وكالات – كتابات :
سلط تقرير لموقع (الجزيرة نت)، يوم الخميس، الضوء على أحد أبرز رموز النظام العراقي السابق، “حسين كامل”، الذي شغل عدة مناصب وزارية وأمنية وذات أهمية قصوى في ذلك العهد، بالتزامن مع الذكرى 26 لإنشقاقه عن النظام والهروب إلى “الأردن”.
ويقول التقرير؛ إن غموضًا كبيرًا أكتنف دوافع وأسباب مغادرة، “حسين كامل”، وشقيقه، “صدام”، صهري رئيس النظام السابق، “صدام حسين”، وحقيقة الأسرار التي أفشاها قبل أكثر من ربع قرن، وتداعياتها على “العراق”.
فبعد أيام من مغادرتهما، “العراق”، ووصولهما إلى “الأردن”؛ برفقة زوجتيهما، عقد “حسين كامل” مؤتمرًا صحافيًا، في 12 آب/أغسطس 1995، أعلن فيه بدء تحركاته لقلب نظام الحكم، في “بغداد”، لتثير تلك التصريحات ضجة واسعة في وسائل الإعلام المحلي والعالمي.
صدمة مروعة..
أحدث انشقاق “حسين كامل”؛ زلزالاً في كيان الدولة العراقية وصدمة لكوادر الدولة و”حزب البعث”، إذ لم يكن ذلك يخطر على بال أحد ولا يمكن تصديقه، حتى بعد وقوعه، وذلك لأن الرجل كان زوج، “رغد”، ابنة “صدام”، وموضع ثقته المطلقة التي لا ينازعه فيها أحد، حتى من أبناء، “صدام”، نفسه، بحسب ضابط المخابرات العراقية الأسبق، “سالم الجميلي”.
ويُبيّن “الجميلي”؛ أن “كامل” شغل أرفع المناصب في الدولة؛ ابتداءً من مدير جهاز الأمن الخاص، إلى هيئة التصنيع العسكري، ثم وزيرًا للدفاع والنفط، وكانت توجه انتقادات، لـ”صدام”؛ بسبب الدور الذي حصل عليه، “حسين كامل”، والدعم الذي تلقاه، حيث كان يمتلك صلاحيات مطلقة.
ويُشير ضابط المخابرات السابق؛ إلى أنه بعد ظهور، “حسين كامل”، على شاشات التلفاز داعيًا لإسقاط النظام، صدرت أوامر مشددة من، “صدام”، لجهازي المخابرات والأمن الخاص بتحديد علاقاته واتصالاته، داخل “العراق”؛ والتحقيق مع المقربين منه ورصد جميع الاتصالات التي تأتي منه إلى داخل “العراق”.
صراعات داخل البيت الصدامي..
أما الباحث التاريخي والمحلل السياسي، “حسين صالح السبعاوي”، فيعزو انشقاق “كامل” إلى سببين، الأول داخلي؛ وهو الخلاف العائلي بينه، خصوصًا مع “عدي”، النجل الأكبر لـ”صدام”، لأنه كان يُعد نفسه خليفة لأبيه؛ ويعتبر وجود “حسين كامل” عائقًا أمام ذلك، إضافة للخلافات والشقاقات العائلية وتدخل “عدي” مع الجميع في العائلة.
وعن السبب الخارجي، لا يستبعد “السبعاوي”؛ تواصل أجهزة المخابرات الأميركية و(الموساد) الإسرائيلي، مع “حسين كامل”، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وقد يكون حصل منهم على وعود ترضيه مع إغراءات أو تهديدات، على اعتبار أن النظام سوف ينهار وسوف يتحمل المسؤولية كاملة.
صيد ثمين لـ”واشنطن”..
وكشف “كامل” عن أسرار خطيرة؛ عن برنامج التسلح العراقي والعلماء النوويين، وأعطى كثيرًا من المعلومات بهذا الشأن، حيث كان خروجه من قلب السلطة حدثًا كبيرًا استغلته المخابرات الأميركية للتواصل معه واستجوابه، كما يقول المفكر السياسي، “حسن العلوي”.
ويؤكد “العلوي”؛ معرفة “كامل” بأسرار عسكرية محرمة على غيره، فهو يعرف عمق الأسرار ولبها، ولهذا كان مفيدًا لـ”أميركا”، لأن عنده من الأسرار ما ليس عند أحد آخر في حكومة “صدام”، ولا يعرفها أحد سواه هو و”صدام”، ومنها مهمات كلفه بها وأشخاص اعتقلوا ورسائل أرسلت إلى دول وجماعات تعمل مع “العراق”، في “الخليج العربي” وغيره، كشفها كلها، ولهذا كان خروج، “حسين كامل”، أخطر أزمة مر بها “صدام حسين”.
