للنظريات أهمية بالغة في تطوير مجالها و النطاق الذي يشمله وتلعب دوراً بارزاً وتمثل انتصاراً لأصحابها وثروة غنية لهم بل انجازاً يفتخرون به وتفتخر بهم مجتمعاتهم ودولهم عبر التاريخ، وهذه النظريات دليل التفكير العميق والإخلاص و الاختصاص الدقيق، ورحلة وضع النظريات مستمرة ولا تقف عند حدود لانها ترتبط بالفكر الإنساني وما يراه مناسباً لواقعه وأيامه القادمة في المستقبل القريب على اقل تقدير .
من سمة النظريات البارزة هي عدم إصلاحها لكل زمان ومكان فما كان صالحاً لفترة معينة لا تعني بالضرورة صلاحها للقادم من الزمان وكذلك بالنسبة للأماكن، لانها تعتمد على بُعد نظر صاحبها وعمق تفكيره في ذلك المجال، شملت النظريات مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية … الخ وبرز أسماءهم كنجوم في المستوى العالمي، وكثيراً من النظريات أصبحت في طي النسيان لفترة قصيرة او ماتت قبل ولادتها لعدم واقعيتها ونفعها او ظهور الأنسب منها واكثرها انسجاماً مع تطلعات الشعوب وآمالهم وواقعهم.
الجانب الأمني من حياة الشعوب لم يكن بعيداً عن وجود النظريات بل كان اهمها وعمل الباحثين والمختصين في هذا المجال ليل نهار وبذلوا جهوداً لا يستهان به في سبيل وضع نظريات تكون أساساً لأستباب الأمن للشعوب والدول وحتى على المستوى الدولي، وكانت لهذه النظريات أهمية بالغة في مواجهة مصادر التهديد المتنوعة والمتعددة وبرز أصحابها نجوم لامعين وبقيت أسماءهم خالدة في الذاكرة.
إحدى هذه النظريات هي نظرية الأمننة والتي تعني.
تعتبر الأمننة Securitization من المفاهيم الأساسية المتداولة بكثرة في الدراسات الأمنية والعلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وهو ماجعل بعض المختصين يعتبرها نظرية مهيمنة – Mainstream في الدراسات الأمنية، ويرجع الفضل بشكل عام في بناء مفهوم ونظرية الأمننة إلى مدرسة كوبنهاغن – Copenhagen للدراسات الأمنية وبشكل خاص إلى الأستاذين أولي ويفر – Ole Wæver وباري بوزان – Barry Buzan
تعريف الأمننة Securitization:
الأمننة كمصطلح متداول في العلاقات الدولية، يعني قيام الفاعلين في الدولة بعملية تحويل المواضيع إلى مسائل أمنية بمعنى آخر هي نسخة معقدة من التسييس Politicisation تسمح بإستخدام معاني إستثنائية بإسم الأمن.
والقضايا التي تؤمنن لا تمثل بالضرورة قضايا أساسية لبقاء الدولة، بل ربما تمثل قضايا متعلقة بمشكلة وجودية تمس الأفراد.
بينما تدرس الأمننة كيفية تحول بعض القضايا من فاعل إلى مشكلة أمنية ثم إتخاذ هذا كذريعة لإستخدام التدابير الإستثنائية لحلها.
ولكي يكون فعل الأمننة أكثر نجاحاً، يجب أن يكون أكثر قبولا بين الجماهير، بغض النظر إذا كان موضوع المشكلة تهديداً حقيقياً أم لا.
وكما يقول تيري براسبينين بالزاك – Thierry Braspening-Balzac: ”الأمننة هي ممارسة تحكمها القواعد نجاحها لا يعني بالضرورة إعتمادها على وجود تهديد حقيقي، بل بالقدرة الإستطرادية لمنح دفعة تقدم الجانب العام للقضية” ، حيث يقول بوزان ” الأمننة ليست مجرد تحركات أمنية بل تصبح من خلالها القضايا مؤمننة عندما يتقبلها الجمهور.“
والجمهور قد يأخذ عدة أشكال منها: التقني، البيروقراطي، العام، وصناع السياسات والعديد من الجماهير المختلفة التي تؤدي وظائف مختلفة من خلال تقبلهم للأمننة.
عناصر عملية الأمننة:
لعملية الأمننة أربع عناصر تقوم عليها:
1- الفاعل/ العنصر المُؤَمنِنْ: هو ذلك الكيان الذي يصنع الفعل أو الحركة المؤَمنَنَ/ة .
2- التهديد الوجودي: هو الموضوع المعرف على أنَّه يمثل ضرراً محتملاً.
3- الموضوع المرجع: هو الموضوع أو الفكرة المعرض/ة للتهديد والذي يحتاج إلى حماية.
4- الجمهور: وهو هدف الخطاب/ الفعل المؤمْنَنْ والذي يجب إقناعه بخطورة قضية ما..وتقبلها على أنها تهديد أمني.
تابعوا تكملة الموضوع في الحلقة الثانية