18 ديسمبر، 2024 10:04 م

مؤتمر بغداد الإقليمي..النتائج والمؤشرات!!

مؤتمر بغداد الإقليمي..النتائج والمؤشرات!!

بالرغم من أنه من المبكر الحكم على نتائج المؤتمر الأقليمي ، الذي سينعقد قريبا في بغداد ، بحضور قيادات عليا من دول الجوار العراقي، وبمشاركة دولية من قبل الرئيس الفرنسي كممثل عن الإتحاد الأوربي ، وبحضور وفد أمريكي، لبحث الحلول الممكنة لأزمة الصراع الإيراني الأمريكي والعلاقة مع دول الجوار العراقي مثل تركيا والسعودية ، وإحتمالات عقد مصالحة ايرانية سعودية بحضور قيادتي البلدين ، فإن هناك جملة ملاحظات ومؤشرات عن نتائج ومترتبات هذا الإجتماع ، يمكن أن نؤشرها على الشكل التالي:

1. أن مجرد إنعقاد المؤتمر بالنسبة للكاظمي في بغداد ، يعني أنه حقق “إنتصارا دعائيا” و “معنويا” وحتى “سياسيا، بالرغم من أن ما سيخرج عنه المؤتمر الأقليمي من مقررات وتوصيات ، لايعدو أن يكون ” دعاية انتخابية مبكرة” للكاظمي لكسب “نجاحات دعائية ” ، كما أسلفنا، أكثر منها “مكاسب” ذات نتائج إيجابية كبيرة على مستوى الصراع الذي يحتدم على أرض العراق، وعلى مستى آمال شعبه ، الذي فقد أي أمل في تحقيق “إنفراجة قريبة” تروي ظمأه، كما أنه ليس بمقدور دول الجوار العراقي، حتى وإن أعلنت توافقها مع مقررات المؤتمر أن تلتزم بها، وقد يمضي وقت قصير وتعود حالات تأجيج الأوضاع الى ما كانت عليه قبل سنوات!!

2. إن من الطبيعي أن إيران وحتى السعودية بحاجة الى “التهدئة” ومحالات ” ترطيب الأوضاع” بينهما في الظروف الحرجة التي يمر بها الطرفان، لجهة ترتيب نتائج أفضل لايران في مؤتمر جنيف حول برنامجها النووي ، وهي ترى أن ” التهدئة” ضرورية لها في هذا الوقت العصيب، للحصول على مكاسب ، في وقت يشتد التصعيد الدولي ضدها والتلويح بتوجيه ضربات لها ، وبخاصة بعد إتهامها بإستهداف ناقلة نفط تعود لتاجر إسرائيلي قرب مياه سلطنة عمان المجاورة لإيران على الخليج، كما أن السعودية هي الأخرى ، بحاجة لدور ايراني للتهدئة مع اليمن وايجاد “مخرج مشرف” لتلك المأساة التي طال إنتظارها منذ سنوات، وكبلت المملكة خسائر فادحة !!

3. إن الكاظمي أمام إستحقاق أنتخابات مبكرة ، وهو يسعى لجمع تأييد دولي وأقليمي لإجرائها بوقتها المحدد ، لأن عدم قدرته على إجرائها بموعدها في تشرين الاول المقبل ، سيترتب عليه أزمات كبيرة وربما يتفاقم الوضع العراقي ويخرج عن السيطرة ، كما أن المطالبة بابدال الكاظمي من قبل خصومه في الكتل السياسية الكبيرة ستتسع إذا ما أخفق في إجراء تلك الانتخابات، وستشكل ” إنتكاسة كبيرة ” له ان حدثت عراقيل كبيرة تحول دون إجرائها، ولهذا فهو يستنجد بالدول الأقليمية والدولية لمساعدته على إجرائها بموعدها ، وتوفير ظروف أمنية أفضل لها تحقق له ” مقبولية دولية” إن جرت الانتخابات وفقا للمعايير التي حددتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للقبول بها!!

