من اشد الحالات حرجا ، أن تستيقظ صباحا وتتوجه إلى محل عملك ( بعد التوكل على الله ) وعندما تصل إليه تفاجأ بأنه مغلقا ، وعندما تسال عن السبب يجيبونك استهزاءا او استغرابا بان اليوم عطلة وقد أعلنوها مساء أمس ويبدو انك نمت مبكرا ولم تعلم بالأمر ، وتتعجب للأمر ليس لأنك لم تنام مبكرا وإنما لأنك لم تبلغ بوجود العطلة قط ، نعم هذا ما حصل وما يزال يحصل في بلد يطبق واحدا من أفضل الدساتير تقدما وقد بني بدماء وموارد أبنائه ليكون ديمقراطيا كما هو الحال في هذا البلد او ذاك ، ولكنه يعاني من التخلف في العديد من مجالات الحياة ومنها العطل العشوائية ، ففي ظل غياب قانون او نظام او تعليمات عجزت عن إصدارها مجالس النواب والحكومات التي تشكلت بعد الاحتلال ، فانك مضطرا للعيش في ظل مواعيد مبالغ بها او غير معلنة مسبقا للعطل فتجد نفسك مرغما على تعطيل أعمالك ومواعيدك وجداولك تبعا لأوامر تصدرها الجهات المعنية التي تقضي بتعطيل الدوام بسبب حظر التجوال او المناسبات والأعياد او الظروف المناخية او لدواعي أمنية وسياسية وغيرها من الأسباب ، وكما هو معلوم فان تحويل بعض الأيام إلى عطل دون سابق إنذار بوقت مناسب يحول الموضوع من عطلة إلى تعطيل وعطلات للحياة بشكل عام ، سيما عندما تكون المسوغات غير مقنعة وعدد أيام العطل مبالغ فيه كأن تمتد عطلة الأعياد والمناسبات الدينية إلى أسبوع او أكثر لإرضاء البعض ضمن المذهب الواحد والدين او لمجاملة الاختلاف بين مواعيد الوقفين او بتزامن العطلة مع حدث غير مهم .
والتعطيل في بلدنا له جانبين ، الأول يتعلق بإيقاف سير الأعمال والفعاليات بشكل كامل من خلال فرض حظر التجوال او وضع قيود على الحركة والانتقال ،أما الجانب الثاني فانه يتضمن إيقاف او تعطيل الدوام في الأجهزة الحكومية كافة ( عدا بعض الاستثناءات ) بمنح العطل في غير الأيام المعهودة للعطل ولفترة تحدد في بيانات بعضها تصدر قبل ساعات والأخرى تصدر قبل أيام ، ولعجالة إصدار العطل فإنها تروج لوكالات الأنباء ووسائل الإعلام ( غير الحكومية ) دون ضمانات لإبلاغها وتبليغها للجميع ، فمن شدة ديمقراطيتنا فإننا لا نملك إعلام رسمي ولا وزارة للإعلام سوى شبكة الإعلام وقنواتها العراقية التي تسعى للحياد ولا تدرج ضمن الحكومية وهي ليس بالضرورة ان تحظى باستقطاب جميع المشاهدين ، وهذه مشكلة تضاف للعطل المفاجأة لأنها قد تعلن في وسائل إعلام لا يتابعها الجميع نظرا لوجود الستلايت والانترنيت والانشغال أحيانا بمشاهدة المسلسلات التركية والأفلام الهندية ، والعطل ربما تشكل مصادر لسعادة الكثير لأنها تكسر الروتين وتمنح فرص للراحة والنوم العميق والتخلص من ازدحامات المرور ولكن تكرارها وعشوائيتها وعدم وصول أخبارها للجميع تحولها إلى عكس ذلك ، فهي ربحا مجانيا لموظفي الدولة لأنهم يتقاضون رواتبهم شهريا باستمرار او بتعطيل الدوام ، ولكنها غالبا ما تشكل خسارة وفقدان الفرص وإضاعة الوقت للآخرين من أرباب المهن والحرف من العاملين في القطاع الخاص وممن لديهم التزامات زمنية وتوقيتات في تنفيذ الأعمال والمشاريع والمقاولات ، كما إنها تعيق مواعيد المراجعات الرسمية وغير الرسمية وتعرقل انعقاد المناسبات الاجتماعية والطبية ومواعيد الالتزامات المالية ، وبحسب واقع العطل الرسمية فان العراقيين يتمتعون ب 150 يوماً من العطل الرسمية سنوياً ، وأكثر من 30 % من هذه العطل تكون خلال الأعياد والمناسبات الدينية ، وهناك عطل تضاف للمحافظات لأنها مخولة بتعطيل الدوام ومنح العطل متى تشاء حسب تقديرات مجالسها او محافظيها للإحداث ، وحسب مصادر مطلعة فقد بلغ عدد أيام العطل الحكومية بحدود 110 يوم خلال سنة 2019 عدا أيام ( الجمعة ) ، وكانت غالبيتها مناسبات دينية وغير دينية كما بلغت في العام الماضي 106 أيام ، وتشير هذه الأرقام إلى اجتهاد واضح في مسألة تحديد أيام العطل دون الاستناد إلى قانون ، خصوصاً مع استمرار العمل بقاعدة اعتبار ما بين العطلتين عطلة او تقريب العطل من بداية ونهاية الأعياد وأضيفت لها ظروف الوباء ( كورونا ) لتزيد الطين بلة كما يقولون .
