لم يكن سهلاً على الباحثين الغربيين الاحاطة بالحرب العراقية- الايرانية في تعقيداتها التاريخية ومنطلقاتها القومية. كما انه ليس سهلاً تجاوز الظاهر الخارجي للحدث على ما فيه من جاذبية الدم الذي شكل وقتئذ مادة اعلامية مثيرة وسط رتابة الحياة الاوروبية. وبدا واضحاً انه مع كل هجوم جديد كان ينشط الاعلام الغربي لتغطية فصل مستجد في تلك الحرب، في قراءة تفتقر الى المعطيات التاريخية والجيو- استراتيجية التي تضيء خفايا النقلة العدوانية الايرانية. وهذه المعادلة قد تنطبق ايضاً على مجمل القضايا العربية الاخرى… ولا شك في ان الافتراءات التي كانت تضخها الآلة الاعلامية الاسرائيلية في اوروبا والولايات المتحدة، وهي التي تمتلك لوبياتها ومراكز ضغطها، وراء الجزء الاكبر من الاهتزاز الحاصل في الصورة. كما وراء تسويق الاباطيل التي تنال من الحقوق العربية مادام هدف هذه الماكينة الانتصار لاعداء العرب، صهاينة كانوا ام فرس ام صليبيين غربيين، ام خوارج عرباً انزلقوا خارج خط الامة في لحظة تخلي كبيرة.
هذه المواصفات او التوصيفات قد لا تنسحب على كتاب الباحث والصحفي الفرنسي – المولود في الاسكندرية عام 1929- بول بالتا وعنوانه (ايران- العراق، حرب الخمسة الآف عام) الصادر عام 1987 عن منشورات (انثروبوس) في باريس ذلك ان بالتا الذي جازف في الكتابة حول هذا الموضوع الملتهبة ترسباته للآن، يستند الى جملة مرتكزات تمكنه من الاقتراب الشمولي فيه. فهو قد غطى الحرب العراقية- الايرانية ميدانياً لصحيفة لوموند، وزار الجبهات، وتنقل بين الخنادق في شط العرب، اي ان معايناته اسعفته في رسم جغرافية الحرب، وهي الجغرافيا- اللغز بالنسبة الى عدد كبير من اختصاصيي الصراع الغربيين. كما انه قارئ دقيق للتاريخ العربي منذ عصوره السحيقة مع وقفة عند رقصة (الاحذية الامبراطورية) في المنطقة. وهو يأتي الى هذه الحرب اذاً بعد عبور موثق في خريطة الاحداث العربية، وقد كتب قبل ذلك:
– سياسة فرنسا العربية، 1973
– استراتيجية بومدين، 1978
– ايران المتمردة، 1979
– جزائر الجزائريين، 1981
– الرؤية الناصرية، 1982
– الاسلام في العالم، 1986
بعد هذا الطواف في شبكة الاحداث العربية… وصل بالتا الى الحرب العراقية- الايرانية، والسمة البارزة في كتابه الذي نحن بصدد مراجعته ، هي البعد التوثيقي. ومنذ الصفحات الاولى يحرص على وضع القارئ الغربي في سياق هذا الصراع ليقينه بانه لم يفهم على حقيقته، اذ خالطه الكثير من الالتباس فضلاً عن التشوه المقصود.
والمدخل الى كل ذلك، خرائط وجداول واحصائيات للقوى التي تحيط بمسرح الصراع. هذا يعني ان هاجس المؤلف جغرافي – استراتيجي منذ اللحظة الاولى، ومعادلته ان ثمة شبكة من الجاذبيات تؤثر في قرار الحرب ونوعية ترجمته الميدانية.
ولم يعد خافياً بعد قرائن وفضائح وادلة ان اسرائيل وايران حليفان، ويريدان الوصول الى القلب العربي من خلال الوقيعة بالعراق.