4. إن الكاظمي يسعى لأن يكون تدخل ايران وضغطها على الفصائل ، باتجاه” التهدئة” أمر يقدم خدمة للعراق وإيران في آن واحد ، لكنه يخشى من سعي بعض الفصائل لـ ” الإنفلات” ومحاولة خروجها عن تعليمات إيران، بعد أن أدركت بعض تلك “الفصائل الولائية” منها، أن دورها ربما سيضمحل، وأنها ربما أصبحت ” ضحية ” إتفاق أقليمي دولي لإنهاء دورها ، بالرغم من أن إيران لابد وأن تمنحها”ضمانات” ، بأن دور تلك الفصائل الموالية لها لن ينتهي، ولها ” فصول قادمة” من العلاقة معها، بمجرد فترة محدودة ، من إنتهاء أعمال المؤتمر، والتأكيد لها أنها لن تتخلى عنها في أي وقت من الأوقات!!

5. ليس من السهولة أن تتوافق كل من إيران والسعودية على ما يصدر عن المؤتمر من مقررات وتوصيات، بالرغم من أن طهران ربما هي في ظرف عصيب وتريد أن ” تتحايل” على المجتمع الدولي و ” تراوغ ” معه بقبول النتائج مؤقتا ، لحين الحصول على ” مكاسب” تعدها مقدمة لجني ” مكاسب إضافية” في مؤتمر جنيف لصالحها، لكي لايكون الضغط الامريكي عليها قويا ، ويحول دون فرض شروطها هي وفق ما ترغب، كما أن السعوديين لايطمئنون كثيرا للنوايا والوعود الايرانية ، وهم يدركون أنها تريد تحقيق “انفراجة” لصالحها ، للخروج من عنق الزجاجة الذي يضيق عليها الخناق الاقتصادي الى درجة أن إيران قد تحبو على ركبتيها، إن بقيت توجهاتها ضد أمن ومصالح المجتمع الدولي ودول الجوار التي تضيق ذرعا من تصرفات وسلوكيات إيران المتهورة!!

6. إن الولايات المتحدة تدرك أن وجود ” رئيسي” على رأس السلطة في إيران الآن ، وهو محسوب على جناح المتطرفين ، يمكن أن يسهل عليها الفرصة هو الآخر لتحقيق ” نجاحات سياسية ” لفترته الرئاسية، وهو سيحاول الظهور بمظهر المرحب بالتهدئة والإنفتاح، شرط أن يعينه الغرب على تحقيق تلك الأمنية، وهو يواجه أزمات اقتصادية وأمنية ومجتمعية ، ليس بمقدوره مواجهاتها ، إن لم يبحث عن ” مخرجات” لأزمات بلاده مع المجتمع الدولي ودول الجوار، ويظهر أمام الإيرانيين أنه حقق ” مكاسب” سياسية واقتصادية منذ أول أيام توليه للرئاسة في إيران، في وقت ترغب إدارة بايدن هي الأخرى بالتهدئة مع إيران ، كي لاتضطر للتصعيد معها بطريقة التلويح بشن الحرب على إيران ، ويدرك بايدن أن أي حرب أقليمية في المنطقة ستكون نتائجها كارثية ، على غرار ماحدث لها في حربها مع العراق منذ عام 2003 حتى الآن!!.

7. كما أن العراق بحاجة الى ترتيب لعلاقاته مع تركيا ، والبحث عن “مخرجات” لحل أزمة تواجد قوات تركية على أراضيه ، وتركيا من جانبها ربما، لديها قناعة أن المؤتمر سوف لن يخرج بنتائج ملموسة على صعيد علاقتها بالعراق، لأن الأخير غير قادر على توفير ” ضمانات” لتركيا بتحجيم دور حزب العمال الكردستاني على أراضيه، كما تطلبه منه أنقرة والبككه هو الآخر لايمكن أن يستجيب ويضحي بمكتسبات تواجده على أرض العراق من أجل سواد عيون الكاظمي، ويجد أنه” خاسرا” في أي إتفاق عراقي مع تركيا.!!

