إبتسم في الحالات كلها لتكون سعيدا
حينما نبتسم بمحبة ياشهرزاد فإننا نختصر المسافات الى القلوب ،ونتحدث بلغات العالم أجمع من غير الحاجة الى النطق بكلمة واحدة.
-هل تعرف ياشهريار إني أجد صعوبة بالحديث حتى مع بعض المقربين حينما أكون متجهمة الوجه .. كأنهم لا يفهمون ما أقول، وإنْ كان في غاية البساطة .
– نعم ذلك يحدث مع الجميع تقريبا ، نحن في لحظات التجهم نوصل رسائل خاطئة الى قلب المستمع قبل أذنيه ، كأننا بذلك التجهم نغلق مسامعه ،ونحجب ذهنه عنّا ، ذلك أن الأبتسامة أول الغيث في حديث يلامس القلوب والأرواح قبل العقول .
شهرزاد : لكننا لا نستطيع أن نكون مبتسمين دائما .. هموم الحياة تسرق الأبتسامة من وجوهنا في كثير من الأحيان ألا ترى ذلك ؟.
– مفارقة عجيبة تلك التي تتحدثين عنها ياشهرزاد ،نحن نؤمن بعدم قدرتنا على التبسم بسبب الهموم والأحزان ، لكننا مقتنعون تماما بأن علينا أن نواصل الحياة ، ونحاول أن نقنع من حولنا بما نقول ، بل إننا نطلب منهم أن يكونوا واثقين بصدق مانقوله،ونحن عاجزون عن أيصال أول رسائل الثقة في أبتسامة متواضعة .
حقا إنها مفارقة ، نحن نحرك 14 عضلة حينما نبتسم وعلى أرجح الأقوال 17 حينما نضحك ، ونحتاج الى 43 للتعبير عن الغضب أو التجهم ، وذلك يعني ياشهرزاد أنك تبذلين جهدا أكبر لتكوني متجهمة الوجه ، بل إنك تبذلين جهودا مضاعفة لإقناع الطرف الآخر بما تقولين ، من غير الوصول الى نتيجة مقنعة ؟.
يقول إبراهيم الفقي : إن في الوجه 80 عضلة ، وعندما نبتسم فنحن نستخدم 14 عضلة منها فقط، ولايؤثر ذلك على شكل الوجه، ولكن اذا ماكان الوجه عبوسا فإن الناس تستخدم تقريبا كل عضلات الوجه مما يسبب له التجاعيد .
شهرزاد : لكن هل تعرف أحدا يكون مبتسما حينما يكون حزينا ،أو غاضبا ،أو خائفا من شيء ما؟.
– نحن نبحث عن السعادة في كل الأوقات ، حتى قبل أن ننام نتمنى أن نرى حلما جميلا يجعلنا سعداء حين نسترجع تفاصيله في الصباح، وإذا أدركنا أنّ الأبتسامة هي التي تولد السعادة في صدورنا وليس العكس إستطعنا أن نطبع ابتسامة رقيقة على وجوهنا في كل الأحوال إنْ لم يكن من أجل التواصل مع الآخرين بمودة فمن أجلنا نحن ، وحينما نكون سعداء برغم أحزاننا وأتراحنا فإننا نمتلك زمام الأمور ، وكأن الدنيا كرة صغيرة نداعبها بين أصابعنا كيفما نشاء .
يقول عالم النفس الأميركي المشهور وليم جيمس: ( إن التغيرات الجسمية التي تحصل في مناسبات معينة ، كإرتعاد المفاصل عن رؤية وحش مفترس، أو احمرار الوجه أمام موقف مربك ، تُسبق ببرهة زمنية وجيزة ، بل تسبب من ذاتها الشعور الناتج عن هذه المناسبات كالخوف والخجل).
وهذا ياشهرزاد عكس الشائع تماما .. نحن نبتسم لنكون سعداء ولا ننتظر حظا وافرا من السعادة يجعلنا نبتسم ، هل سمعتِ يوما عن رجل غاضب أو عبوس الوجه يشعر بالسعادة ؟ .. بالتاكيد لا ، علينا أن نعيَ عظمة هذا التعبير الميسر لنا بلا جهد ، فهو بكل تأكيد مفتاح لإسعاد قلوبنا وقلوب الآخرين معا .
