مرت أكثر من عشر سنوات لتبقى الأزمة السورية معلقة بين تضارب المصالح داخلياً وخارجياً وبين ضرورات الواقع التي تحتم إغلاق الملف على حل دائم، لذلك تؤكد كل الشواهد أن الأيام القادمة من عمر هذه الأزمة، ستكون مليئة بالتحديات وتحمل في طياتها تداعيات مصيرية على درجة كبيرة من الخطورة، قد تؤدي الى عصف المنطقة بالكامل.
اليوم ندرك جيداً أن أمريكا هي التي تحرك العالم بأكمله مثل لعبة الشطرنج وتستخدم كل الوسائل الخبيثة واللعب بأوتار الفتنة الطائفية باسم الدين ونشر الفوضى وتقسيم الدول إلى دويلات من أجل نهب وإستغلال ثروات هذه البلاد وتقسيم الأدوار على بعض حلفاؤها بما يحقق مصالحهما وأهدافهما في بلدنا.
هنا لا بد من التذكير بأن أمريكا هي “سمسار السلاح” في العالم العربي، وهي المُستفيد الوحيد من بث الرعب والخوف في نفوس دول المنطقة العربية من داعش وإيران لتسويق سلاحها، فالضغط على العراق من خلال الميليشيات المُسلحة ممثلة في داعش يدفعها لشراء الكثير من الأسلحة الأمريكية، وسوء الأوضاع في اليمن ودخول إيران على الخط، يدفع دول الخليج لإبرام صفقات أسلحة كبيرة مع أمريكا ما يُساعدها على تسويق أسلحتها.
على خط مواز، لا يمكن لأي متابع ان ينكر حقيقة أن السوريين يواجهون مشروعآ غربيّآ الهدف منه تقويض الجهود السورية في الوصول الى الأمن والإستقرار، مع محاولات غربية- أمريكية لتفجير الداخل السوري، وما يدلل على ذلك هو حجم الدعم الأمريكي –الغربي والعلني للمتطرفين، واستقدام المزيد من التعزيزات العسكرية إلى شمال شرقي سورية، وإقامة قواعد عسكرية جديدة هناك، ومن هنا يبدو أن مفاعيل ومسارح الإشتباك الدولي بين دمشق وواشنطن قد وصل الى درجة الخطوط الحمراء والتي لا يمكن ان يصمت عليها السوريين.
وتزامنا مع هذه المستجدات الأخيرة، أن إدارة بايدن الفاشلة والمتعارضة مع كافة المواثيق الدولية لا تستخلص العبر ولا تقرأ تجارب التاريخ من أن الشعوب لا يمكن أن تقبل باستمرار سياسة الإذلال والحصار وهذا ما يضع سورية أمام موقف الدفاع عن قضاياها، لذلك كان إستهداف القاعدة العسكرية لقوات الاحتلال الأمريكية في حقل العمر النفطي بريف دير الزور الشرقي بالقذائف الصاروخية، وهذا الاستهداف شل الخطط الأمريكية وأربكت توقعات العدو الصهيوني والأنظمة المتحالفة معه في سورية، التي أكدت على جهوزية المقاومة لمواجهة الارهاب.
ومن هنا كانت الرسالة التي نقلها الرئيس الأسد لكل من يهمه الأمر، واضحة لا لبس فيها، قال: ” نحن نحب هذا البلد، فسورية يعشقها السوريون، ولن يفرطوا أبداً في استقرارها وأمنها، وكما نجح أبناؤها في حرب تشرين التحريرية سينجحون في طرد الإرهاب وأدواته من سورية”. تاركاً باب التأويل مفتوحاً، ولعل هذا التصريح هو رسالة تحذير قوية وواضحة للطرف الأمريكي المعتدي على وطننا الغالي على قلوبنا “سورية”.
لذلك يعرف الرئيس بايدن أنه في ورطة كبيرة لا يستطيع أن يمنع الجيش السوري من تحرير المنطقة من عصابات الإرهاب وفي نفس الوقت يدرك عواقب فشله في مغامرة غزو سورية، ويعرف العواقب الوخيمة التي سترتد على قواته المتواجدة فيها وفي المنطقة التي تعددت فيها مغامراته اللامسؤولة ، بالتالي سيبتلع بايدن مرغما ما تلقاه من هزائم حتى الآن، وسيتقبل بحدود الدور المقرر له بعد التطورات الميدانية في سورية، كما يعرف أن القادم أصعب بالنسبة له كونه يدرك أن التراجع في سورية يعنى الهزيمة الصعبة التي وصلت إليها مغامراته في سورية.
ببساطة شديدة، لقد كانت معركة الغوطة الشرقية ومعركتي مخيم اليرموك والحجر الأسود أصعب المعارك ضد التنظيمات المسلحة، وتمكن الجيش السوري من هزيمة هذه التنظيمات، بذلك يستطيع أن يحرر شرق الفرات بوقت قصير، لأن وحدة وسيادة الأراضي السورية كاملة هي خط أحمر.
وأختم بالقول، إن ساعة الرحيل الأمريكي من سورية ليست بعيدة، وقد تغيّرت سورية كثيراً عما عرفتها أمريكا عندما استقدمت داعش وأخواتها، وأن سورية دائماً من انتصار إلى انتصار رغم أنف البيت الأبيض وأعوانه، وأن سورية لن تعود إلى الوراء مهما حاول الواهمون لأن أبناءها قادرون على تخطي هذا المرحلة بكل قوة وعزيمة، لذلك لا بد من التوحد خلف استراتيجية واضحة وثابتة ودائمة لفضح الاحتلال وعزله ومواجهته بكل أشكال المقاومة إلى أن يزول عن كامل الأرض السورية.