18 ديسمبر، 2024 5:45 م

أيوب طارش: ظاهرة فنية فريدة

أيوب طارش: ظاهرة فنية فريدة

هنا وهناك يبدأ الطلاب في مدارسهم والقنوات الإعلامية يومهم الجديد بالنشيد الوطني لليمن الذي غناه أيوب طارش والذي يقول في مطلعه: ( رددي أيتها الدنيا نشيدي .. ردديه وأعيدي وأعيدي) فتردد الدنيا سيمفونية عذبة من أداء أيوب طارش وتهتف مئات الآلاف من الحناجر بحماس بأهداف ثورة البن. لتظل بعد ذلك أغاني أيوب وأناشيده الوطنية الرائعة والمتنوعة حاضرة في فعاليات البرامج اليومية للمعتصمين ..للمتظاهرين ..لاي فعالية وطنية حزبية كانت اواهلية يهتفون بكلماتها ويرقصون صخباً مع ألحانها ويسهرون الليل على إيقاعها.
وإن كان أيوب طارش الذي يسير في عقده الثامن غائباً بجسده عن ميادين الثورة إلا أنه حاضراً بأحاسيسه ووجدانه وأعماله الفنية والوطنية التي أنصتت لها الأسماع وترسخت في الأذهان وبات معها أيوب الرمز الفني الأبرز في اليمن.
لا شك أن أيوب طارش سعيدا اليوم وهو يخاطب الجماهير عبر أغانيه وأناشيده الوطنية. وهو لا يرى جرجا أو امتعاضا في أن تردد أغانيه وأناشيده الوطنية في مختلف الساحات والميدان ويقول: دعوا الجميع يغني وينشد في حب اليمن لبناء وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني.
عن أيوب طارش أيضاً
حصل أيوب طارش على عدد من الجوائز والأوسمة منها: وسام (الفنون) من الدرجة الأولى سنة 1399ه/1979م، ودرع الثقافة سنة 1423ه/2003م.
ويعدُّ مدرسة فنية قائمة بذاتها، جمعت بين الموروث بتطويره وتحسينه، وبين الإبداعات في مختلف الأغراض الإنسانية والفنية، واتجهت في الآونة الأخيرة نحو التصوف كقيمة روحية ثرية؛ فأبدع صاحب الترجمة في أغانٍ شتى؛ منها أغنية” يا ربُّ بهم” و”جلاء القلب”، وغيرها.
شارك في كثيرٍ من الأسابيع الثقافية اليمنية في تونس، وليبيا، ومصر، والإمارات، والسعودية، والعراق، والسودان. ويعد الفنان أيوب طارش عبسي أحد أبرز القامات الغنائية اليمنية وهو ملحن النشيد الوطني للجمهورية اليمنية، وكان قد اعتزل الغناء قبل ثلاثة أعوام وتحول إلى الأناشيد الدينية ..
الفنان أيوب طارش عبسي ظاهرة غنائية يمنية فريدة اجتمعت فيها سمات الإنسان اليمني ومكوناته الثقافية والاجتماعية والتقت على أنغامها مشاعر الحب والحنين للأرض والإنسان.
هكذا عرفنا الفنان أيوب طارش عبسي منذ بدأ وعينا يرسم خيالات المستقبل وينشد لحظات الحب والجمال، فكانت أغاني الفنان أيوب طارش هي ملاذنا.. فمن خلالها أرسلت أشواقنا للأرض وللمعشوق وللغائب عنا وللحقول والوديان المتناثرة على أرض الوطن.
أيوب طارش عبسي.. فنان استطاع أن يغزل بصوته الحريري معاناة المحبين وأحلامهم وينسج منها بيوتاً مخملية تسمو فيها العلاقات الإنسانية المليئة بالحب والوفاء للإنسان وللأرض التي عزف لها فناننا أجمل الألحان وأعذب الكلمات وهو متغنياً بجمالها وجمال وديانها وسهولها وثمارها فأعاد بصوته إليها البعيد واقترب من جمالها القريب تشتهر مدينة تعز بالثقافة الواسعة والفن المترامي الأطراف من أقصاها إلى أدناها..
الفنان أيوب طارش علم من أعلام الفن اليمني الذي أسهم بشكل كبير بانتشار الأغنية التراثية ومما يميز أيوب عن غيره هي أن أغانيه سواءً الوطنية أو العاطفية أو الأغاني المرتبطة بالزراعة والحصاد والمناسبات الاجتماعية، تظل خالدة في قلوب الناس وعالقة في أذهانهم ومرسومة في خيالهم، كما أنها تتجدد في كل وقت لأن لها وقعها الخاص ونكهتها الفريدة وموسيقاها الشعبية وإيقاعاتها المحلية، ولا يشعر المستمع لها بأي ملل حتى وان ظل يسمعها أكثر من مرة، والشيء الذي جعله مخلصا لفنه محترما لنفسه .وجماهيره، هو شعوره الجميل تجاه الموسيقى وحبه وولعه لها، وقبل ذلك شعوره بأنه يؤدي رسالة فنية، وليس كونه مؤديا فقط، وهو في الوقت نفسه احد الفنانين القلائل الذي يتفاعل مع كلمات الأغنية ومعانيها لدرجة أنه يستطيع أن يغير ملامح وجهه ونبرات صوته، بل انه يتعمق كثيرا في أجواء القصيدة ولذلك اطمأن أكثر الشعراء إبداعا لقصائدهم وهي تترجم عبر إحساس وأنفاس أيوب طارش.
مدينة الحب والفن
