15 يناير، 2025 11:45 م

اتساع معارضة مشروع قانون عراقي يؤسس لمحاكم دينية

اتساع معارضة مشروع قانون عراقي يؤسس لمحاكم دينية

كتب مصطفى حبيب: يواجه قانون “الأحوال الشخصية الجعفرية” و”القضاء الجعفري” اتهامات بإثارة النزعة الطائفية في وقت تشهد فيه البلاد خلافات وأعمال عنف تهدد النسيج الاجتماعي بحرب مذهبية.

إذ تفاجئت الأوساط السياسية والشعبية في 23 تشرين الأول/أكتوبر بإعلان وزير العدل العراقي (الشيعي) حسن لشمري الذي ينتمي إلى حزب الفضيلة عن إنجاز قانوني “الأحوال الشخصية الجعفرية” و”القضاء الشرعي الجعفري” وإحالتهما إلى مجلس شورى الدولة لدراسته.
الغرض الرئيس من القانونين هو تنظيم أمور الزواج والطلاق والميراث والوصاية على الأطفال القاصرين الخاصة بالطائفية الشيعية في العراق، على الرغم من أن العراق لديه قانون للأحوال الشخصية متكامل من حيث البناء القانوني ولا توجد عليه أية اعتراضات.
ويواجه هذين القانونيين الجديدين انتقادات واسعة بسبب توقيتهما في ظل أعمال العنف والشد الطائفي بين السنة والشيعة في العراق، ما اعتبره البعض تشجيعا للخلافات بين الطائفتين، فيما يقول آخرون بأن بعض السياسيين الشيعة يرغبون بتكريس نفوذ طائفتهم من خلال القوانين.
وصدر أول قانون للأحوال الشخصية في العراق في عام 1959 ويحمل الرقم 188 وهو مازال نافذاً حتى اليوم ويستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية، مازجاً بين أحكام المذهبين السني والشيعي دون تحيُّز.
ولم يبق القانون على حاله بل طرأت عليه تعديلات كثيرة، أبرزها في عام 1963 ثم توالت التعديلات في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وأضيفت بموجبها مبادئ جديدة، معظمها تنصف المرأة.
وبعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين أصدر مجلس الحكم الذي تولى جانباً من إدارة العراق بعد دخول القوات الأميركية البلاد القرار رقم 137 والذي يقضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية ويعيد العمل بالقضاء المذهبي، إلا إن القرار ألغي بعد صدوره بفترة وجيزة في عام 2004 بعد تظاهرات حاشدة طالبت بذلك.
وبينما تسعى العشرات من منظمات المجتمع المدني والناشطين في مجال حقوق المرأة العمل على تعديل القانون الساري المفعول بخصوص الأحوال الشخصية على الرغم من إن العراقيين لا يرون فيه سلبيات إلا في فقرات بسيطة، كان لصدور هذين القانونين من قبل وزارة العدل مؤخراً صدّم هذه المنظمات.
وبمقارنة بسيطة فان القانون الساري المفعول الذي أُقر في زمن أول رئيس للنظام الجمهوري في البلاد عبد الكريم قاسم، فالقانون يمنع تعدد الزوجات وزواج القاصرات إلا بشروط معينة، ويمنح الأم الحق في حضانة صغارها، ويعطي الحق للزوجة بأخذ إرث زوجها في حال الوفاة على عكس بعض الآراء الفقهية الدينية كالمذهب الجعفري التي لا تورِث الزوجة في العقارات والأراضي وتميل إلى منح الحضانة للأب.
ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان ماجد محمد لموقع “نقاش” الإلكتروني إن “الغريب في هذين القانونيين هو أنهما غير ضروريان ومع هذا صدرا عن وزارة العدل رغم عدم خروج تظاهرات شعبية تطالب به، كما أننا لم نسمع عن مشاكل بشان القانون الحالي يتطلب تشريع قوانين جديدة”.
