مشكلة الامن المائي في الوطن العربي ، دائمية ما دامت الحياة قائمة ، والسبب يعود الى ان منابع الانهر تأتي من خارج حدود الوطن ، وخاصة تركيا ، لذا فأن حجم هذه المشكلة يكبر بعد ان تمادت الاخيرة غير آبهة بكل المواثيق والاعراف الدولية والمطالبات الحكومية المستمرة التي تنظم مناسب المياه للدول المتشاطئة على حوض الرافدين العملاقين (دجلة والفرات) ، بل على العكس ، عمد الاتراك بالتحكم غير المشروع بمياه النهرين عبر اقامة العديد من المشاريع والسدود التي تضر بمصلحة شعب العراق وحتى سوريا ، وهو امر لا يمكن السكوت عليه .
تاريخياً ، وبعد ان اعترفت تركيا بالكيان الصهيوني بعد الحرب العالمية الثانية ، اصبحت حليفاً قوياً للغرب ، خصوصاً الولايات المتحدة ، التي دعمت انضمامها الى المجموعة الاورربية للاستفادة منها جيوبولوتيكياً بعد تنامي الرأسمالية العالمية . كما اصبحت تركيا ، في الوقت نفسه ، عضواً بحلف (الناتو) وانشأت قاعدة امريكية متقدمة في الشرق الاوسط لتحقيق المصالح المرسومة سلفاً على كافة الصُعد .
ثم بدأت تركيا ببناء سدود وصلت الى (22) سداً ومشروعاً مائياً على نهري دجلة والفرات ابتداءً بسد كيبان الذي تم انجازه عام 1974 ، ومشروع اتاتورك في حوض الفرات ، الذي كان الهدف منه في الاساس هو نقل مياه نهري سيحون وخيخون الى اسرائيل ، وذلك بعد زيارة الرئيس التركي السابق (اوزال )الى واشنطن .
واستمر هذا المسلسل حتى شرعت تركيا باقامة سد (اليسو) الذي وصف بالعملاق والذي سيقوم بتقليل واردات نهر دجلة الى النصف حيث يستوعب 11 مليارا م3 من المياه، ليس ذلك فحسب ، بل تقوم تركيا الان بأنشاء سد (جزرة) على نهر دجلة والذي سيستهلك نحو 40 بالمئة من مياه النهر وهو على مسافة 40 كم2 عن الحدود العراقية داخل الاراضي التركية .
صحيح ان الرافدين ينبعان من تركيا الا ان هنالك معاهدات دولية تنظيم تقاسم المياه بين (تركيا والعراق وسوريا ) كان اولها معاهدة لوزان عام 1920 ، كما وقع العراق عام 1946 برتوكولاً مع تركيا لتنظيم مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما ، لكن الجانب التركي لم يلتزم بأي منها .
ولعل زيارة وزير الخارجية الاخيرة الى تركيا ولقاءه المسؤولين الاتراك ، والزيارة المماثلة التي قام بها رئيس البرلمان التركي الى بغداد ، تطرقت الى هذا الجانب وخطورة نتائجة ، خصوصاً بعد ان ايد مجلس الوزراء في جلسته الرابعة والاربعين جهود تعزيز وتطبيع العلاقات مع تركيا على اساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين البلدين .
وما انفكت التحذيرات تطلقها النخب العراقية من السياسيين والمثقفين من الاثار السلبية لهذه السدود على الاقتصاد العراقي ، ونُذر موت الزراعة في وداي الرافدين حيث ولدت فيها الى جانب التاثير المباشر على التنوع الاحيائي والبيولوجي في مناطق الاهوار ، ومطالبات عديدة لمجلس النواب بضرورة اقرار مشروع قانون المجلس الوطني للمياه .
ولا نغالي اذ نقول انه لابد من تكون هناك حلول حقيقة عبر القنوات الدبلوماسية لانقاذ العراق من الكوارث المحتملة بسبب المشاريع التركية المائية للحفاظ على الالق التاريخي والحضاري لبلاد الرافدين .