وبعد تعريف موثق بكل من العراق وايران يقترب بالتالي الفصل الاول من كتابه من رهانات الحرب وتناقضات ايران فيها. ويلفت الى المذبحة الايرانية التي تمثلت في دفع موجات بشرية الى الجبهة، جرى اغراؤها بوراثة الجنة. ويقول بالتا: ان النظام الديني ارتد على مختلف الحركات السياسية التي ساعدته على اطاحة الشاه. وضاعف من غرز الدبابيس فيها. ثم انه لجأ الى التحرش بالعراق الجمهوري والعلماني والاشتراكي، ولم يخف الآيات رغبتهم في تصدير الثورة الاسلامية من خلال العراق الى كل الدول الخليجية. والعراقيون اعتبروا ذلك تدخلاً مكشوفاً في شؤونهم الداخلية.
لكن العدوانية الايرانية (بعد 1979) لم تتمثل فقط في لوثة تصدير الثورة الاسلامية، بل توكأت على طموح الهيمنة السياسية- الاستراتيجية على الخليج، في ممراته وعقده الحيوية، فضلاً عن حافز ايراني (فارسي) دفين في بسط التسلط فوق الرأس العربي.
ويقول بالتا في ذلك- ذهبت الى ايران زمن الشاه وزمن الخميني، وبدا لي ان الحرب على العراق واقعة لا محالة. فهنا تلتهب مشاعر فارسية. وهناك تستعر مشاعر، القومية العربية. وبغداد بعد اتفاقيات كامب ديفيد وتحييد الثقل المصري، بدت صاحبة الريادة في تحفيز الوحدة العربية واستعجال استحقاقاتها. وصدام حسين وعى اهمية العراق في مرحلة ما بعد كامب ديفيد، وكأستراتيجيي حاذق، ضاعف من الانجازات، وجعل بلاده تنطوي على قدرات ذاتية نابعة من هيكلة لطاقاتها البشرية والتنموية ….
وبعد القراءة السياسية والاستقراء التاريخي، يسلسل بالتا شريط العدوانات الايرانية منذ عام 1980، ويقول- ان رهانات ايران (الخميني) فشلت في العزف على الوتر الطائفي في العراق. وكانت هذه النكسة الاولى والاساسية التي اشرت الى مسلسل الانتكاسات الآتية. فالعراقيون عرب، وفخورون بعروبتهم، والتفوا حول نظامهم في حركة رائعة، ودافعوا عنه دون تحفظ، لانه يجسد الحداثة وصورة العصر في مواجهة الظلامية الدينية الايرانية (الخمينية).
ويخلص المؤلف الى نتيجة اولية مفادها، ان الصراع العراقي- الايراني قومي وايديولوجي. ويضرب في تاريخ المنطقة، خصوصاً ان الفرس يضمرون الكراهية للعرب وللعراقيين في شكل خاص. ويرسي هذا اليقين على ظاهرة الانسحاب الطوعي للجيش العراقي الى الحدود الدولية كتعبير عن الارادة في التسوية المتكافئة. لكن ايران رفضت (غصن الزيتون) واصرت على اصطناع الوهم بالانتصار السرابي (ما دام الله معها).
ويلاحظ بالتا، ان مراوحة ايران في مكانها وعجزها عن تحقيق اي انقلاب في موازين الحرب لم يحولا في المقابل دون تصديرها السلفية الى المغرب العربي. ويسوق المؤلف نماذج من هذه الاختراقات… ثم ينعطف نحو لغة الرقم، ويقول- ان الحرب كانت تكلف ايران اكثر من 500 مليون دولار في الشهر، وقد صدع اقتصادها، وزج بأربعة ملايين ايراني في البطالة والتهجير والذل، والتجويع قد يستمر ما دامت آلية الحرب لا تتغير، وهي مشدودة الى الانتحار البطيء.
ويتساءل- هل كانت اسرائيل قادرة على اجتياح لبنان لو لم يكن العراق مكبلاً بحرب الخليج؟ ويجيب- ان العراق تمرس بالقتال ولعله الدولة العربية الوحيدة في الشرق الاوسط التي صمدت طيلة هذه الحرب الطويلة وشحدت قدراتها من اجل الموازين الجديدة في المستقبل . ويستعيد عبارة الجنرال ديغول- ان الامم تصقل في الحروب.
