قطرات من المطر قد تحيل أرضا مقفرة الى روضة تزخر بكل ما تطيب معه النفس من أزهار منتثرة وألوان منتشرة .. وهي ذاتها التي تسمى بهبة السماء .. وهي هي التي أنزلت من السماء رحمة للعالمين لتحيى بها الارض بعد موتها .. بيد إن هذه العطيات والهبات قد تنقلب اذا ما تعاطت معها نفوس خربة وطويات فاسدة دأبها الظفر بالغنيمة أيا كان أسمها أو عنوانها بلا أي قيد أو شرط إلا كونها تشتمل على الحرمة وتتعفر برائحة السرقة المقرفة ، أقول قد تنقلب هذه الهبات السماوية والعطايا الالهية الى غضب سماوي ونقمة الهية – بحسب مايفهم العامة من الناس – ..فبدلا من أن ينزل الغيث شفافا كشفافية الملائكة فإنه سرعان مايخرج من باطن الارض مع أول قطر وكأنه ينازع السماء سلطانها ويزاحم المطر في عشقه لإحياء الارض .. فتراه يتدفق على الارض بكل صفاقة متبخترا بلونه الاسود ومتفاخرا بإسمه ( الصرف الصحي ) ذلك الاسم الذي لايحمل منه الا الرسم بلا أي معنى فصيح أو إنطباق صريح فلا هو يحترم اسمه المسجل في هوية الاحوال الوطنية كـ (صرف) فينصرف ، ولاهو يشعر بشئ من الحياء من صفته (الصحي) فيمتنع عن حمل ما استطابه من أوبئة و أسقام .
كل هذا و الارض بعد ذلك ظهير للمجرمين ، فلم تكتف بما تقيؤه على الخلق من مياه موبوئة ولم يشف غليلها فساد الفاسدين وظلم الظالمين بل تراها ما تركت موطنا ولا رقعة إلا وفتحت فيها فاها يبتلع كل مايتحرك عليها من انسان أو حيوان ولو أستطاعت ما أفلتت منها حتى طيور السماء ولكن غلت يدها ولله الحمد والمنة ، أما هوام الارض ودوابها فلها قصة أخرى وهي أغربها فما هذا التلازم بين التحضيرات التي تقوم بها السماء لتنزل غيثها وبين التحضيرات التي تقوم بها تلك الكائنات للبدء باستعراضها على وجه الارض ؟ فما إن تنزل أول قطرة (نعم أول قطرة ) حتى تبدأ طلائع هذه الدواب بالخروج من مخابئها زحفا كأنها جراد منتشر والبدء باستعراض قدراتها الخيالية في التموضع والاختباء والتملص من كل مكيدة أو مصيدة .
أهي مصادفة أم أمر دبر بمطر .. صرف صحي يتخلى عن أسمه ورسمه بمجرد أن تسفر الغيوم عن نواياها وأرض تتحول الى افواه مشرعة لابتلاع كل متحرك مفتون ، ومسؤولون فاسدون حد الثمالة يتحولون الى اشباح لاترى حتى لو اقمت كل طقوس التحضير وقرأت كل تعاويذ التسخير فلن تراهم في هذه الظروف لانها وببساطة غير مواتية للظهور ، وهوام ودواب تشن الهجوم تلو الهجوم للظفر بما تيسر … حقا لا ادري أهي مصادفة أم إن الشعب إستمرأ الهزيمة حتى أمام نفسه.