها رئيسها جون بايدن بأن(مصلحة أميركا تقتضي الحوار مع طالبان لمنع الأرهاب وضمان أمن أميركا)، وهنا نسأل الم يتم تصنيف طالبان بأنها حركة أرهابية؟! فكيف حاورت أميركا الأرهاب؟! فهذا يعني سقوط أمريكا في مرحلها الأولى ونجاح طالبان، ومعناه أنتصار طالبان على ديمقراطية أمريكا، بالرغم من الفروقات والقدرات الأمركية مقارنة بطالبان.
عقدين من الزمن فشلت أمريكا بسيطرتها على مقاليد الأمور في باكستان، كما وفشلت فشلاً ذريعاً في العراق عندما فوضت أيران بقدراتها الكاملة في التدخل بأمور العراق بشكل مباشر، بما فيه أحياء حكومات متعاقبة منذ 2005 ولحد الآن بولائها المباشر لأيران، وهذا يعني فشلها الكامل في أحتلال العراق لتثبيت واقعها المهتز المسير فيه، معتمدة على القوى الفاشية الفاسدة الدينية التي دمرت البشر والحجر على حد سواء.
فالأكثر سوءاً هوة الأعتراف المباشر لبايدن، بأنه(لا مجال لأمريكا سوى الأنسحاب من أفغانستان) بعد أن كلف تواجدها أكثر من ترليون دولار دفعته من أقتصاد المواطن الأميركي المغلوب هو الآخر على أمره، في ظل السيطرة الأمبريالية على مقاليد الحياة اليومية من دون تحقيق العدالة الأجتماعية بأنهاء أستغلال الأنسان لأخيه الأنسان، حتى وصلت الحياة الى فوارق طبقية مخيفة للأنسانية في أميركا وخارجها من العالم أجمع، سببها الرأسمالية المتوحشة في حب المال والسلطة على حساب الشعوب العالمية، بما فيه أستخدام أبشع وأقسى الأساليب الفاضحة في الكون.
أن أنسحابها المذل ما هو الا فشلها المباشر كونه لم يتحقق شيئاً للأنسان الأفغاني، لضمان حريته وحياته ومستقبل أجياله كما كان يحلم دون نتيجة مرجوة. وهنا لابد من الشعوب في العالم كسبها للدروس العملية في مواجهة الخصم العالمي، الذي ليس قادراً على أستمراره في عنفه وجبروته على الشعوب العالمية، بغض النظر من أمتلاكه لقدرات مالية وعسكرية لا يستهان بها، فالنتائج واضحة وبارقة كالشمس الساطعة، بأن الشعوب هي القادرة على صنع أمنها وأمانها ومستقبلها الحالية واللاحقة، وبأمكانها أن تنتصر عاجلاً أم آجلاً وهذه هي الحقيقة والواقع دون نقاشه والتقليل من أهميته، حتى في العلوم العسكرية التي أستوعبناها عملياً، الحاسم للمعركة هو المشاة، والحاسم للمعركة بين الخير والشر هو الشعب بلا منازع، كونه الأقوى من كل القدرات العسكرية وأسلحتها الفتاكة وهو الغالب في كل الأحوال، كما حصل في فيتنام والصين واليابان وكوريا وكمبوديا وكوبا والبرازيل ومالطا وووالخ من البلدان.