ثمة تفاصيل كثيرة في كتاب بالتا يعرفها القارئ العربي والعراقي على الخصوص. وينشرها المؤلف عمداً، لايقاظ القارئ الاوروبي والفرنسي تحديداً على دقات الصراع ومنطلقاته ومراميه، وتصويره من الداخل، ويشرح له لماذا تتحالف انظمة عربية يفترض ان تقف الى جانب العراق، مع ايران، مثل نظام دمشق (حافظ الاسد) وطرابلس (معمر القذافي). ويلاحظ ان الجزائر ابتعدت تدريجياً عن ايران وحاولت دفعها الى طاولة المفاوظات. اما سورية، فهي تحارب الاصوليين السلفيين عندها، فيدك النظام المساجد على رؤوس المصلين لكنها تتحالف بنوع من المفارقة مع ايران خزان السلفية المتحجرة.
ولا تتوقف التناقضات عند حد. والمؤلف يجزم بان الثورة الايرانية التي تسعى الى تصدير – الاسلام والنفي الى الخارج- غارقة في الفساد حتى اذنيها. ويقول ان مراقبين اجمعوا على نقطة واحدة وهي ان الفساد والرشوة والتعفن هي اكثر استشراء بثلاثة اضعاف في الجمهورية الاسلامية بثلاثة اضعاف في الجمهورية الاسلامية مما كانت عليه ايام الشاه. والخطاب الديني لم يعد يحجب نخر السوس في شجرة الآيات.
ويقترب بالتا من التجاذبات الدولية في حرب الخليج، فيرصد اولاً العلاقة السوفياتية- الايرانية، ملاحظاً ان ايران الخميني اعتبرت الاتحاد السوفياتي- الشيطان الاصغر- الامر الذي جعله يتحوط من احتمال امتداد الصحوة السلفية الى – بطنه- الاسيوي حيث يعيش عشرات الملايين من المسلمين، والانقضاض على افغانستان استباق ايضاً لهذا الاحتمال.
ويعود بالتا الى الحدود الايرانية- السوفياتية (2500 كم) والى التجارب التاريخية المريرة بين طهران وموسكو منذ عهد روسيا القيصرية ومحاولة الشاه رضا بهلوي والد الشاه المخلوع تثمير تعاظم قوة المانيا الهتلرية لخلخلة التوازن القائم بين موسكو ولندن في وسط آسيا. لكن الدولتين الكبريين سارعتا الى احتلال ايران وخلع الشاه رضا وتنصيب ابنه محمد مكانه خلال العرب العالمية الثانية. ولم يخرج السوفيات من اذربيجان الايرانية الا بعد موسم مساومة معقدة مع الانكليز والامريكان.
واذا كانت ثمة مسافة في العلاقات بين نظام طهران وموسكو فان مؤلف الكتاب يوميء الى الالتزام في المواقف بين العراق والاتحاد السوفياتي خصوصاً انهما كانا يدعوان الى وقف الحرب على اساس مبادئ واضحة.
لكن- كعب اخيل- في مطالعة المؤلف هو في رصده للعلاقات الامريكية- الايرانية. وثمة من يقول ان الكتاب انجز قبل افتضاح –ايران غيت- وملحقاتها وبروتوكولاتها الصهيونية. وقد يكون ذلك صحيحاً لكنه غير مقتنع، لان بالتا مدعو الى استكشاف الضلع الاسرائيلي في دائرة العدوان الايراني. وهذا الجانب غائب عن العرض، وفي غيابه تهتز معمارية البحث الدؤوب في ديناميات الصراع الذي يمحوره المؤلف حول الصدام بين قوميتين، فارسية وعربية، وينقب في التاريخ عن قرائن لتطهير هذه المعادلة الاساسية.
الفصل الثاني في الكتاب، تاريخي، ارشيفي وعنوانه- ايران من قورش الى خميني- وعبر مقارنات ومؤشرات يسلسل المؤلف مساراً تاريخيا حياكته ازمات وحروب ودموع واشلاء. ويصل الى سلفية المؤسسة بين الحاكمة وبضاعتها التي هي برسم التصدير. ويستنتج بانها –تخلط عشوائيا بين الدين والسياسة- ويتوقف عند شطحاتها وهرطقاتها، ثم غزلها مع الامريكان من خلال طعم الرهائن (4/ ت2/ 1979) وانشطارات الاجنحة التي تغتسل بالدم وتؤجج الحرب كمهماز داخلي وستار يجب استبداله على الازمات البنيوية العميقة.
