وكالات – كتابات :
إزدادت المخاوف والمخاطر بالنسبة لرأس المال العربي والأجنبي في “العراق”، الأمر الذي دفع الشركات الاستثمارية العملاقة للهجرة؛ بالتزامن مع زيادة استهداف المصالح الأجنبية والأميركية في بلاد الرافدين، وذلك خلال الفترة الأخيرة؛ بعد أن امتد ذلك ليصل إلى مدينة “أربيل”، التي تُعدّ أكثر بيئة عراقية آمنة من الناحية الأمنية والاقتصادية للمستثمرين العرب والأجانب.
ويأتي هذا مع حاجة “العراق” الماسة لهذه الاستثمارات؛ وهو يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية وصحية، باعتبارها مصدرًا هامًا وخطوة ناجحة وضرورية في ظروف استثنائية كهذه، لتمويل نفسه واستغلال الموارد الطبيعية، إضافة إلى كسر الاحتكار المحلي من خلال تعزيز القدرة التنافسية بفتح أسواق جديدة مع الخارج.
وفي العاصمة، “بغداد”، وحدها، بلغ حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية نحو: 15 مليار دولار؛ ما بين أعوام 2010 و2017، بحسب تصريح سابق لرئيس هيئة الاستثمار، “شاكر الزاملي”.
وكان لـ”تركيا”، دور رئيس في تلك الاستثمارات، بالإضافة إلى دول خليجية، وتصدرت: “الصحة والسياحة والزراعة والتعليم”؛ القطاعات الاقتصادية التي استحوذت عليها تلك الاستثمارات.
وشرّع “العراق” قانون الاستثمار، عام 2006، بهدف جذب المستثمرين الأجانب للمساهمة في إعادة إعمار البلاد، التي تعرضت بنيتها التحتية إلى دمار كبير بفعل الحروب والتوترات.
الأقل في جذب الاستثمارات الأجنبية..
وعلى صعيد استقطاب الاستثمارات عربيًا، والتي بلغت: 30.8 مليار دولار، خلال 2018، أظهرت الأرقام الصادرة عن تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر؛ الصادر عن “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية”، (أونكتاد)؛ أن “العراق” كان الأقل جذبًا للاستثمارات الأجنبية في العام المذكور، بالمنطقة العربية.
وبعد أن أعلنت الفصائل المسلحة في “العراق” الهدنة لانسحاب القوات الأجنبية، زاد من استهدافها للمصالح الأميركية، ولم يقتصر ذلك على “بغداد” فحسب؛ سواء عبر صواريخ (الكاتيوشا) أو العبوات الناسفة والطائرات المُسيرة، بل امتدد لمدينة “أربيل”، عاصمة “إقليم كُردستان”، وهذا ما هدّد واقع الشركات الأجنبية ورأس المال العربي ومخاوف الاستمرار في الاستثمار.
وبلغ عدد الهجمات، العام الماضي؛ 76 استهدافًا بصواريخ (الكاتيوشا) والعبوات الناسفة، لكن منذ نيسان/أبريل الماضي؛ بدأت الفصائل باستخدام الطائرات المُسيرة في تنفيذ عملياتها، ولم يستثنِ ذلك حتى المصالح الأميركية الموجودة في “كُردستان”، وتحديدًا في “أربيل”.
الاقتصاد العراقي بين “الكاتيوشا” والفساد..
وزاد استمرار هذه المناورة، بين الفصائل المسلحة والقوات الأميركية، من اضطراب الوضع الأمني الداخلي وجعله هشًا، إضافة إلى الفساد المستشري، والخدمات المتداعية، كلها عوامل تُزيد من حدة هذه الهشاشة لتنعكس طرديًا على واقع الاستثمار العربي والأجنبي في “العراق”، وتزداد مخاوف عدم استمرارها في وقت يعرف الجميع حاجة البلد للاستثمارات الأجنبية المباشرة لتدوير عجلته الصناعية.
وباتت هذه المشكلة مستعصية جدًا، بالنسبة لـ”العراق”، وزادت من الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار الداخلي فيه، لتضيف مخاوف أخرى ليس من الهجمات فحسب – كما يقول الخبير الاقتصادي، “همام الشماع” – وإنما من تصاعد عدم الاستقرار الذي صار يُهدد الاستثمارات الأجنبية بشكل واضح وصريح بوجود سلاح خارج نطاق الدولة.
استهداف المصالح الأجنبية؛ قطع سبيل إمداد اقتصاد “العراق” وإخراجه من المأزق الذي يتمثل بهيمنة “قطاع النفط”، الذي يُسيطر على اقتصاده، وهذا ما دفع “الشماع” إلى وصف استمرار استهداف المصالح الدبلوماسية والأجنبية؛ بأنها خطوات جاءت لتدمير الاقتصاد بضرب المستثمرين الأجانب لصالح جهات، يقول إنها تموّل هذه الفصائل المسلحة.
