لابدَّ من الإقرار اولاً , أنّ عدد القوات الأمريكية في العراق لا يشكّل اي ثُقُل عسكري , وأنّ عديد افرادها أقل بكثير من ” لواء ” ولاسيّما اذا ما استثنينا عدد غير المقاتلين.. كما لم نسمع من ايٍّ من كبار وصغار ساسة السلطة والأحزاب , بأنّ هذا الوجود الأمريكي يشكّل خطراً على ايّ حكومةٍ عراقيةٍ , ويهدد الأمن الوطني للبلاد , ولعلّ اقلّ دليلٍ على ذلك هو أنّ قوىً سياسيةً عراقيةً اخرى ترحّب علناً ببقاء القوة الأمريكية في العراق وداخل القواعد العسكرية العراقية , كما وازاء ما معلن فأنّ كلا الحزبين في اقليم كردستان يفضّلون بقاء الأمريكان . وكلّ ما نسمعه في الإعلام أنّ الجهات والفصائل الرافضة للحضور الأمريكي تسميه بِ ” احتلال ” , وكأنّ بقاءهم في العراق والى غاية نهاية هذا العام , بدون موافقة الحكومة العراقية ورغماً
عن انفها .! . ودونما دفاعٍ او هجوم عن مسألة القوات الأجنبية في العراق ومديات الإستفادة او الضرر منها , فتكاد المسألة منحصرة ببعض الفصائل المسلحة التي تشرعن موقفها هذا عبر نوابها في البرلمان واستصدارها ” ولا نقول انتزاعها ” لقرارٍ برلماني بترحيل القوات الأمريكية < حتى لو كان عددها يشكّل ” فصيل او حظيرة ” > وكأنّ المسألة لها بعداً نفسياً ! وكأنها ايضا بلا أبعادٍ من خارج الحدود .!
لابدّ ايضا من الإقرار أنّ هنالك شرائحاً جماهيرية مختلفة بين مؤيدٍ للبقاء الأمريكي وبين رافض , والدولة لا تمتلك مراكز استبيان واستطلاع آراء الجمهور بهذا الشأن , بل اصلاً أنّ صوتَ الجمهور في العراق هو صوت الذين لا صوتَ لهم .! ونتجنّب الحديث هنا والى اقصى حدّ عن كاتم الصوت .!
في جانبٍ آخرٍ من هذه القراءة اللاّذعة الى حدٍّ ما ولو بدرجةٍ نسبيّةٍ , فيمكن القول بشكلٍ او بآخرٍ أنّ الإدارة الأمريكية قد حفظت ماء وجهها في الإنسحاب من العراق , وفقَ مطالبةٍ رسميّةٍ من رئيس الوزراء العراقي , وأنّها هي التي حدّدت الموعد النهائي لإنسحاب قواتها من العراق , وبدت غير راضخةٍ للشروط المشروطة والضربات الصاروخية للفصائل المسلحة , ومع الإبقاء على الخبراء الفنيين والمستشارين العسكريين , وخصوصاً التعاون الإستخباري والإستطلاع الجوي لتحرّكات داعش .
بجانبِ ذلك , وخلال ايّامٍ قصيرة من وصول الوفد العراقي لواشنطن , فقد استبقت وزارة الخارجية الأمريكية وصول الكاظمي لواشنطن , وتبرّعت بمبلغ 155مليون دولار من المساعدات الإنسانية الإضافية للشعب العراقي وللاّجئين , وبجوارِ ذلك كذلك فقد قدّم الأمريكان 500 000 جرعة من لقاح فايزر – بيونتك للعراق مجانا , مع 800 000 دولار لتعزيز اجراءات السلامة في العراق , لغرض منع إساءة استخدام العيّنات البيولوجية والمعدات الطبية , وهذا ما استفاد منه العراق خلال أيامٍ قلائل .
ايضاً , لا تتملّكني شكوكٌ ما منْ أنّ البعض القليل ” الضئيل الحجم الكمّي والوزن النوعي ” سوف يقرأ هذه الأسطر وكأنّها دفاعاً عن الأمريكان .! , إنّما من المحال أن ننسى او نتناسى أنّ أمريكا سَلّمت العراق بالكامل الى حفنة من الخونة والعملاء وعلى طبقٍ من الذهب , وبعيداً عن تلك الحقبة في عام 2003 ومع تغيّرالإدارات الأمريكية , ومتغيّرات السياسة الدولية والأقليمية ومستجداتها في المنطقة , ومروراً ووصولاً الى الإتفاق النهائي ” او شبه النهائي ربما ! ” بين الكاظمي وبايدن , وبإنعطافٍ ما لرفض بعض الفصائل المسلحة لهذا الإتفاق , والعودة الى تهديداتها الصاروخية < والتي لا يمكن التأكّد المطلق من جدّيتها او عكسها > , فتبدو المرحلة القريبة المقبلة بحاجةٍ ما الى التدقيق والتفحّص , سيّما بعدَ وصولٍ سريعٍ للجنرال قاآني الإيراني للقطر .! , والصبرُ والإنتظار في الأوقات والتوقيتات القصيرة والضيّقة , قد يبدو اطولَ طولاً من الأوقات الطويلة .!