وفي الفصل الثالث، يرسم بول بالتا لوحة العراق من حمورابي حتى صدام حسين ويتوقف عند معركة القادسية (633 م) مستنطقا مضامينها التغايرية في التاريخ العربي الذي انزل الهزيمة بالتاريخ الفارسي والزرادشتي، ثم يتوغل تصاعدياً في شبكات الاحداث ضمن نقطة محورية وهي ان العراق- مهد القومية العربية والدرع الذي يحميها- ويتوقف عند ولادة البعث الذي هو –بوتقة القومية في وجه طبقات الاقطاع والقبليات كما في وجه الاستعمار الذي ارسى حدوداً مصطنعة داخل الوطن الواحد- وهذا –البعث بنى دولة عصرية في العراق- يقارن بالتا مستواها المعيشي وايقاعها التنموي قبل الحرب بما هو حاصل اليوم في اسبانيا. وقد تكون هذه المقارنة برسم العقول الاوروبية لتقريب الصورة من قدرتهم على الفهم والافهام.
ويحلل بالتا في السياق ذاته استراتيجية صدام حسين فيقول –ان اعداءه يخافون منه، واصدقاءه يمحضونه ثقة بلا حدود، وهو رجل حركةوعمل، طويل القامة، انيق ورياضي، سيد نفسه ودائم اليقظة- ويلفت ايضا الى انه عقد حواراً مع صدام حسين عام 1971، تجلت في خلاله سمتان فارقتان له – الانغراس في التاريخ والرؤية المستقبلية، ويثبت فقرات من حواره معه توكيداً على ما يذهب اليه في اطار الحديث عن بناء دولة عصرية ومتماسكة ومشدودة الى قدرها القومي.
ونصل الى الفصل الرابع من الكتاب، لندخل مباشرة في روزنامة الحرب، ويتوقف عند ابرز محطاتها، ملاحظا عند كل محطة، ان العراق –يدافع وقائيا عن ارضه وسيادته- فيما نظام قم يشن العدوان تلو الاخر في محرقة مفتوحة ولا يتردد في هذا السياق في اضاءة البانوراما التاريخية القريبة (اتفاقية الجزائر 1975) التي جعلت من الحرب نافذة ايرانية لابد من ابقائها مفتوحة لاستمرار المؤسسة الدينية الحاكمة. والايرانيون متأكدون من ان اشتعال الحرب طيلة هذه الفترة من شأنه بلقنة الخريطة العربية وتفتيتها الى معلبات او منمنمات اثنية وطائفية –وهنا تتلاقى الدولة الصهيونية مع النظام الايراني في مشروع تفتيتي واحد-.
وفي الفصلين الخامس والسادس، يطارد بالتا تفاصيل المواجهة في كل حيثياتها العملاتية ودقائقها الميدانية. وفي خط مواز للعمليات العسكرية يستعرض العمليات الدبلوماسية والوساطات التي اسقطها الاصرار الايراني على الانتحار. ويتوقف عند تقنية الموجات البشرية، ثم عند الحرب الاقتصادية التي نجح العراق في اشعالها من خلال الاغارة على الابار النفطية في (خرج) و (لاراك) و (سري) ويرسم لوحة حرب المدن ومسلسل الكربلاءت قبل ان يعالج في الفصل السابع لعبة القوى العظمى في هذه الحرب وحاجتها الى تكييف استراتيجياتها مع الحمى السلفية واحتوائها. ويقول بالتا ان – ايران دفعت السوفيات الى الاقتراب اكثر من الخليج فيما الامريكان اقترفوا ثلاثة اخطاء رئيسية بحجة تعويم السلفية كجدار في وجه المد الشيوعي – اما الاوربيون فلم يخرجوا عن كونهم قعراً للافكار المتعبة، ولم يشكلو تالياً – قاطرة سلام- وحدها فرنسا تمايزت في موقف متعاطف مع العراق لاسباب تاريخية وسياسية، على الرغم من كل محاولات الابتزاز الايرانية، وبالنسبة الى اسرائيل فقد تخوفت من انتصار العراق في الحرب. فالفرق العسكرية العراقية الاربعون كفيلة ببث الذعر في اوصالها.
