24 نوفمبر، 2024 11:41 ص
Search
Close this search box.

مسار حركة تصحيحية داخل حزب الطالباني

مسار حركة تصحيحية داخل حزب الطالباني

دخول الاتحاد الوطني الكردستاني العائد للرئيس المرحوم جلال الطالباني في ازمة سياسية بخصوص رئاسة وقيادة الحزب، وخاصة بعد الاتكال على الرئاسة المشتركة لفترة من الزمن بين النجل الاكبر للرئيس العراقي الاسبق وابن عمه، فقد فرض على حزب الاتحاد قيادة عائلية عشائرية شبيهة بحالة توريث الحكم في العائلة البرزانية الحاكمة بالحزب الديمقراطي، وانفجار ازمة في اعلى موقع للاتحاد الوطني شكل عاملا سياسيا مفاجئا ومرافقا للقلق والتوتر على الساحتين الكردستانية والعراقية، ولاشك ومن خلال فرض الرئاسة المشتركة، فان خروج الاتحاد الوطني من اطار مجموعة شعاراته الثورية والمدنية السابقة المناهضة للقبلية والعشائرية والرافضة لنظم التوريث بات امرا واقعا ومسلما به من قبل قيادة الحزب.
والمؤلم ان ساحة التغييرات واتباع طرق الاصلاح نادرة في الاحزاب الكردية العراقية، وخاصة في الحزبين الحاكمين بالاقليم، ولكن بعد تثبيت الرئاسة المشتركة لقيادة حزب الاتحاد الوطني ومرور فترة عليها، وخلال هذه الفترة ولا غبار عليها فان امارة السليمانية الخاضعة لنفوذ حزب الاتحاد تعرضت الى حالات كبيرة وجسيمة من الفساد والنهب وسلب الاموال العامة والخاصة، حتى وصل الامر باقامة مجموعة اجهزة اعلامية مستقلة مشبوهة فاسدة، وتشكيل دولة داخل دولة من افراد العصابات والمافيات وسلاطين تجار التهريب داخل الحزب والحكومة، وما حصل من فساد رهيب وعملاق كاد ان يمحى السمعة الطيبة للرئيس المرحوم طالباني، ويشطب ارثه السياسي ونضاله المدون بصفحات ايجابية في قيادة الحركة التحررية الكردية، وحسب ما يروى وما تدعيه انصار الرئيس الجديد فان كل ذلك حصل باشراف مباشر من قبل الرئيس المشترك الثاني القريب للرئيس المرحوم.
وحسب ما تذهب اليه تقارير الاحداث، فان صحوة نجلي الرئيس المرحوم طالباني، وادراكهما للخطورة القاتلة المحيطة بقيادة الحزب وعائلة المرحوم المؤسس للاتحاد، قد ساعد على سرعة حزم الامر والوقوف بوجه المجموعة المقابلة بقيادة الرئيس المشترك الثاني وايقاف دوره وسحب صلاحياته، وبذلك تمكنا من سحب البساط من تحت اقدام الطرف المقابل، ومن خلال ذلك تبين ان بافيل طالباني الذي يقود الاتحاد الوطني الان بصفة الرئيس، قد تمكن من استدراج الوضع لصالحه ولصالح اخيه قوباد، وذلك بتأييد من القيادي المخضرم لحزب الاتحاد كوسرت رسول علي وبعض قيادات الحرس القديم، وكذلك بفضل قرارات تغيير حاسمة في قيادات الاجهزة الامنية والحزبية التي كانت خاضعة للطرف المنافس.
وتمشيا مع قرارات التغيير، لجأ ابناء الطالباني الى قيادات الاتحاد الوطني والقوى التابعة لها من مجلس القيادة واالمكتب السياسي للحرس القديم، وذلك لالغاء نظام الرئاسة المشتركة، واحلال النظام الرئاسي طبقا لقيادة شبيهة بزمن المرحوم جلال طالباني الذي اعتمد على رئيس واحد للحزب بعنوان السكرتير العام، وبذلك تكون قيادة وادارة حزب الاتحاد مباشرة بيد الابن الاكبر للطالباني، وتكون ادارة حصة الحزب في حكومة الاقليم بيد الابن الاصغر، ومن المؤمل ان تصدر قرارات تنظيمية حزبية لتثبيت قيادة بافيل الطالباني على قيادة حزب الاتحاد كرئيس، وابعاد ابناء العمومة لصالح الورثة الحقيقين للمرحوم المؤسس، ويبدو ان قيادات الاتحاد مرتاحة لهذا التغيير الحاسم وللنظام الجديد لرئاسة الاتحاد وذلك لاعادة تقويم الحزب.
ولكن الجديد في الامر، الذي افرزه الصراع على قيادة حزب الاتحاد، هو انتماء الاجهزة الامنية الى الحزب وليس للحكومة الوطنية الغائبة، وهو نفس النظام المتبع في منطقة نفوذ مسعود برزاني حيث ان الاجهزة الامنية تابعة للحزب والعائلة الحاكمة، وكشف هذه الحقيقة المرة مسألة مهمة للنظر لها بقلق بالغ من قبل الولايات المتحدة ودول التحالف، وهو بيان وازالة ستار على حقيقة ماهية حكومة الاقليم القائمة على الاقطاب الحزبية، وما الثوب الديمقراطي التي يتباهى بها الحزبين سوى فزاعة لتضليل الكرد والراي العام العراقي والدولي، وما اصل الحكم بالاقليم الا للحزب الحاكم، وما اصل الاخير الا للعائلة الحاكمة.
