مما لا شك فيه أن أمتنا وشعبنا ومنذ زمن طويل لازالت مستهدفة وستظل كذلك، وبالتأكيد فإن وسائل عديدة ستظل مستخدمة لإثارة الصراعات وجعلها مفتوحة لإدامة الاستنزاف للقدرات والثروات ولتكريس التخلف والتبعية. شعبنا سيظل مستهدفاً بكيانه و دوره وعقيدته و رموزه وحضارته… ولن ينتهي هذا الاستهداف إلا بشرط رفض الاستجابة لدعوات الصراع والحفاظ على الهوية الجامعة الحافظة للهويات الخاصة و الانتصار للقيم الإنسانية والمبادئ الحقة وعدم التماهي مع دعوات التنازع والمغالبة أو الوقوع في آفة الاحباط والخوف واليأس الذي يدفع الى التعلق بأذيال الأجانب والأغراب الساعين لشق الصف وإثارة الفتن وصناعة الأزمات، وبالطبع لابد من التأكيد بأن (للعقائد) الحقة دورها في التأشير نحو طرق الاصلاح…إن الأعداء سيستمرون بالتآمر وشراء ذمم البعض الذين يجيدون اللعب والخداع في ساحات وميادين (السياسة) و (الوعظ) ولا يكون (الخلاص) إلا بإدراك (أشكال هذا التآمر) و (أنواع الأدوات) المستخدمة، وإن أبرز أشكال التآمر هو خلق صراع سني شيعي، وصراع كردي عربي ورفع شعارات حارقة، خارقة تلهب حماس الجهلة والبسطاء والمنتفعين والمتصيدين بالماء العكر والمتاجرين بالدماء والناس…إن استمرار النفخ في قربة الصراع الطائفي لا يستهدف الأطراف المتنازعة نفسها فحسب وإنما يأتي لحرف إتجاه الصراع واستبدال عناوينه فضلاً عن حرق ذواتنا وتخريب بُنانا ونهب ثرواتنا…لذا فإن مهمة الاصلاح اليوم تنطلق من (وعي) الراهن وأدوات العبث فيه، كما تنطلق من إدراك المهام العاجلة في (الاصلاح) والذي ينبغي أن نؤشر على أن مهمة الاصلاح هي مهمة (المصلحين) وليس (الفاسدين) و (المفسدين) (فإن فاقد الشيء لا يعطيه).. وهنا لابد من القول بأن كل من كان مشاركاً في صناعة (الفتنة) أو (الفساد) يجب أن (يطرد) من أذهان الباحثين عن الحل… كما يجب أن يُطرد عن أذهاننا مقولات (العجز) و (الاستسلام للواقع الرديء) بدعوى (اختلاف موازين القوى) أو ما يطلق عليه بـ (الواقعية السياسية)… كما ينبغي التأكيد على أن (الأفكار السديدة) هي التي يجب التعويل عليها في عملية الاصلاح وليس الأفكار التي يشيعها البعض تحت يافطات براقة وألفاظ حداثوية، فهذه الأفكار الهابطة والمتعارضة مع العقل السديد والفطرة السليمة هي ليست سوى أدوات لتكريس التخلف والتبعية ونقل المكروبات السرطانية المجهولة المصدر والاستسلام و إدامة الفساد والصراع… لذا فنحن ندعو الى (توثيق عرى العلاقة) مع العقائد الصحيحة والمبادئ والقيم النبيلة وجعلها معياراً لصحة المواقف وصوابية السلوك والأفكار وعمليات البناء وخطوات الاصلاح… أما إذا كانت (العقائد فاسدة) تتعكز على مفاهيم ملتبسة لا تميز بين (الحق) و (المصلحة) فإنها ستقود لـ (وعي زائف) يقود الى الخراب ومزيد من الضياع…نعم أن هذه الكلمات معلومة ومفهومة لا يمكن تجاهلها، لذا فأنا لا أقصد مجرد الذكر إلا بسياق الحديث عن دور (الوعي والفكر السديد) في تمييز (المصلحة المتوافقة مع الحق) و (المصلحة المتعارضة معه)، فإن الكثير من أصحاب (السلطة) و (النفوذ) إنغمسوا في طلب المصالح الذاتية مبررين ذلك بأن المصالح مشروعة أياً كان الطريق إليها مستلهمين الفكر الميكافيللي بدلاً من الفكر السديد المرشد للحق…إن تصيد المكاسب والمصالح خارج إطار المبادئ سيحجب العقل ويحرف الفطرة عن سمتها السليم، وإن السياسي وأي إنسان يقع في هذا النفق المظلم سيفقد بالنتيجة حتى المكاسب التي حصل عليها بعيداً عن مسارات الحق بل سيفقد ذاته بل قد يفقد حياته ثمناً لنهج الفساد والمصالح غير المشروعة، لأن طريق الفساد والمغالبة يقود بالتأكيد للانغماس في نمط حياة جديدة من البهيمية والعدوانية تبعده عن أي حوار بناء أو سماع لكلمة حق ويتحول الى مقاتل دائم عن الذات البهيمية أمام حشود المتضررين والمحرومين فضلاً عن دعاة الاصلاح…إن عملية (الاصلاح) لأي (مجتمع) أو (دولة) أو (حزب) أو (تيار) لابد أن يبدأ (بوعي الذات) و الاجابة عن سؤال (من نحن؟) و (ماذا نريد؟) وبعد ذلك تبدأ عملية الممارسة بوضع خارطة طريق برامجية تحدد الأهداف وكيفية الوصول إليها ويحدد سلم أوليات وسلم تحالفات لكل مرحلة من مراحل العمل والممارسة اما من يضع على رأس اهتماماته مواجهة الطوارئ وردود الفعل الانفعالي لها والانشغال بالصراعات الثانوية والخلافات العارضية على حساب الصراع الرئيسي والخلاف الجوهري أو الذي ينشغل بتحصيل المصالح الضيقة أو المنافع غير المشروعة فإنه وبكل تأكيد سيغرق في البرك الصغيرة وبذلك سوف لا يسلم من احتراق الذات بعد فقدان الإرادة، وكل ذلك سيكون لفقدانه الوعي المستنير الذي يؤهله لقراءة الواقع بموازينه الظاهرة والعميقة وغير المرئية ويبعده عن معايشة الاستلاب والشعور بالخوف وعدم القدرة على المواجهة فيندفع الى التخبط والتطرف والانفعال فيقع في مهاوي الردى هو ومن معه، وخلاصة القول لابد من إمتلاك (الوعي) و (الإرادة) و (الثقة بالنفس) ليكون مؤهلاً للاصلاح بصحبة الحق والطهرانية…