خلال جلسة لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة حول حقوق الانسان في العراق، انتقدت ثمانية وعشرين دولة، بضمنها دول في حلف الأطلسي، في بيان لها غياب المسائلة الحكومية في استشهاد مئات الشباب في تظاهرات ثورة تشرين إضافة الى جرائم استهداف وترهيب المدافعين عن حقوق الانسان والصحفيين والعاملين في مجال الاعلام والمرشحين للانتخابات، وذكر البيان بأن الحق السلمي وحرية تأسيس الجمعيات وحرية التعبير والاعلام ضرورية في المجتمعات الديمقراطية داعيا الحكومة الى تفعيل جهودها لخلق بيئة آمنة لكل العراقيين، وتوفير المساعدة الضرورية للسلطات من اجل تحقيق التزامات العراق الدولية باحترام الحريات الأساسية مثل حقوق حرية التعبير والتجمع السلمي!
فحوى هذا البيان هو ما يطالب به العراقيين والنشطاء وأهالي الشهداء والمغيبين وكل الشعب العراقي الذي يعيش اليوم تحت دكتاتورية الميليشيات وفوضى اللادولة لكن مجلس حقوق الانسان يغض النظر مع سبق الإصرار عن ان حكومة مصطفى الكاظمي ومن سبقها من حكومات لا تطبق القانون على القتلة والمجرمين وهي التي تتركهم رغم معرفتها بهم ورغم كل الأدلة والاثباتات المتوفرة للإدانه بضمنها الاعتراف الذي هو سيد الأدلة. لقد تم اغتيال الخبير الامني هشام الهاشمي بعد فترة وجيزة من تعيين الكاظمي رئيسا للوزراء الذي أقسم وهو يزور عائلة المغتال بأنه سيجد قتلته ويحاسبهم امام القانون، ورغم ادلة كاميرات المراقبة وأرقام العربات المستخدمة وكل الأدلة الدامغة الا ان الكاظمي تناسى بعد بضعه أسابيع الكلام الذي قاله لعائلة صديقه الهاشمي ولم يفتح ملف الاغتيال بل انه اغلقه وبسرعة فائقة. بعد هذا الحادث تم اغتيال الناشطة رهام يعقوب وكرر رئيس الوزراء نفس كلامه لعائلة رهام يعقوب ليغلق ملف اغتيالها هي الأخرى وآخر الاغتيالات هي قتل الناشط إيهاب الوزني منسق تظاهرات كربلاء، لقد اعتقل المتهم قاسم مصلح قائد احدى الميليشيات الولائية وفق المادة أربعة إرهاب بالادلة والشهود لكن سرعان ما تم اطلاق صراحه بحجة واهية . وهكذا مع الملفات الباقية التي لا حظ لها بالانتظار بل بنسيان وجود مفهوم القانون والعدالة مع حكومة مصطفى الكاظمي. ليس ذلك فحسب، فالكاظمي الذي قال انه جاء لتحقيق مطالب المتظاهرين والتحضير لانتخابات مبكرة كما طلب متظاهرو ساحات الاحتجاجات في مدن العراق ، يركز كل اهتمامه على ملاحقة المتظاهرين والناشطين الاحياء منهم والاموات فقد قامت اجهزته الأمنية برفع دعوى على الشهيد صفاء السراي ايقونة ثورة تشرين بتهمة “قذف القوات الأمنية بالحجارة” وضربت قوات الشغب والدة الشهيد إيهاب الوزني التي نصبت خيمة اعتصام في كربلاء للمطالبة بمحاسبة قتلة ابنها وأغلقت السلطات الأمنية صفحات الناشط منسق تظاهرات المثنى الأخيرة وأدمن صفحة الأضحكني حمد فرحان وقامت احدى الميليشيات بعرض بيت عليه مقابل الكف عن تحشيد التظاهرات في محافظة المثنى. وقد توج الكاظمي حصيلة حربه على الناشطين والمتظاهرين بترأس استعراض نظمته ميليشيات الحشد الولائية المسؤولة عن اغتيال المتظاهرين.