كان لانطلاقته من عدن المدينة الذي أطلق عليها مدينة «الحب والفن والعشق والطرب» أثر جميل وأضافت له الكثير خاصة وإنه شارك في حفلات كثيرة مع فنانين سبقوه في الشهرة والانتشار مثل الفنان محمد مرشد ناجي والفنان محمد سعد عبدالله والفنان احمد قاسم وغيرهم من الفنانين الذي اعتبر أيوب أنهم شكلوا مدارس يمنية موسيقية متنوعة.
وفي هذه الأجواء الموسيقية الجديدة عليه، وفي ظل وجود عدد كبير من الفنانين اليمينيين المشهورين، قرر أيوب في قرارة نفسه أن يكون واحدا منهم وإن يشكل لنفسه مدرسة متفردة، وهو فعلا ما تحقق له فيما بعد وأصبح أداؤه ولونه الموسيقي مؤثرًا في كثير من جيل الشباب الذي مازال متأثرًا بأيوب حتى اليوم.
وعندما نسمع اليوم أغان مثل «عليل الهوى، وازخم» نجد قدرته الفائقة بالغناء باللهجة العامية، ورؤيته للبيئة التي ينتمي لها وكيف يوصل هذا التعبير إلى كل إنسان حتى وإن كان أميًا، فالموسيقى لدى أيوب طارش طقوس للمزارعين والفلاحين والنساء الآتي يقمن بالفلاحة والزراعة، ولم يقتصر غناؤه على هذه الشريحة من الناس البسطاء بل ذهب إلى ابعد من ذلك حيث عاش مرارة الاغتراب وأحس بما يعانيه الإنسان اليمني في مهجره ومواقع اغترابه، عاش أيوب حياة المعاناة مع أبناء الوطن في المهجر، وقدم أجمل أغانيه في هذا المجال وإن لم تكن رائعة الشاعر عبدالكريم مريد هي الوحيدة التي شدى بها أيوب في وقت مبكر وهي أغنية «ارجع لحولك كم دعاك تسقي، ورد الربيع من له سواك يجني» هذه وغيرها من الأغاني التي أثارت الأشجان والأشواق والآهات والحنين وأحيت ذكريات جميلة عن الوطن والأهل والقرية، غنى أيوب الكثير، ومن تعمق في أداء أيوب طارش سوف يعرف أن أيوب طارش غنى لكل شيء جميل في الوجود، تفوق بإبداع وتميز عن غيره، ليس بالغناء عن المرأة الفلاحة ولا عن المزارع الحافظ لأرضه، ولا عن الوطن الذي كثيراً ما غنى له، ولكن أيوب أيضاً انشد وغنى بفرح لليمن والوحدة، فكان بصوته الجميل يدب الحماس في نفوس الجماهير، لم يكن يغني فقط. ولكن كان يرسم الكلمات ويمزجها بالموسيقى، ساعده في رسم أجمل القصائد الشاعر والصحفي عبدالله عبد الوهاب نعمان( الفضول ) اللذان عانقا الإبداع وامتزجت قدراتهما ببعض، فخرجت أعمالهما للمستمع اليمني بأجمل ما صوره الخيال، وكما كان مع الفضول متألقا كان أيوب طارش مجسدا لروائع كثيرة كتبها عدد من الشعراء منهم الديلمي وصبره وأحمد الجابري، ومن جمال ما كتبوا في مجال القصيدة الوطنية «مواكب التحرير وعودة السندباد ولمن كل هذه القناديل»، وغيرها من الأغاني والأناشيد الوطنية والتي منها النشيد الوطني «رددي أيتها الدنيا نشيدي»، وفي واحدة من أجمل القصائد الوطنية التي قدمها بصوته، يقول: يا بسلات الفداء، إننا شعب فداء، أحلامنا نبتت فوق قبور الشهداء، يا جلالات العطاء إننا شعب نداء، أيامنا لم تلد غير نفوس الكرماء، يا رسالات السماء، إننا شعب هدى، أسلافنا أزهرت فيهم أماني الأنبياء، وطني الحبيب، ليس في أيام بعدي عنك إلا مسراتي، إنها تأتي يتيمات كأيام وفاتي، وبها وحشة قبري ولها صمت رفاتي.
أما على الجانب الآخر فقد قدم أيوب طارش كوكبة من الأغاني العاطفية منها: هيمان، عليل الهوى، زارع الحب، صدفة من الصبح، بالله عليك ومسافر، خذني معك، هات لي قلبك، سامحني وأنا باتوب، العمر محسوب، عروسنا، زرع الشجرة، دق القاع، الحب والبن، شن المطر، لمن كل هذه القناديل، صدفة من الصبح، الله من قلبك، عليل الهوى، صبر أيوب، دان دانه، ماهلنيش، جوال، الصبايا، ومئات من الأغاني التي مازالت حتى اليوم تردد من قبل الجمهور اليمني، ومعظم الألحان كانت من ألحانه.
إذن أغاني الفنان أيوب طارش هي ملاذنا.. فمن خلالها أرسلت أشواقنا للأرض وللمعشوق وللغائب عنا وللحقول والوديان المتناثرة على أرض الوطن، وغردت الطيور والعصافير مع ألحانه المنسابة على الشعاب والوديان والحقول كسيمفونية جميلة أشعلت قلوب المحبين وارتوت على أنغامها قلوب الحيارى والمعذبين.
كانت- ومازالت- أغاني الفنان أيوب طارش تغذي آمالنا وتشف أسماعنا بزغردة طيور الفجر وهديل الحمام وخرير الغيول وحفيف الرياح حين تراقص الزرع في الحقول.. فتسكنها قلوبنا وأرواحنا فتنعش فيها مشاعر الفرح والشموخ وتنمي فيها العاطفة الإنسانية والانتماء للأرض والوطن .