ولكن مع هذا، فان دفع حركة التغييرات الحاصلة في السليمانية بمنطقة نفوذ حزب الطالباني الى تبني الاصلاح الحقيقي، رغم انها هادفة الى اعادة ترتيب بيت القيادة للحزب الحاكم الثاني بالاقليم، الا ان التمسك بخارطة طريق لتبني حركة تصحيحية داخل الحزب، لضرورات محلية واقليمية وعراقية ودولية، ولضرورة تعديل نهج الاتحاد الوطني المحسوب على الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية الدولية، فان الواجب الكردستاني والعراقي، يلزم على الرئيس الجديد لقيادة الاتحاد الوطني ان يمر الحزب بمراجعة ذاتية ونقدية للمرحلة الماضية لاعادة رسم خطوط الحاضر والمستقبل على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالرغم من تنوع المسارات التنظيمية داخل الاتحاد، الا ان اهم خمس مهام استراتيجية تبقى هي الاكثر اهمية لحزب الاتحاد لحاجات استرايجية، وهي تطبيق برنامج فعال لمكافحة الفساد والنهب وتطبيق القانون ومحاكمة العصابات والمافيات القائمة، وبيان ماهية الاشتراكية الديمقراطية التي ينتمي اليها الحزب ضمن المنظومة الدولية، وتحقيق المساواة والعدل وتكافوء الفرص على الجميع، وتحقيق العدالة الاجتماعية والارساء المقدس للائحة حقوق الانسان، ومجابهة الرأسمالية الجشعية المفروضة على الكرد غدرا وعدوانا، وبالتالي في حالة تطبيق هذه المهام فانه يندرج ضمن البنى التحتية اللازمة لنهضة الشعوب.
لذلك نرتأي من قادة الحركة التصحيحية القائمة داخل الاتحاد الوطني برئاسة ابناء المرحوم طالباني، تبني المهام الوطنية الواردة اعلاه، واتخاذ القرار المناسب بشأن كل منها، وذلك لارساء منهجية جديدة في مسار الخط الفكري والاقتصادي والاجتماعي للاتحاد الوطني، ولكن ذلك يتطلب تحقيق المستحقات التالية:
مجابهة الفساد بيد من حديد، وابعاد جميع الوزراء والمددراء العامون والمدراء، واختيار كوادر كفوءة مؤهلة على تنفيذ اصلاحات جدية باخلاص وتفاني لتحقيق الحكم الرشيد واخضاع الحكومة لخدمة الشعب.
والمساواة في تطبيق القانون، وتحديد رؤية برلمانية وحكومية لتحقيق المساواة والعدل على الجميع دون فرق او تمييز بالمجتمع، لاسيما وان الواقع المفروض سائد فيه غياب شديد للقانون ومتميز بعنصرية مقيتة.
وابعاد الاسواق والموارد الاقتصادية التي تعتمد عليها الاغلبية العامة واصحاب الدخل المحدود والموظفون الذين يعانون من ازمات معيشية وحياتية خطيرة، من سيطرة وجشع النفوس المارقة للعصابات والمافيات.
واتخاذ موقف وطني صحيح باتجاه الوقوف الى جانب الشعب والمواطنين والموظفين فيما بتعلق بقضية الرواتب والاستقطاع الجبري القائم، ومجابهة الارهاب الاقتصادي الذي يفرضها الحزب الحاكم بالحكومة.
وطرح برنامج وطني لمعالجة الفروقات التي خلقتها الفئات الطبقية للعوائل الحاكمة التي باتت مكونات ديناصورية تملك العشرات والمئات من مليارات الدولارات بالسرقة والنهب والفرهدة، وأغلبية لا تملك قوت العيش لادامة حياتها، وذلك للخروج بحل جذري لازالة الفروقات الاجتماعية القاتلة القائمة.
دفع الاحزاب الكردية الى تشكيل جبهة مدنية لتغيير واصلاح الحكومة وفرض سياسة الحكم الرشيد عليها.
باختصار هذه المهام والمستحقات والضرورات المطلوبة من قيادة الحركة التصحيحية للاتحاد الوطني الكردستاني تبنيها ودراستها وفق الضرورات الملحة والحاجة الفكرية الراهنة للاشتراكية الديمقراطية، وذلك لتجديد مسار الحزب من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الاقليم الذي يعاني من ازمات عميقة، وما بداية الطريق الا بخطوة واحدة وعسى ان تكون حكيمة، والله من وراء القصد.
(*) كاتب وباحث سياسي

أحدث المقالات

أحدث المقالات