خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع ارتفاع وتيرة تبعات الانسحاب الأميركي من “أفغانستان”، بدت حركة (طالبان) أكثر سيطرة على الوضع الأمني، حيث قال قيادي بحركة (طالبان) الأفغانية إن الحركة ترغب في انتقال السلطة من إدارة الرئيس، “أشرف غني”، بشكل تفاوضي.
جاء هذا في تصريحات لـ”سهيل شاهين”، الناطق باسم مكتب (طالبان) السياسي في “الدوحة”، خلال مقابلته مع قناة (آج) الباكستانية، مساء أمس.
وقال إن: “قيادة الحركة ترغب في انتقال السلطة، في كابول؛ في أجواء آمنة وبالطرق التفاوضية”.
وأضاف أن حركة (طالبان): “حاولت بكل الطرق إقناع المسؤولين، في كابول؛ قبول صيغة التفاهم السياسي لأجل انتقال السلطة، في كابول، بصورة آمنة وسلمية، لكن لم يبد هؤلاء أي تجاوب مع هذه الرغبة من جهة (طالبان)”.
وأكد أن حكومة “غني” بدأت في إدراك التغييرات على الأرض مع اتساع رقعة سيطرة (طالبان) على ولايات البلاد.
ولفت إلى أن: “إدارة كابول بدأت تبدي الآن نوعًا من المرونة بعد التغييرات التي طرأت على أرض الواقع في أفغانستان”.
تقترب من العاصمة..
وحققت حركة (طالبان) انتصارات ميدانية واسعة على قوات الحكومة الأفغانية، وباتت تقترب أكثر من العاصمة، “كابل”، والتي استقبلت عشرات الآلاف من الفارين من المناطق التي تشهد أعمال قتال، وتلك التي وقعت في يد (طالبان).
وتصاعدت وتيرة المواجهات بين قوات الأمن الأفغانية ومسلحي حركة (طالبان)، تزامنًا مع بدء انسحاب القوات الأميركية و”حلف شمال الأطلسي”، الـ (ناتو)، مطلع آيار/مايو الماضي، والمقرر إكتماله بحلول 11 أيلول/سبتمبر المقبل.
نشر 5000 جندى..
ووسط ذلك التوسع، أعلنت “واشنطن” اعتزامها نشر: 5000 جندي لإجلاء دبلوماسييها في “أفغانستان”، وقال الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، في بيان لـ”البيت الأبيض”؛ إنه: “بناءً على توصيات فرقنا الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية، فقد سمحت بنشر ما يقرب من: 5000 جندي أميركي”.
وأوضح “بايدن” أن الهدف من هذا القرار؛ هو التأكد: “من أنه يمكننا إجراء سحب منظم وآمن للأفراد الأميركيين وغيرهم من أفراد التحالف، وإجلاء منظم وآمن للأفغان الذين ساعدوا جنودنا خلال مهمتنا، والذين كانوا في خطر خاص من تقدم (طالبان)”.
وتابع: “نقلت لممثلي (طالبان) في الدوحة، عبر قائدنا العسكري، أن أي عمل من جانبهم على الأرض في أفغانستان يُعرض الأفراد الأميركيين أو مهمتنا هناك للخطر، سيُقابل برد عسكري أميركي سريع وقوي”.
إغلاق السفارة الأميركية..
وكانت “الولايات المتحدة”، أعلنت في وقت سابق، إغلاق سفارتها في العاصمة الأفغانية، “كابول”، واتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة لإجلاء مواطنيها.
“الفساد” هو كلمة السر..
وطرحت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية؛ تساؤلاً عن كيفية تدهور الأمور بسرعة في “أفغانستان”؛ على عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين والخبراء لتفسير السقوط المتسارع لقوات الجيش الأفغاني أمام حركة (طالبان)، في الأيام الأخيرة.
وتخلص المجلة الأميركية، وفق ما نقلت عن المسؤولين والخبراء؛ إلى أن “الفساد” هو كلمة السر في هذا المشهد المأساوي، فقد أدى ذلك إلى انعدام الكفاءة والتسبب في هزائم الجيش الأفغاني أمام حركة (طالبان).
يُذكر أن “الولايات المتحدة” كانت قد شنت حربًا على “أفغانستان”، عام 2001، إثر الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مدينتي: “نيويورك” و”واشنطن”، وتبناها تنظيم (القاعدة) الإرهابي.
وخلال أشهر معدودة، إنهارت حركة (طالبان)، التي كانت توفر ملاذًا لـ (القاعدة)، وسيطرت القوات الأميركية على البلاد، وسرعان ما عمدت “واشنطن” إلى تسليح وتدريب جيش محلي بغية الاضطلاع بمهمة السيطرة على البلاد.