والمفارقة أن وزير العدل حسن الشمري الذي ينتمي الى حزب الفضيلة (الشيعي) الذي يقوده المرجع الديني محمد اليعقوبي توقع تعرضه لموجة انتقادات سياسية وشعبية كبيرة بسبب إنجاز قانون الأحوال الشخصية الجعفرية، متمنيا “تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع القضايا التنظيمية والجنائية في البلد”.
إضافة الى قانون الأحوال الجعفرية فالقانون الآخر يتضمن تشكيل محاكم خاصة بالمذهب الجعفري وهو أمر يرفضه العديد من القضاة والمحامين والناشطين في حقوق الإنسان على اعتبار أنه يؤسس لمحاكم دينية ويكرس سلطات رجال الدين في المجتمع.
ويقول القاضي سامي الموسوي إن “تشكيل محاكم ذات طابع مذهبي يمثل مخالفة لأحكام الدستور لأن العمل القضائي هو حصراً بيد القضاء وفق مبدأ الفصل بين السلطات ولا يمكن منح تفويض القضاء لأي جهة كانت”.
ولكن المدافعون عن كلا القانونيين وهم في الغالب من السياسيين ورجال الدين الشيعة يبررون تشريعهما بالمادة (41) من الدستور التي نصت على إن “العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب ديانتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون”.
ويقول النائب عن كتلة “الفضيلة” في البرلمان عمار طعمة إن “على الجميع أن لا يستعجل في إصدار إحكام متسرعة على القانون، فهو سيكون اختياري ولا يلغي القوانين الحالية المطبّقة منذ عشرات السنين”.
ويضيف إن “الدستور العراقي يفرض علينا تشريع هذين القانونيين بموجب المادة 41 من الدستور”.
المشكلة الأخرى التي تعترض هاتين القانونيين هي أنه يستند إلى المادة 41 من الدستور، وكما هو معلوم فإن هذه المادة هي من ضمن المواد التي ما زالت خاضعة للتعديل ضمن حزمة مواد دستورية أخرى سبق وتوافقت الكتل السياسية على ضرورة تعديلها والتصويت عليها وعرضها للاستفتاء الشعبي.
وتقول النائب عن كتلة “العراقية” وحدة الجميلي إن “وزير العدل تجاهل بأن المادة 41 من الدستور ما زالت خاضعة للتعديل في لجنة التعديلات الدستورية ولم يتم حسمها حتى اليوم”.
حتى إن بعض الأحزاب الشيعية البارزة لم تتحمس كثيراً لهذين القانونين، رغم تأييدهم بالحاجة إليه، لكنهم قالوا بان توقيته غير موفّق.
يقول النائب عن “المجلس الأعلى الإسلامي” علي شبّر نحن “لا نشك أننا بحاجة إلى هذا القانون، لكن توقيته في ظل الأزمات والخلافات الحالية سيفتح الباب أمام تسييسه فهناك تشريعات أهم منه ينبغي إنجازها وهي تخدم وحدة العراقيين.
طبيعة الأوضاع الراهنة والانتقادات الموجهة إلى الأحزاب الإسلامية الشيعية التي تمسك بالسلطة تجعل تمرير القانون مستحيلا، إذ من المتوقع أن تشهد البلاد تظاهرات واسعة وندوات عديدة لمنع صدور هذا القانون.
وتقول سكرتيرة رابطة المرأة العراقية شميران موكل إن قانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم (188) الصادر عام 1959، أحد أكثر القوانين تحضراً في الشرق الأوسط والمنطقة العربية”.
وتضيف “كنا نأمل أنفسنا بصدر قانون جديد ذات طابع مدني لكن على ما يبدو فان وزارة العدل تسعى لتكريس نفوذ رجال الدين في المجتمع”.
وعلى المستوى الفني فإن هذين القانونيين سيمران بإجراءات معقدة، إذ يتطلب القانون موافقة مجلس الوزراء ومن ثم يتم رفعه الى البرلمان لإقراره.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة