الواضح أن القبائل المضرية الأعرابية التي تكون مواطنها في اقليم نجد الصحراوي مثل تميم والرباب وضبة وقيس عيلان هي التي كانت اخر من واجه رسول الله محمد واخر من دخل الدين الإسلامي من قبائل العرب ، وهي ذاتها من واجه علي بن ابي طالب في معركة الجمل والتفوا حول الجمل نصرة للثلاثة المتمردين على خلافة علي وهم الزبير وطلحة وعائشة ، وهم من انضم إلى جيوش بني أمية لاحقا .
على خلاف قبائل مضر غير الأعرابية في العراق المدني مثل بني أسد ، الذين نبذوا اعرابهم الذين شابهوا قبائل مضر الأخرى البدوية ، الأمر الذي دفع هؤلاء الأعراب الاسديين للهجرة إلى الشام بعد واقعة كربلاء .
كذلك كانت القبائل السبئية القريبة إلى نجد من كندة مثل السكاسك والسكون ، وقبائل الازد الأعرابية على ساحل الخليج ، على ذات منهج قبائل مضر الخندفية في قلة الوعي ، لاشتراكهما في البيئة الأعرابية ، أو تقارب نمط الحياة .
فيما كانت قبائل العرب المدنية مثل ربيعة في العراق ومنها عبد القيس في الأحساء والقطيف والبحرين سريعة الدخول في الإسلام ، وحافظت على ولاء راسخ لآل بيت النبي إلى اليوم .
وأيضاً القبائل السبئية المدنية في العراق مثل مذحج والنخع وهمدان ، وفي الحجاز مثل الأوس والخزرج ، كانت أقرب إلى أهل بيت النبي في تفاصيل حياتها .
وهذا الخلاف في تفاصيل الدين والتدين بقي إلى اليوم بين هذه المجتمعات ، لأنه اختلاف في طريقة التكوين الفكري ، بين القيم البدوية والمدنية ، بين السطحية وبين الارتكاز الحضاري الموروث ، بين الغنائمية الأعرابية وبين التضحية الإنسانية لأجل القيم .
وقد عرف رسول الله كل ذلك ، فالّف قلوب اعراب نجد والقبائل الخندفية التي منها قريش بالمال ، وقد أمن جانب قبائل العراق والاحساء والقطيف والحجاز المدنية .
وليس من الغرابة بعدها أن نجد أسماء بن خارجة ابن أخي عيينة بن حصن أحد المؤلفة قلوبهم قائداً في الجيش الذي حرق خيام نساء النبي بعد أن قتل ال بيته في كربلاء. والذي كانت ابنته هند زوجة عبيد الله بن زياد الأمير الأموي على الكوفة والبصرة الذي أمر بقتل الحسين وسبي نسائه وعياله .
وكذلك كان من الطبيعي أن يكون قاتل الحسين بن علي حفيد رسول الله محمد وريحانته شمر بن ذي الجوشن زعيم قبيلة الضباب من بني كلاب القيسية الأعرابية ، التي اتخذها الحاكم الاول لدولة بني أمية الناصبية قوة خاصة لحماية بلاد الشام ودفعها للهجرة بشكل جماعي بشكل تدريجي .
وأن يكون بعض بني تميم هو الذي جعجع بالحسين وعياله إلى كربلاء ، رغم توبته ، وهو الحر بن يزيد الرياحي التميمي . وأن يكون التميمي الآخر شبث بن ربعي أحد الخوارج الذين خرجوا على خلافة علي بن ابي طالب واحد الذين قتلوا ولده الحسين بن علي .
وأن يكون من أهم أمراء الجيش الأموي ضد ال بيت النبي بعض قريش مثل عمر بن سعد ابي وقاص وعمرو بن حريث المخزومي .
ومن الأمراء الازد من جنوب البصرة التاريخية التي هي ساحل الخليج اليوم عبد الله بن زهير بن سليم الازدي .