وعن أبرز تلك الأسرار، يقول “سالم الجميلي”؛ إن “كامل” سرّب معلومات أرشيف يحتوي على أكثر من 05 ملايين وثيقة عن برنامج نووي عراقي سري، لم يكشف عنه “العراق” أمام لجان التفتيش التابعة لـ”الأمم المتحدة”، التي كانت مكلفة بنزع أسلحة “العراق”، وكان مخبأ في حقل دواجن في مزرعة تابعه لـ”حسين كامل”، في منطقة “الصويرة”، جنوبي “بغداد”، وسرعان ما توجهت لجان التفتيش إلى المكان ووضعت يدها على الملفات، الأمر الذي أفقد ثقة “الأمم المتحدة”، بـ”العراق”، بشكل مطلق، وكانت تلك فرصة لـ”الولايات المتحدة” لممارسة المزيد من الضغوط على “العراق” وإطالة أمد العقوبات.
تداعيات الاعتراف..
ويتحدث “السبعاوي”؛ عن تداعيات خطيرة أفرزها انشقاق “حسين كامل”، باعتباره أهم شخصية عسكرية ومدنية لديها معلومات عن التصنيع العسكري، في “العراق”، سواء الصاروخي أو الكيمياوي، بحكم موقعه رئيسًا لهيئة التصنيع العسكري، ثم وزير التصنيع والدفاع، وكذلك عمل مديرًا لجهاز الأمن الخاص، المسؤول عن حماية “صدام”، وعائلته، وجميع مؤسسات القصر الجمهوري.
وينوه إلى أن “حسين كامل” قدم معلومات مهمة إلى المخابرات الدولية ولجان التفتيش، لأنه المسؤول الأول عنها ويعرف أماكنها، لذا بإفشائه تلك الأسرار عادت فرق التفتيش وموقفها قوي، حيث تمتلك معلومات وأدلة عن مكان هذه الوثائق وعن الشركات والدول والخبراء العاملين في مجال التصنيع، الذين جرى تصفية أو اعتقال معظمهم، بعد الغزو الأميركي للبلاد، عام 2003.
ويتابع أن اعترافات “كامل”؛ جعلت الدولة العراقية في موقف ضعيف، ومطالبتها برفع الحصار المفروض على “العراق”، بعد غزو “الكويت”، في الثاني من آب/أغسطس 1990، أصبحت أضعف، مما أدى إلى إطالة عمر الحصار على الشعب وضعف موقف “العراق” أمام داعميه.
ويشاطره في ذلك الرأي، “الجميلي”، الذي اعتبر أن هروب “حسين كامل” والأسرار التي كشفها؛ كانت أحد الأسباب الرئيسة لما وصلت إليه أوضاع “العراق” اليوم.
حرق الورقة بعد أداء المهمة..
ويلفت “السبعاوي”؛ إلى أن “كامل”، بعدما أعطى كل شيء عنده لأعداء “العراق”، تُرك وحيدًا ولم يُعد يهتم به أحد، آنذاك، وأدرك تورطه مع جهات أكبر منه ولم تعطه ما يُريد، ولهذا عاش أيامه الأخيرة بـ”الأردن” في عزلة.
ويضيف بالقول: “ومن سذاجة، حسين كامل؛ أنه صدّق تعهد، صدام حسين، بالعفو عنه وعاد مسرعًا للعراق، ولو كان حقًا ذا أهمية لما سمحت له الجهات الأخرى بالعودة، لكن لم يُعد في جعبته شيء فتركوه يواجه مصيره المحتوم”.
وحول الأسباب التي أدت إلى تصفية، “حسين كامل”، تقول شقيقته، “مناهل كامل”؛ إن ذلك يعود إلى: “غيرة الأقارب الشديدة منه؛ عندما رأوا نجاحاته، فبدأوا يحاربونه، ويطمعون في مناصبه، حيث طمع، عدي صدام حسين، بالتصنيع العسكري، في حين كان، قصي صدام حسين؛ يطمع بالإشراف على الحرس الجمهوري”.
وتُبيّن “مناهل”؛ أن أخويها، “حسين” و”صدام كامل”؛ قد شعرا عند عودتهما من “الأردن”؛ بأن هناك شيئًا في الخفاء يُحاك ضدهما، فذهبا إلى منزل شقيقتهما بمنطقة “السيدية”، في “بغداد”، في حين كانت عشيرتهما تعقد اجتماعات متواصلة ليصدر، “عدي صدام حسين”، أوامره بالتحرك فورًا لقتل “حسين كامل” وشقيقه، “صدام كامل”، مساء الخميس 23 شباط/فبراير عام 1996، وذلك قبل 03 أيام من الموعد المقرر لذلك خوفًا من هربه.
وتسترسل بالقول: “بدأ التحشيد قرب المنزل، الذي كان فيه، حسين كامل، من وقت المغرب. وقال لهم أنتم أعطيتموني الأمان، فما سبب هذه التحركات ؟ واستمر التحشيد حتى الساعة الرابعة فجرًا، حيث بدأ الهجوم على المنزل مستخدمين الغازات المحرمة دوليًا، و52 قذيفة (آر. بي. جي-7)؛ وإطلاقات نارية كثيفة حطمت المنزل على ساكنيه وتفحمت جثث النساء والأطفال”.
واستبعدت شقيقة “حسين كامل”؛ أن يكون هذا الأمر قد حدث من دون علم “صدام حسين”، خاصة أن عدد الأقارب الذين شاركوا في الهجوم كان أكثر من 30 شخصًا.