زيارة الفشل الاخيرة لواشنطن التي لم يحصد رئيس الوزراء نوري المالکي فيها إلا الخيبة و الاستهانة به و بالمرکز الذي يمثله(للأسف البالغ)، صار القاصي قبل الداني يعلم بأنها لم تتمخض عن أي شئ سوى فرض مجموعة إملائات و شروط أمريکية على(دولة رئيس الوزراء)تنفيذها صاغرا و عن طيب خاطر.
عند مراجعة التأريخ السياسي للعراق خلال العقود المنصرمة إبتدائا من العهد الملکي و حتى النظام السابق، لايمکن أن نشهد نظيرا لهکذا زيارة فاشلة و محبطة قام بها المالکي للولايات المتحدة، بل وان مراجعة الارشيف و رؤية زيارة للملك فيصل الثاني للولايات المتحدة او زيارات عبدالرحمن عارف و حتى صدام حسين، فإننا نرى الحفاوة الکبيرة التي قوبلوا بها کانت أکثر من کافية لتدفع کل عراقي للإفتخار بعراقيته، غير أن الحالة مع المالکي کانت على النقيض تماما، إذ أن اسلوب الاستهانة و الاستخفاف بالمالکي خلال زيارته الاخيرة لواشنطن جعلت الکثير من العراقيين يشعرون بالاحباط و الخيبة ممزوجة بالسخط و الغضب و دفعتهم في نفس الوقت لکي يتيقنوا من أن رئيس الوزراء قد ألحق ضررا بسمعة العراق الدولية و مکانته.
المالکي الذي کما أکد معظم المحللون و المراقبون السياسيون، ألقى بکراته کلها في سلة النظام الايراني و جعلهم قبلة آماله و طموحاته و جعل من تنفيذ مطالبهم و مايريدونه غاية مناه، وماتمخض ذلك عن جعل العراق مجرد ممر و جسر و معبر للنظام الايراني حيث يتم من خلاله مد النظام بکل أسباب القوة و المناعة و مساعدته بمختلف الطرق في خرق و إنتهاك العقوبات المفروضة عليه، في الوقت الذي کان العراق في السابق بمثابة جدار حصين يقف بوجه الطموحات و الاهداف الشريرة لهذا النظام و لايسمح لها بالعبور الى الضفة الاخرى، وان مجرد مقارنة بسيطة بين الحالتين تدعو للإحساس بالفرق الکبير و الشاسع بينهما.
التحالف الاستراتيجي الذي أقامه المالکي مع النظام الايراني و ربط من خلاله مصيره بهذا النظام، دفعه لکي يقلد هذا النظام في کل شئ، وقد وصل الامر الى إستنساخ صيغة الفاشية الدينية التي يتحلى بها نظام ولاية الفقيه و تطبيقه في العراق، وهو ماقد دفع الى المواجهة مع الاطياف الاخرى و حتى مع الشيعة أنفسهم من الذين لم يرتضوا بهذه الفاشية المقيتة، وکان يظن المالکي ان تطبيقه لهذا النموذج الاستبدادي الذي يواجه في إيران ذاتها مقاومة عنيفة حيث يرفض الشعب الايراني هذا النظام القمعي الاقصائي المعادي للإنسانية و يسعى لإسقاطه بکل السبل و الطرق المتاحة، وان قيامه بإقصاء الاخرين وخصوصا السنة و الاکراد و إستهدافه للمعارضين الايرانيين المقيمين في العراق من أعضاء منظمة مجاهدي خلق و تطوعه لتنفيذ المجازر و الجرائم المروعة بحقهم، کل هذا جعل الامريکيين ينظرون إليه بعين الشك و الريبة مثلما أن الاوربيين و دول المنطقة أيضا إعتبرت ماقام به من إجرائات و أمور سياسية مثيرة للتوجس.
[email protected]