ورب قائل : هل يجرؤ أحد على القول لشخص حزين : عليك أن تبتسم؟
والجواب : ليس علينا أن نقول له ذلك .. فقط علينا أن نبتسم في وجهه ولو بابتسامة تعاطف ، ستوصل له تلك الابتسامة العفوية أرق معاني الإحساس بألمه ،والتعاطف معه، ودعوته الى تجاوز محنته ، ولعلك تذكرين مواقف في حياتك شبيهة بذلك ، كيف أنك رسمت – بإبتسامة من هذا النوع- ابتسامة على وجه شخص حزين وإنْ كان باكيا من حزن شديد ، او متالما من مرض ما .
شهرزاد : لا أظنه خافيا عليك الأثر السلبي لتجهم أول وجه نقابله في الصباح على نشاطنا وإحساسنا بالتفاؤل والسعادة ؟ ، فإنْ تحملنا أول صدمة من وجه عبوس في البيت ، فلن نقوى على تحمل الصدمة الثانية في غرف العمل المغلقة .
شهريار : هل تعرفين ياشهرزاد لماذا نتحمل الصدمة الأولى؟ ، نحن نبعث برسالة سريعة الى عقلنا اللاواعي بان ذلك المشهد لن يمكث طويلا ، فنحن خارجون الى العمل ، وفي الثانية نستسلم لإحساس المشهد المستمر لـ8 ساعات متواصلة على أقل تقدير ، في بداية يومنا نكون قادرين على إبتسامة خفيفة مع تحية الصباح ، وهذا يخفف وطأة الصدمة الأولى، كما تسميها أنتِ ،ولو عدنا الى دائرة التاثير حين تحدثنا عن محبة الناس لوجدنا أننا نعيش بين عمقين ، إمّا أن نؤثر فنطفو على السطح ، أو نتأثر فنزداد غرقا ، لحظات حاسمة تلك التي نجابه فيها المتجهم الثاني ، لا نمتلك وقتا لنختار بين التأثير والتأثر لاسيما إذا كان الموقف غير مألوف في الأيام السابقة ، إنهما رسالتان متضادتان الأولى قادمة من صاحبنا المتجهم مفادها : لن يكون يومكِ سعيدا ، والثاني منكِ انتِ ياشهرزاد ، فإمّا أن تبتسمي إبتسامة مازوخي راضخ لقرار السادي غير المعهود الذي ظهر فجأة ،فتعيشين يوما تعيسا مضطربا تواسين فيه العبوس ، وتبادلينه إحساس الحزن والألم لسبب مجهول ، وإمّا أن تاخذي نفسا عميقا، وتبعثي برسالة مضادة ( إبتسامة نابعة من القلب ) مفادها : “أنا سعيدة فابتسمْ ربما يكون يومك سعيدا أيضا “.
وانا اقر بأن الوقت حرج جدا ،ولامجال للتفكير واتخاذ القرار والصدمة صادمة كما يقولون ، لكن النفس العميق في لحظة الصدمة كفيل باتخاذ القرار المناسب ، ولا بأس أن تخلو وجوهنا من التعبير لحظة إتخاذ القرار، بل لا باس في مظهر جمود عن الحركة تنطلق بعده ابتسامتنا المتحدية ، هنيئا لمن أمتلك لحظة تامل قبل الخضوع .. سكونه هذا سيجعل المتجهم المطل علينا بجميع أحزان الدنيا ، وبمظهر غير المبالي بنا في حيرة من امره ، إنه لا يكتفي بتجهمه ، ولن يشعر براحة آنية الا إذا خيم الحزن على جميع المحيطين به ، ذلك أنه يشعر بمواساة كاذبة لحالته الغامضة التي ظهر بها فجأة ، أنه ينتظر ان يقال له : “خيرا نراك متجهما حزينا ؟ ” ، وحينها سيبتسم على الغالب ويكتفي بالقول : “لا شيء” .. بعد أن ينفث في صدورنا خيبة الأمل الصباحية .
إن لحظة التأمل تلك قبل اتخاذ القرار من أبسط دروس الحكمة التي تعلمها الحياة ، لكنها أكثرها عمقا ، حينما نتعلم التأمل في لحظة تجهم صادمة ، قبل أن نرد عليها بابتسامة حالمة ، فنحن قادرون بكل تاكيد على التأني باتخاذ قرارات حاسمة ، حتى في ميدان المعركة .
مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة
للتواصل مع الكاتب : [email protected]