لابدّ ومن المفترض أن لاحظ القارئ او المتصفّح , ولفتَ نظره لنسبة ومدى وحجم التعاطف الجماهيري مع حقبة النظام الملكي السابق , وعبر الملوك الذين كانوا رموزاً للعراق , وكذلك مع رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على رئاسة الوزارة ” وهم من مختلف شرائح وقوميات واعراق الشعب العراقي ” , وكذلك بساطة العائلة المالكة , وما يسبق ذلك من الإستقرار الأمني والنفسي . ويتجسّد هذا التعاطف وكأنّه بشكلٍ مجسّم كلّما مرّت الذكرى السنوية ليوم 14 تموز في عام 1958 .
ربّما وعلى الأغلب لم يظهر هذا التعاطف والحنين الى الماضي الملكي الى العيان جرّاء نقطتين على الأقل :
A – انّ الحكومات والأنظمة التي تعاقبت على الحكم الجمهوري , لم تكن تسمح في ستراتيجياتها الإعلامية والثقافية لإبراز ايّ جزيئٍ من حسنات الملكية وما انجزته من مشاريعٍ تنموية في البلاد وحفظ الأمن وصدّ الرياح اليسارية والشيوعية عن العراق , وما يتبع ذلك من تفاصيلٍ تتعلّق بالسياسة الخارجية والداخلية , وحتى ما كان يشوبها من ذرّاتِ غبارٍ سياسي , وكان يمكن ازاحتها بشكلٍ مرحلى . وبذلك كانت الأجيال السابقة والتي اعقبتها مغيّبة كليّاً عن ادراك مجريات وأبعاد ” الملكية ” ومدى ضرورتها المفترضة في العراق , وبتزامنٍ تلقائي مع انتشار التيارات الثورية والتوجّهات الإشتراكية التي اجتاحت الكثير من الشارع العراقي , وساهم في ذلك ضيق الأفق والعامل الغريزي والتأثّر الفائق بالمدّ الناصري < والذي في الواقع يصعب الوقوف بالضد منه > وهذا ما أدّى الى هذه الأزدواجية في التقاطع بين الرؤى الجماهيرية .
B – ومع تعاقب الأجيال ” وما يتداخل بينها ! ” والذي جمعها قاسمٌ حيويٌ مشترك , لما شهده العراق في السنين التي اعقبت الإحتلال وما فتئَ وما برحَ , في تقطيع الأوصال وزهق الأرواح والحرمان من الحد الأدنى من المتطلبات الحياتية , وما هو أبعد من ذلك .! , فكان ذلك عاملاً مساعدياً وحيوياً في استذكار الأمان في العهد الملكي , عاطفياً وفكرياً .
C – دخول شبكة الإنترنيت الى العراق , وثمّ الإنفتاح على وسائل التواصل الإجتماعي , وانتشار المواقع الإخبارية – الألكترونية , مع إتاحة التعبير لأيّ إمرئٍ ونشر ما يمتلك من معلومات , قد اتاح وبأوسعِ سِعةٍ للجمهور العراقي والعربي من الإطلاع على تفاصيلٍ وجزيئياتِ جزئيات من مزايا الحكم الملكي لما كان يصب في مصلحة العراق على المديين المتوسط والبعيد , ممّا كان مخفٍ من معلوماتٍ على الجمهور , وممّا غيّر آراءٍ ورؤىً للكثيرين من النخب الثقافية والأجتماعية التي كانت مضلّلة دونما قصد .!
لا ريب أنّ هنالك مِمّن لا يتّفقون ” كلّياً او جزئياً ” مع المسار الذي طرحناه في اعلاه , ونحترم الى اقصى الحدود هذه التضادّات , كما اننا لم نكتب بصيغة التعميم الجماهيري ايضاً .
D – الأغربُ غرابةً وممّا محسوبٌ على مقولة < العجب العجاب ! > , فلم نرَ ولم نسمع من ايّة قوىً اجتماعية من المتعاطفين والمؤيدين للنظام الملكي ” وفي ايٍّ من وسائل الإعلام او السوشيال ميديا ومنظمات المجتمع المدني ” لأيّ مطالبةٍ بتشييد نصبٍ تذكاري للملك الشاب فيصل الثاني او الملوك الذين سبقوه , ولا حتى الى صورٍ ولوحات لنساء العائلة المالكة التي اغتيلت بغدرٍ تخجل منه الشيمة والجندية العراقية الأصيلة , والأمر موصولٌ الى ردّ الإعتبار الى الراحل نوري السعيد الذي تولّى رئاسة الوزراء 14 مرّة , والتي اثبتَ تعقّب الأحداث أنه كان الأكثر حرصاً على مصلحة العراق على ابعدِ مدىً لم يمكن تبصّرهُ لساسة وعسكر تلك الحقبات اللائي تُسمّى بالثورية .!!