8. إن حل الأزمات مع إيران وتركيا ربما سيتعكس إيجابا على العلاقة مع سوريا، بالرغم من أنه لم يعرف فيما اذا كانت تحضر أعمال المؤتمر أم لا، وهي ربما تنظر نتائج المؤتمر لينعكس عليها بآثار إيجابية كما تتمناها، وهي لاتعلق آمالا كبيرة على هذا المؤتمر!!

9. وفي هذا الإطار يرى الباحث في جامعة شيكاغو رمزي مارديني ، وهو يتفق مع مضامين ما تم طرحه أعلاه ، من أن المؤتمر لن يشكّل أكثر من “انتصار رمزي” قبل نحو شهرين من الإنتخابات النيابية المبكرة التي تريد حكومة مصطفى الكاظمي إجراءها ، بعد أكثر من عام على توليه المنصب إثر احتجاجات شعبية غير مسبوقة.

ويضيف الباحث أن “الربح السياسي الحقيقي سيكون من نصيب الكاظمي، فذلك سيدعم بالتأكيد صورته ومكانته”، فيما يعيش العراق صعوبات وأزمات، بدءاً من الكهرباء، الذي يعتمد العراق بشكل كبير لتوفيرها على الجارة إيران، فضلاً عن التوتر الأمني، وصولاً إلى التدني في مستوى البنى التحتية والخدمات، والأزمة الاقتصادية مع تراجع أسعار النفط وتفشي وباء كوفيد-19. وينتهي الباحث بجامعة شيكاغو في تحليله لآفاق المؤتمر ونتائجه بالقول ” إن المسؤولين العراقيين يدركون أن الطريق طويل، ولكن إن لم يتمكن العراق من أن يمارس ضغوطًا كبيرة فإنه على الأقل وفر ساحة للحوار. كذلك، فإن من شأن أي تهدئة إقليمية، لا سيما بين طهران والرياض اللتين قطعتا علاقاتهما في العام 2016 متبادلتين الاتهامات بزعزعة استقرار المنطقة، أن تعود بالفائدة على العراق.. وبالمحصلة يرى مارديني أن المؤتمر يبقى “خطوة مهمة” ، لكن “ينبغي عدم المبالغة في تقييم نتائجه… لينتهي الى النتيجة نفسها ، من أنه لا يعتقد أن العراق سيتمكن من تحقيق شيء ملموس” من هذا المؤتمر ، كما يقول.

هذه بإختصار أبرز الملاحظات والمؤشرات التي توصلنا اليها لدى إستعراضنا لمجمل مايخرج عنه المؤتمر الإقليمي في بغداد من مقررات وتوصيات ، في وقت يأمل الجميع أن يبحث العراق عن دور أقليمي حقيقي ، ولكن ليس بطريقة المؤتمرات ، بل بدور سياسي قوي ويحتاج في ظروف كهذه الى ” زعامة مقتدرة” وهي غير متوفرة حاليا، ولو كان إنعقاد المؤتمر في مرحلة إنتقالية جديدة للعراق تتولاها شخصية وطنية مؤهلة ، لديها مواصفات القيادة ، لكان أمكن الحديث عن “نتائج إيجابية” ، لكنه ليس لدى الكاظمي المعروف بضعفه السياسي وتردده المستمر ودوره المحدود في السلطة ، وعدم وجود قوى سياسية وبرلمانية داعمه له، أن يحقق نتائج ملموسة من إنعقاد المؤتمر، الذي سبقته مؤتمرات ثلاثة في سنوات خلت على شاكلته وواجهت انتكاسات بمجرد إنتهاء أعمال تلك المؤتمرات، كما أن بعض الكتل السياسية لايروق لها أن يخرج الكاظمي “منتصرا” في نهاية المطاف، لأن نجاحه يعد ” انتكاسة” بالنسبة لها ، ويؤكد فشلها على مدار الـ 18 عاما في إنقاذ العراق من أزماته الخانقة، وهي من أوصلته الى هذه النتائج الكارثية على أكثر من صعيد!!