الدعم لم يصل لمستحقيه..
لكن هذا الجيش الذي صرفت عليه “أميركا” أكثر من: 88 مليار دولار، تهاوى خلال أيام أمام حركة (طالبان)، خاصة مع اقتراب الانسحاب الأميركي من البلاد، بحلول أواخر آب/أغسطس الجاري.
وباتت حركة (طالبان) تُسيطر على عواصم: 21 ولاية؛ من: 34 تُشكل “أفغانستان”، ويزحف مقاتلوها صوب العاصمة، “كابل”.
وقال الرئيس الأميركي، “جو بايدن”؛ إنه ينبغي على القوات الأفغانية أن تستفيد مما قدمته “أميركا” لها خلال 20 عامًا مضت.
لكن لا يبدو أن الدعم كان بالفعل يصل إلى مستحقيه في الجيش الأفغاني.
من وجهة نظر النائب الجمهوري، “ستيفن لينش”، فـ”الفساد”؛ هو جوهر المشكلة، معتبرًا أن “الفساد” يُشكل خطرًا كبيرًا على الحكومة الأفغانية يوازي تهديد (طالبان).
وقال “لينش”: “نحن نرى ذلك يحدث في الوقت الفعلي في ساحة المعركة اليوم”.
انعدام الكفاءة..
وبحسب مراسلة (فورين بوليسي)، في “كابل”، فإن وزارتي: “الداخلية” و”الدفاع” الأفغانيتين؛ سيئتا الصيت بسبب غرقهما في الفساد.
ونقلت عن خبراء قولهم إن انعدام الكفاء واسع الانتشار في هاتين الوزارتين، فضلاً عن الإفتقار إلى القيادة، وطغيان الأنانية.
لا طعام ولا ذخيرة..
وتضرب المراسلة الصحافية مثلاً، فبعض عناصر الأمن الأفغاني لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور، في حين أن الذخيرة المهمة للغاية من أجل قتال (طالبان) تُسرق كما الطعام قبل أن تصل إلى الجنود.
وينسحب حال الفساد وانعدام الكفاءة أيضًا على سلاح الجو والقوات الخاصة، رغم أن البعض يعول عليهما في وقف زحف (طالبان) نحو العاصمة الأفغانية.
لكن في حقيقة الأمر القوة الجوية منهكة، ووصل الأمر بعدد من المشرعين الأفغان أن يتوسلوا صحافيين أجانب من أجل الضغط لاستجلاب دعم لسلاح الجو.
الأسطول الجوي خارج الخدمة..
وتقول (فورين بوليسي)؛ إن مشرعين أفغان عقدوا اجتماع مع صحافيين غربيين؛ قالوا فيه إن الأسطول الجوي المكون من: 160 طائرة خارج الخدمة.
ويعود السبب في ذلك إلى مغادرة المتعاقدين الذين كانوا يُشكلون عمليًا العمود الفقري اللوجيستي لسلاح الجو وبقية أفرع القوات المسلحة.
وقال النائب عن ولاية “هرات”، غربي “أفغانستان”، “نهيد فريد”: “في حال لم تقلع تلك الطائرات، فلن يكون هناك استهداف جوي لقوات (طالبان)، مما يعني أن الحركة المتشددة ستصبح أقوى وستتمكن من اقتحام المدن، ما يخلق وضعًا مرعبًا”.
وتقول المجلة الأميركية؛ إن مغادرة المتعاقدين لم تحط باهتمام إعلامي يُذكر، مقارنة بمغادرة القوات الأجنبية، رغم أنهم كانوا يؤدون دورًا كبيرًا في صيانة المعدات والتدريب وغير ذلك.
التلويح بعزل “طالبان” دوليًا..
ولم يُعد هناك من أوراق ضغط بيد “الولايات المتحدة” ضد حركة (طالبان)؛ سوى التلويح: بـ”عزل (طالبان) دوليًا”، إن استولت على البلاد بالقوة.
وتبدو هذه الورقة في أحسن أحوالها ضعيفة، لكن لها بعض الجدوى مع سعي (طالبان) إلى تقديم نفسها على أنها الممثل الشرعي لـ”أفغانستان”.
وتقول المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، “لوريل ميللر”: “ليس من المستغرب أن تميل الولايات المتحدة نحو هذه بشدة، (التهديد بالعزل)، لأن هذا هو الذي تبقى ويمكن الاعتماد عليه”.
وأضافت: “لكنني لا أتوقع أن تكون شكلاً قويًا للغاية من أشكال الضغط في سياق تقاتل فيه (طالبان) أولاً وقبل كل شيء من أجل السلطة”.