ومن كندة التي تقع أراضيها داخل السعودية في الوقت الراهن محمد وقيس ابنا الاشعث بن قيس الكندي . والحصين بن نمير السكوني الكندي . وهؤلاء الثلاثة لعبوا اكبر الأدوار في حصار الكوفة ودعم بني أمية وتأليف الجيوش المعادية للحسين . والتي كان رسول ابن زياد الى الحر الرياحي بحصار الحسين وان يجعجع به منها وهو مالك بن النسر الكندي ، والذي لم يبادر سوى أصحاب ابن زياد بالسلام ولم يسلم على الحسين واصحابه الامر .
ومن توزيع رؤوس أصحاب الحسين على القبائل التي جائت مع عمر بن سعد نعلم حجمها في ذلك الجيش . فالمنافسة كانت بين هوازن وتميم , على اختلاف الرواية ان احداهما ذهبت بعشرين رأساً والأخرى بسبعة عشر , وهما قبيلتان اعرابيتان . فيما ذهبت كندة بقيادة ال الاشعث بثلاثة عشر رأسا . وذهبت اسد ومذحج – مشتركتين – بنحو ثلاثة عشر رأسا . وباقي الناس بأقل من ثلاثة عشر رأسا . فيما كان العنوان العام للجيش الذي قاتل الحسين بن علي وحاصره وافجع المسلمين به أوضح في شعر الفضل بن العباس بن عتبة بن ابي لهب حيث عدد القبائل الرئيسة المشاركة في احد ابياته فذكر تميم وبكر والسكون وحمير , وهي قبائل تشترك في جزء كبير من البداوة او انها غير عراقية أصلا .
ومن ثم كانت المناطق الاعرابية والصحراوية اكثر بغضاً لآل علي , بسبب معارك قيس عيلان والجمل . وقد ظلت قبائل كبيرة في مدينة مثل البصرة – التاريخية حتى عُمان – ناصبية الى زمن الامام جعفر بن محمد الصادق ابن حفيد الحسين .
لقد كان الذين قاتلوا الحسين بين خارجي واموي وعثماني او من الفئة الاولية الخام للاسلام التي تتبع الدولة . ففي مقالة شمر بن ذي الجوشن لعبيد الله بن زياد في الكوفة بعد ورود كتاب عمر بن سعد الذي ينزع الى السلم ما كشف بوضوح ان هؤلاء القوم كانوا نواصب صرحاء , فرغم ان ابن زياد كان دموياً الا انه على ما يظهر أراد الاستجابة لكتاب ابن سعد لولا نصيحة ابن ذي الجوشن الداعية الى قتل الحسين او القبض عليه , وشمر هو ذاته من أراد قتل امام اخر هو زين العابدين علي بن الحسين في كربلاء ولا يفعلها الا ناصبي شديد النصب والجهل بقتله امامين في زمان ومكان واحد .
ولهذا كانت حركة قبائل متشيعة عقائدياً مثل عبد القيس نحو كربلاء لنصرة الحسين من ديارها خلف نجد وقبائل خندف المضرية صعبة , لسببين , لبعد ديارهم جنوب البصرة قريباً من البحرين التاريخية , ولصد طريقهم بقبائل الاعراب والعثمانية في البصرة التاريخية , وقد تحركوا نحو علي والحسن سابقاً بصفة رسمية باعتبار انهما كانا خليفتين ورئيسا الدولة ولم تكن قبائل الاعراب قادرة على منع الطريق والا دخلت في حكم الحرابة .
وكانت معركة الطف هي الفاصلة بين النواصب والمحبين لعلي في كل قبيلة . حيث لم يكن بعدها من الممكن الامتزاج العام على الأساس الاجتماعي القبلي , بل انفصلت المجموعات الناصبية فيها مباشرة , كنتيجة لرفض باقي القبيلة – بسبب الوهج العاطفي الذي خلقته الطف – لوجود المجاميع الناصبية فيها بعد وضوح اشخاصهم .
فكان من الطبيعي ومن الحتمية التاريخية أن يكون أهل العراق والاحساء والقطيف والبحرين والحجاز شيعة ، فيما يكون أهل نجد وساحل الخليج من الخندفيين المضريين متطرفين .