لايختلف اثنان على إن أخبار وفاة الأقرباء والأصدقاء والزملاء الأعزاء صارت وعلى غير العادة تتناهى الى سمعك تباعا ومن دون سابق انذار وبشكل شبه يومي وعلى غير المألوف يساعد على انتشارها كالنار في الهشيم الهواتف النقالة وبقية وسائل ومنصات التواصل والاتصال السريعة بما يعلمه القاصي والداني ولم يعد خافيا على أحد لاسيما في العراق المبتلى ولأسباب لاحصر لها حتى صار فقد الأحبة ديدننا ولايكاد يمر يوم الا وتسمع فيه،أن “فلانا غرق في النهر ، انتحر ، مات بحادث مروري مروع ، ودعنا من جراء اصابته بكورونا ، غادر دار الفناء الى دار البقاء بأزمة قلبية ، بجلطة دماغية ، بحريق ، بتماس كهربائي ،بفشل كلوي ، ذهب الى فراشه متعبا وقال لزوجته ايقظيني عند الساعة كذا فنام نومته الاخيرة ولم يستيقظ بعدها ابدا ….” .
بالامس أخبرت وفي يوم واحد بوفاة زميلين عزيزين سابقين أحدهما وقت الضحى وأنا افتح الباب، وماكدت انتهي من ديباجة تأبينه ونعيه واختيار الصورة المناسبة لهما بعد اجراء الاتصالات اللازمة للتأكد من صحة الخبر فلعله يكون خبرا كاذبا كالمعتاد في زمن كثرت في الاكاذيب ، او مجرد اشاعة مغرضة أطلقها بعض الذباب الالكتروني ولم أكد انتهي من النعي ، حتى اخبرت بوفاة الزميل الثاني بعد الظهر وانا اغلق باب المكتب ” بصراحة لقد لمت المخبر بيني وبين نفسي لكونه قد اختار اسوأ التوقيتات -عند انتهاء العمل مباشرة – لنقل هذا الخبر السيء بما يجعلك مضطربا،مشوشا ،حزينا،مكتئبا ،فاقدا لتركيزك،غير آبه بطعامك ولاشرابك ما تبقى من اليوم وهذا ما حدث بالفعل، ولطالما كان شعاري في الحياة وكما كررت ذلك واسلفته مرارا هو،ان” تناقل الأخبار السيئة والمفجعة يشبه في نتائجه الكارثية تناقل الأنباء المفرحة غير الدقيقة،أو المشكوك بصحتها،او غير الموثوق بها ، فكلاهما محبط فلاتكن بوقا للخبرين ، وان كان ولابد لغرض إعلام المقابل بهما ، فحاول أن تتخير توقيتاتهما بدقة متناهية وان تتلطف بنقلهما ولا تلقيهما على عواهنها هكذا جبلا، فكلا الخبرين وقعهما سيء على الآخرين لاسيما في اللحظات الأولى !
الموقف الطيب الذي قام به الفقيد الاول في آخر لقاء جمع بيننا قبل شهر من الان بالتمام والكمال هو الذي جعلني اضاعف من الدعاء له والترحم عليه فلقد صادفته وهو بمعية اولاده وبكامل اناقته وهم في طريقهم الى محال الوضوء في احدى المساجد البغدادية الكبيرة والعريقة استعدادا لصلاة العشاء وما ان رمقني من بعيد حتى ابتسم ابتسامة جميلة وبادرني بالسلام الحار بكل تواضع واحترام ..فيما كان اصراره العجيب على التقاط صورة جماعية في ذات التوقيت – قبل شهر تقريبا – مع كل زملائه القدامى ممن كان يعمل بمعيتهم بإستثنائي حيث كنت مشغولا جدا برفع وتحرير بعض الاخبار المهمة ما جعلني اعتذر عن الاصطفاف معهم لالتقاط الصورة اياها ، الا ان هذه الصورة الجماعية واصرار الفقيد على التقاطها معهم حبا بهم جعلت بقية الزملاء كلهم يحزنون ويترحمون عليه بشدة ..المفارقة المؤلمة ان جل احاديث الجلسات عندنا في العراق كذلك اخبار وصور الصفحات ، باتت تدور حول اناس ومعارف يرحلون تباعا ومن غير وداع !
ما اريد قوله وبإختصار ولا اريد ان اطيل لأن الكثير منكم لم يعد يطيق طول البوستات والمقالات – ولكن من غير ان اعدكم بإختزالها ولا تقصيرها مستقبلا – خلاصته ” احرص على ان يكون لقاءك على الدوام ، كذلك اتصالك الهاتفي ، مجلسك ، فطورك الجماعي ، غداءك ، عشاءك ، صلاتك في المسجد ، سلامك على من تعرف ومن لاتعرف ، جميلا وانسانيا ورقيقا مفعما بالمشاعر الجياشة ، فلعله يكون اللقاء الاخير معهم ، لعلها التحية والسلام الاخير الذي لا سلام بعده بينكما ، لعله الحديث الاخير الذي لا حديث بينكما بعده ، لعله الاتصال الهاتفي الاخير الذي لا اتصال وراءه ، لعله الفطور ، الغداء ، العشاء الأخير الذي لا طعام يجمعكما بعده ، لعلها صلاة الجماعة الاخيرة التي لاصلاة بعدها ابدا …والعبرة كما يقولون في الخواتيم …تواضعوا وسلموا واكرموا وتصدقوا وصلوا وصوموا وقوموا وتراحموا ليذكركم الجميع بكل خير …والعكس صحيح !
ولعل واحدة من أرق وأرقى أساليب الوقاية والعلاج،هي أن تدعو بظهر الغيب لكل مرضى المسلمين بالشفاء التام الذي لايغادر سقما عدة مرات..يوميا
اللهم اشف كل مريض عز عليه العلاج أو ثمن الدواء، واشف كل مريض أرهق نهاره وأسهر ليله الداء ، واشف كل مريض انفض عنه الاقرباء والاصدقاء، واشف كل مريض اشتد عليه البلاء، واشف كل مريض لم يذهل عن الذكر والشكر والدعاء ، واشف كل من ناجاك مخلصا في كل صباح أو مساء ، واشف كل مريض عجز أو قصَّر أو حار في علاجه الاطباء، اللهم احفظه بحفظك ولاتشمت بدائه الاعداء ، اللهم استره بسترك الجميل ولا تكشف عنه الغطاء ، اللهم يا لطيف يا خفي الالطاف نجه مما يحذر ويخاف والطف به اذا ما نزل بساحته القضاء ،اللهم يامالك نجه من المهالك، ووسع له ضيق المسالك انك قادر على ذلك اذا ما ضاق به الفضاء ، اللهم اشف كل مريض استبد به العناء، واشف كل عليل رفع اكف الضراعة وناجاك بصدق يا رب الارض ويارب السماء ، شفاء لايغادر سقما ، ولا يترك اثرا لمرض أو وباء ، اللهم البسه من الوان الصحة والعافية تاجا مشفوعا بأجمل ثوب واحلى رداء ، مادعاك داع وما رفع في الارض النداء .