من هنا دعمها لايران وتحالفها معها وتأجيجها للحرب كلما خبت، وايران غيت لم تكن في هذا الاطار سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد بين طهران وتل ابيب.
ماذا يبقى بعد الطواف في هذا الكتاب المبني على شكل معمارية متماسكة والمشدودة اجزاؤه الى معادلة محورية والهائل بمعلوماته ومثابرته على مطاردة التفاصيل وتنخل المعطيات في سياق سردي يزاوج بين التاريخ واليوميات والرصد البانورامي الموثق؟
لا شك في اننا نصل الى نهاية الكتاب بشيء من المتعة، وحتى الفصل التاسع والاخير ينتهي الماضي والحاضر في الحرب ليبدأ الاقتراب من المستقبل. وفي هذا الفصل استشراف لما يمكن ان تؤول اليه العدوانية الايرانية التي بدأت حينها سباقاً تراجعياً اكيداً.
ويؤشر بالتا الى ان مستقبل الصراع العراقي- الايراني ولا سيما بعد نهاية الحرب، ستتحكم فيه جملة معادلات دينية وسياسية وعسكرية واقتصادية وسيكولوجية، تتشابك وتتقاطع مع عوامل داخلية واقليمية ودولية. من هنا صعوبة القراءة في ما هو آتٍ على حد قوله، لكنه يحسم في عناصر قد تشكل منزلقاً نحو نهاية صراع قوميتين، مثل الخلافة في ايران وصراع الاجنحة في الداخل وضغط المعارضة من الخارج، ومع موت خميني، شهد النظام تحولاً كان في اتجاه نهاية صراع قوميتين ولو لفترة مؤقتة بسبب الارهاق الذي تمخضت عنه وتملل الغالبية الصامتة وتصدع شعبية الآيات… ومرحلة ما بعد خميني كانت مختلفة عن مرحلة خميني، حيث صفيت الحسابات الداخلية بكواتم الصوت بين الايات، ومثلها توقع المؤلف، فقد حدث تحول لكن ليس من خارج المؤسسة الدينية الحاكمة بل من داخلها فضطرت الى تكييف لا معقولها مع المعقول العصر. ويسقط احتمال انتفاضة عسكرية، لان الجيش الكلاسيكي كان مسمّر على الجبهة وهو قد فقد صفوة ضباطه وكوادره اغتيالاً او نفياً، وصاغ فرضية مفادها ان الانقلاب لن يكون في حال حصوله الا فعلة الباسدران، لكن في اي اتجاه لتعويم النظام ام لاغراقه؟
لا يتفائل بالتا بحل على المدى القريب، ويقول ان الوقت قد يكون افضل مستشار للايرانيين الذين يضطرون الى سلوك الواقعية تحت وطأة مآزق طارئة وبنيوية. اما العراق فقد خرج من الحرب بافضل جيش في المنطقة العربية ومحيطه الاقليمي، عدة وتدريباً ومراساً على التقنيات الحديثة، ذلك ان اختبار النار كان سيضع العراق في مصاف الدول المتقدمة لولا حرب الخليج الثانية 1991، فيما عاد بايران القهقري الى زمن القبقاب الخشبي- على حد تحليل المؤلف-.
ولعل آيات طهران وقتئذ، يقول بالتا، قد اكتشفوا ولو متأخرين ان التبعية الدينية هي استثمار فاشل، لان الثورة المعلوماتية والتقنية تفرض سلوكية العقل وليس تهميشه واستلابه. وفي حال انهم يستوعبون هذا الدرس ينعطفون نحو التعايش مع الجيران ضمن اسبقيات السيادة والاحترام والتكافؤ. واذا لم يستوعبوا ذلك فانهم قد يحاربون الى آخر ايراني… فتزدهر القبور ويزدهر حفاروها..
* الكتاب
IRAN- IRAK, Une Guerre De 5000 Ans, Puul Balta, Anthropose, 1987, Paris.
[email protected]