شهدنا في الانتفاضات العراقية الأخيرة زيادة في استخدام القوة المفرطة والخطف والاغتيالات من قبل افراد من قوى الامن والميليشيات تجاه الشباب العراقي الرافض لكل اشكال التبعية . ثم جرى التركيز على اهل الناصرية لاستمرارهم في التظاهر ورفض المماطلات والتسويفات لتنفيذ مطاليبهم الوطنية والانسانية المشروعة .
وجاء الحريق المروع لمستشفى الحسين في الناصرية نتيجة فعل فاعل او اهمال يصل الى حد الجريمة ، والذي تسبب في وفاة اكثر من 60 مريضا وعدد من الكوادر العاملة فيه .
كل ذلك يجري في محاولات فاشلة لاخضاع المدينة المناضلة التي لاتنام على ضيم .
وعندما نذكر الناصرية فاننا لاننتقص من همة شباب المحافظات المنتفضة الاخرى ، ولكن للناصرية خصوصية تاريخية ونضالية تمثل العراق بأباءه وشموخه .
تقع مدينة الناصرية على بعد
30 كم من مدينة اور عاصمة السومريين . ويفتخر أهالي الناصرية بانتمائهم إلى حضارة سومر، حيث تمتد ثقافتهم لاكثر من ستة آلاف سنة من الحضارة .
ولذلك نجد كثير من اسماء الاماكن العامة والمهرجانات تحمل أسماء تاريخية مثل أور، وسومر، واوروك، وهي مدن سومرية حضارية .
وقد حازت الناصرية مكانة مرموقة لدى الاديان التوحيدية باعتبارها مدينة النبي إبراهيم الاب الروحي لهذه الاديان .
تضم مدينة الناصرية كثيرا من القبائل العربية النازحة من الجزيرة العربية . وقد تميزت بالعدد الكبير من اهاليها الذين تبوءوا مناصب مهمة في الدولة العراقية منذ نشأتها الحديثة . ابتداء” من أول رئيس للوزراء المرحوم عبد المحسن السعدون في مطلع العشرينيات من القرن الماضي . وليس انتهاء بالمرحوم ناجي طالب رئيس الوزراء الاسبق المشهود له بالوطنية والكفاءة .
وكانت الناصرية مشهورة بانفتاحها الحضاري والاجتماعي وفيها نشأت طليعة الاعمال المسرحية والفنية، وكانت معروفة برفدها للشعراء والأدباء والفنانين .
وفيها أنشأ الحزب الشيوعي العراقي أول فروعه عام 1928 من قبل يوسف سلمان “فهد” .
وتم تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي فيها عام 1952، عندما جرى تعيين فؤاد الركابي أميناً للقيادة القطرية للحزب .
كانت الناصرية ولم تزل معقلاً تاريخياً للاحتجاجات في العراق .
ففي عشرينات القرن الماضي، كان أهل الناصرية في طليعة المشاركين في الانتفاضات التي قام بها الشعب العراقي ضد الاستعمار البريطاني .
.
وبعد الاحتلال الامريكي قاومت الناصرية القوات المحتلة ببسالة فائقة ، ثم عادت من جديد تقاوم سلطة الاحزاب الدينية الفاشية
التي استندت على ميليشيات مارقة لحماية النظام الفاسد الفاقد لكل مقومات الدولة والضالع في الخيانة من رأسه الى اخمص قدميه .
ان المقاومة العنيدة التي نجدها في الناصرية تعكس الوضع المتأزم الذي آلت إليه الأوضاع في العراق بسبب اصرار النظام الفاسد على المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية .