رغم وجود نص دستوري في حق المواطن على متابعة ومراقبة التصرف بالمال العام، ومع كل بيانات التأكيد الصادرة من مؤسسات الدولة على أهمية شفافية المعلومات وضرورة التعامل بشفافية مع المواطن، ورغم كل الورش والندوات والدراسات والمقالات التي تناولت مفهوم الشفافية منذ عام 2003 ولغاية يومنا هذا، رغم ذلك كله، يتساءل الكثير منا، هل لدينا في العراق “شفافية”؟ وهل يحصل المواطن في بلدنا على المعلومة الحقيقية والصادقة بيسر وسهولة.
فلو افترضنا إن صحفيا توجه لإحدى وزاراتنا، وطلب من موظف في تلك الوزارة كافة الوثائق الخاصة بعقد احد المشاريع التي تنفذها الوزارة، والذي يثار عليه العديد من شبهات الفساد، ابتدءا بالعروض إلى الإحالة إلى تقارير الجهات المشرفة وغيرها، فكيف سيكون رد الموظف على ذلك الطلب؟.
ولو افترضنا إن الصحفي نفسه أمتلك شيئا من الشجاعة والجرأة، وتوجه إلى مكتب رئيس الوزراء أو مكتب احد الوزراء، وطلب معرفة حجم الأموال التي تصرف شهريا داخل المكتب من رواتب ومخصصات ومكافآت ونثريات وايفادات وكافة التفاصيل المالية الأخرى المتعلقة بالصرف والشراء، فما هو مصير طلبه؟ .
وغيرها العديد من الفرضيات والأمثلة الخاصة بحق مراقبة ومتابعة التصرف بالمال العام الذي نفتقد الكثير من حلقاته بسبب غياب الشفافية كمنهج وتطبيق في أغلب مفاصل مؤسساتنا ودوائرنا الحكومية.
ومع كل تأكيدات المنظمات الدولية على أهمية الشفافية في الحد من الفساد ومكافحته، وزيادة الثقة بين الرئيس والمرؤوس، وزيادة الرقابة الذاتية، وتسهيل عملية التقييم للأداء، وتوفير الوقت والجهد والتكلفة وتجنب الإرباك والفوضى بالعمل، ووصفها على أنها المحور الرئيسي للوصول إلى تنمية شاملة.
رغم ذلك كله، إلا إن تقارير تلك المنظمات لا زالت تظهر إن العراق يحتل المراكز الأولى في قائمة الدول الأكثر فسادا، والتي لم تحقق نتائج ملموسة في مكافحة الفساد وتطبيق مبدأ الشفافية، باستثناء شفافية الإيرادات النفطية، حيث تسجل المنظمات الدولية تقدما ملحوظا للعراق في هذا الجانب بعد تطبيقه لمبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية.
وبالتالي فان كانت لدينا رغبة صادقة في تحقيق الإدارة الرشيدة والتي هي الأساس في التقدم والرخاء كان لزاما علينا أن نتعامل مع مفهوم “الشفافية” كمنهج ونترجمه لآليات تطبيق حقيقية، لا أن يبقى مفهوما نجمل به تصريحاتنا وبياناتنا التي هي في الغالب مجرد كلام على ورق.