وانتقال الفصائل المسلحة من تكتيك العبوات الناسفة في استهداف المصالح الأجنبية إلى استخدام طائرات مُسيرة؛ يؤكد عدم وجود دولة قادرة على حماية الأمن الداخلي، وهذا يؤدي إلى تصاعد دورها والفئات التي تحاول استغلال المستثمرين، سواء الأجانب منهم أو المحليين، حسب “الشماع”، الذي أكد لموقع (الجزيرة نت) القطري؛ أنه بالاستناد إلى الأسباب أعلاه؛ فقد أدت لتراجع وهجرة رأس المال العربي والأجنبي وعدم الاستثمار في “العراق” بوجود جميع أنواع الاستفزاز.
ويُقر “الشماع”؛ فيما إذا نجحت محاولات الحكومة لتنشيط اقتصادها بتهيئة بيئة آمنة من أجل استقطاب الشركات الأجنبية والعربية، بالقول: “جميعها بائت بالفشل ولم تفلح في تحسين البيئة الاستثمارية للبلد للحد من هيمنة وسيطرة الفصائل المسلحة المحلية على واقع الاستثمار”.
ضعف الدولة..
بدورها، تؤكد عضو لجنة الاقتصاد النيابية، “ندى شاكر”؛ بالقول: “الحكومة غير قوية في ضبط سيادتها وإيقاعها الأمني، في وقت يعرف الجميع مصدر هذه الهجمات ومن أين تطلق”.
واستمرار هذه الهجمات؛ سيدفع إلى تقليل المساعدات الدولية المقدمة لـ”العراق”، في وقت هو بأمس الحاجة لها لمواجهة التحديات الصحية والأمنية والاقتصادية، وتُحذر النائبة من عزوف المستثمر الأجنبي والعربي وعدم قناعته بالاستثمار في “العراق”؛ نتيجة لاستمرار الهجمات، إضافة الى المناكفات السياسية.
وتصف النائبة؛ في ردها على سؤال عن أبرز الشروط الواجب توفرها لاستقطاب رأس المال العربي والأجنبي، بأن رأس المال “جبان”؛ لأنه: “يبحث عن بيئة آمنة وسليمة، وهذا بحد ذاته يعني هجرة رؤوس الأموال العربية والأجنبية من العراق، لأنه غير مستقر أمنيًا”.
وترى أن: “المناطق المحررة من تنظيم الدولة الإسلامية واعدة للاستثمار العربي والأجنبي؛ أكثر من مناطق وسط وجنوبي البلاد”، التي تصفها بأنها: “أشبه ما تكون بالبدائية”.
وتختم بنصيحة؛ بأن يكون المفاوض العراقي يمتلك من القدرة والذكاء مما يساعده لكسب واستقطاب الشركات الكفؤة.
تصاعد خطير جدًا..
من جانبه؛ يصف الخبير الأمني، “عقيل الطائي”؛ انتقال المجاميع المسلحة إلى استهداف المصالح الأميركية داخل مدينة “أربيل”، التي تتمتع بقوة اقتصادية كبيرة جدًا، بأنه: “تصعيد خطير جدًا”، مفسرًا لجوء هذه الفصائل إلى أسلوب الطائرات المُسيرة باستهداف المصالح الأجنبية في “كُردستان”؛ بأنه رد فعل لفعل قد يكون أقوى منه أحيانًا، وهذا ما يدعو إلى ضرورة اتخاذ آليات اقتصادية جديدة تنقذ رأس المال العربي والأجنبي وتحميه بدلاً من التفريط به.
ويرى “الطائي” أن البيئة العراقية، من الناحية الاقتصادية؛ طاردة للاستثمار الأجنبي والعربي، وهذا ما دفع إلى هجرة العديد من الشركات الاستثمارية الكبرى: العربية منها والعالمية، خلال الآونة الأخيرة، مؤكدًا أن المستثمر الأجنبي أول ما يُفكر فيه قبل الاستثمار هو البيئة الآمنة في التعامل والتنفيذ.
لكن المناوشات المستمرة بين الفصائل المسلحة والقوات الأميركية يمنع البلد من امتلاك بيئة اقتصادية آمنة تنال رضا المستثمرين.
والحل الوحيد، حسب “الطائي”، وهو الأنسب هذه الفترة لكسب المستثمرين العرب والأجانب، هو أن تقوم الحكومة بجدولة خروج القوات الأجنبية، أيًا كان هويتها أو جنسيتها؛ لتكون بمثابة ضمانات بعدم استمرار استهداف المصالح الأجنبية الاقتصادية، لكنه يُحذر في ذات الوقت مما يسميه: “الاحتلال الجغرافي والسياسي الجاثم على السياسة العراقية؛ نتيجة خضوعها للتأثيرات الإقليمية والخارجية”.