على ارض الواقع فأن الدول المجتمعة تستمر بدعم حكومة مسؤولة منذ تعينها قبل عام ونصف العام عن اغتيال نشطاء الحركة السلمية في العراق آخرهم أيهاب الوزني منسق تظاهرات كربلاء الذي أشعل قتله احتجاجات واعتصامات ضخمة عمت غالبية مدن الجنوب العراقي وساحاته. وبدل ان يتخذ المجتمع الدولي ودوله المتباكيه على حقوق الانسان في العراق قرارات فعلية وعملية ضد انتهاكات حكومة الخضراء لأبسط حقوق الانسان التي يقرها الدستور العراقي والتي التزمت هذه الدول بتوفير المساعدة لتحقيقها كما تدعي ، وعلى غرار ما تتخذه من اجراءات في أحداث اقل عنفا مع بعض الدول، لإيقاف هدر دماء الأبرياء من الشباب الذين خرجوا بشكل سلمي لمطالبة الحكومة بتوفير ابسط الحقوق الانسانية في العيش الكريم ليس أكثر، فأنها تتواطأ مع هذه الحكومة ومن سبقها من حكومات العملية السياسية بشكل صارخ اذ لا يصدر عنها الا بيانات التعبير عن “القلق” إزاء ما يحصل من احداث ليصل الامر قبل أشهر الى تفاهم وتنسيق مع المدعو “أبو فدك ” قائد الميليشيات الولائية . اذ استقبل هذا الأخير بحفاوة مندوبة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت. وقد واجهت عائلة الشهيد إيهاب الوزني بلاسخارت وعلى لسان اخ الشهيد ممثلة المنظمة الدولية بقوله: الكلام مستمر حول قلقكم منذ سنوات لكن ليس هناك أي أفعال تنفذونها لحماية الشعب العراقي والمتظاهرين والمغيبين.
ان ذهاب ممثلة الأمم المتحدة الى عائلة الشهيد أيهاب الوزني هي محاولة جديدة “ناعمة” من الدول المحتلة لعمل شيء بعد فشل حكومات الخضراء المتعاقبة في قمع واسكات التظاهرات التي تطالب بأسقاط العملية السياسية التخريبية وكل احزابها وحصر السلاح بيد الدولة وكتابة دستور وقانون جديد للانتخابات لإقامة دولة تبني العراق وهو ما يرفضه الاحتلال الذي يدعم بقوة العملية السياسية كما فصلها المحتل الأمريكي وشريكه الإيراني. ان الخوف المتزايد من استمرار ثورة تشرين التي زعزعت اركان العملية السياسية ونزعت القدسية عن العمامة الفاسدة والالتفاف الشعبي المتزايد حولها من الشمال والغرب وهتاف شبابها: ألعن أبو ايران لابو أمريكا هو ما دفع المجتمع الدولي للإسراع وتكثيف دعم حكومة الكاظمي والعملية السياسية برمتها بهدف احيائها وضخ الاوكسجين في جسدها المتفسخ. خلال وقت قصير أرسلت دول المجتمع الدولي وزرائها للعراق اذ وصل وزير الخارجية الدنماركي ليعيد فتح سفارة بلاده، بعدها جاء وزير الخارجية البريطاني فوقع مذكرة تفاهم لعقد معاهدة استراتيجية مع العراق واستقبلت فرنسا الكاظمي ومن بعده وفد برلماني برئاسة محمد الحلبوسي استقبالا متميزا يتناسب مع المصالح التي فازت بها فرنسا جراء مساعدتها الفعالة للاحتلال ومساهمتها المتكررة في انقاذ العملية السياسية من الانهيار.
لن ينخدع الشعب العراقي ببيانات المجتمع الدولي الذي يساهم بتدمير بلده وتهجير شعبه منذ ثمانية عشر عاما ، أمم متحدة وهيئات حقوق انسان هي أدوات المجتمع الدولي لتنفيذ خطط الغزو والحرب والاحتلال وقد صدق شقيق الشهيد أيهاب الوزني حينما قال لممثلة المنظمة الدولية : سنة ونصف يقتلوننا بكل أدوات والآت القتل وانتم تتفرجون بدم بارد ، استخدموا كل شيء في قتلنا ولم ترفعوا تقارير حقيقية لا للمنظمة الدولية ولا لمجلس الامن ولا لمجلس حقوق الانسان ، تتفرجون علينا بدم بارد ، لكن ثورتنا مستمرة ولن تتمكنوا من القضاء عليها ولا قمعها فقد تسربت جذوتها الى كل العقول والى كل بيوت العراق من شماله الى غربة ليلتحم مع وسطه وجنوبه وبصوت واحد عاد شعبنا يردد باسقاط النظام ، الشعب يريد اسقاط عملية المحاصصة السياسية للاحتلال ويبقى يردد ألعن أبو ايران لابو أمريكا !