ومن الناحية الاقتصادية ، فان العطل تشكل خسارة كبيرة لاقتصادنا الوطني الذي يعاني الضيق لأنها تقلل من الناتج المحلي الإجمالي الذي هو منخفض بالأساس لاحتلالنا المرتبة 109 عالميا ( رغم إن اغلب مصادر الدخل من إنتاج النفط ) ، إذ تبلغ تكلفة الرواتب التي تدفع عن العطل قرابة 20 تريليون دينار سنويا ( عندما يكون مقدار الرواتب السنوية التي تدفع للموظفين 47,8 تريليون دينار ) ، بمعنى إن معدلها الشهري 3,98 تريليون دينار أي إن كلفة تعطيل اليوم الواحد للموظفين ( من الرواتب فقط ) هو 131 مليار دينار وبذلك يكون يوم عطلة عبارة عن هدر لهذا المبلغ من الأموال ، ويضاف لذلك فقدان العائد من إنتاجهم اليومي ( ولم نعثر على حسابات لقيمة العائد او الإنتاج ) ، إلى جانب الخسائر التي تفقدها القطاعات الأخرى التي تعد من عناصر الناتج المحلي الإجمالي ، ومن الناحية الاجتماعية فان اغلب العطل وبالذات المفاجأة تعطل العديد من الفعاليات والمناسبات كالخطوبة وعقد القران والزواج وغيرها كما تربك الكثير من المواعيد والمراجعات للدوائر والمحاكم والوزارات ، ومن الخطأ الاعتقاد بان العطل غير المبرمجة هي مصدر سعادة للجميع ، لأنها تقطع أرزاق أصحاب البسطيات وعمال البناء وسواق سيارات الأجرة ومعظم العاملين في القطاع الخاص سيما أولئك الذين تعتمد أعمالهم على حركة وإنفاقات الموظفين ، وما يضاف إلى ذلك إن ما تبقى من مشاريع شركات القطاعين والخاص والمختلط تصيبها عدوى العطل الحكومية فتتوقف الأعمال فجأة وتسبب الكثير من الخسائر لا بسبب دفع رواتب من دون عمل فحسب ، وإنما بسبب توقف خطوط الإنتاج وما يسببه ذلك من تلف في المواد الأولية او المنتجات تحت الصنع او تشغيل المولدات لغرض الخزن دون إنتاج وغيرها من التفاصيل ، ولا نعلم إلى من نوجه دعوتنا لترشيد الحالات والتعجيل بإصدار قانون للعطل الرسمية حالنا حال بقية البلدان ، فالحكومة هي من تصدر الأوامر بالعطل لأسباب ظاهرة او مبطنة ومجلس النواب لم يتمكن من تمرير قانون العطل الرسمية على الرغم من قرب انتهاء عمره لحلول الانتخابات المبكرة ، مما دفعه باتجاه ترحيله إلى الدورة البرلمانية المقبلة (بسبب خلافات عميقة بشأنه ) المقرر أن تجرى بعد أقل من 3 شهور ، والمتضررون من العطل والتعطيل والعطلات لم يبقى لديهم سوى التذرع للباري عز وجل في أن يهدي من يعنيهم الأمر لترشيد العطل وتنظيمها بقانون .