مارغريت كافنديش.. كتبت باسمها الحقيقي وحلقت بخيالها في “العالم الملتهب”

مارغريت كافنديش.. كتبت باسمها الحقيقي وحلقت بخيالها في “العالم الملتهب”

 

خاص: إعداد- سماح عادل

كاتبة مسرحية، وكاتبة أدب خيالي، وعالِمة، وشاعرة، وفيلسوفة ارستقراطية إنجليزية عاشت في القرن السابع عشر. وُلدت باسم “مارغريت لوكاس”، كانت الأخت الصغرى لكل من السير “جون لوكاس” والسير “تشارلز لوكاس” الملكيين، وكان الأخير يملك قصر دير القديس جون في كولشيستر. أضحت مرافقةً للملكة “هنريتا مارينا” وسافرت معها في منفاها إلى فرنسا، وعاشت لمدة في قصر ملك “لويس الرابع عشر” حين كان شابًا. أصبحت الزوجة الثانية ل”ويليام كافنديش”، الدوق الأول ل”نيوكاسل أبون تاين”، وذلك عام 1645 حين كان ماركيزًا.

متفردة..

لقد كانت شاعرة، وفيلسوفة، وكاتبة نثر رومانسي، وكاتبة مقالات، وكاتبة مسرحية تنشر باسمها الحقيقي في وقت كانت الكاتبات النساء ينشرن أعمالهن بأسماء مستعارة. تناولت كتاباتها أمور متعددة، من بينها النوع الاجتماعي، والسلطة، والأخلاق، والمنهج العلمي والفلسفة. كان عملها الطوباوي الرومانسي المسمى “العالم الملتهب” أحد أولى الأمثلة عن أدب الخيال العلمي، وهي متفردة في نشرها على نطاق واسع في الفلسفة الطبيعية وبدايات العلم الحديث. نشرت عشرات من الأعمال الأصلية، ورفعت أعمالها المنقحة المدرجة عدد ما صدرعنها إلى واحد وعشرين.

انتُقدت “كافنديش” كامرأة كاتبة رائدة في مجالها وفريدة من نوعها. رفضت الفلسفة الأرسطية والفلسفة الآلية بعمر السابعة عشر، مفضلةً النموذج الحيوي عوضاً عن ذلك. كانت أول امرأة تحضر اجتماعاً لدى الجمعية الملكية في لندن، وذلك عم 1667، وانتقدت وتفاعلت مع أعظم أعضاء وفلاسفة ذاك العصر من أمثال “توماس هوبز ورينيه ديكارت وروبرت بويل”. ادُعي أنها كانت مناصرة لحقوق الحيوان كمعارِضة مبكرة لإجراء التجارب غير الرحيمة على الحيوان.

حياتها..

نُفي والد “مارغريت”، “توماس لوكاس”، بعد مبارزة نتج عنها موت “السيد بروكس الوحيد”، عُفي عنه من قِبل الملك “جيمس” وعاد إلى إنجلترا عام 1603. وكأصغر أخواتها الثمانية، كتبت “مارغريت” أنها قضت أوقاتاً رائعة مع أشقائها. لم تتلق تعليماً رسمياً لكنها حظيت بوصول إلى المكتبات المدرسية والأساتذة الخصوصيين، على الرغم أنها لمّحت أن الأطفال يصرفون القليل من الانتباه على الأساتذة الخصوصيين الذين كانوا “مظهراً شكلياً أكثر من كونهم ذوي نفع”.

في عمر مبكر، كانت “مارغريت” تدوّن أفكارها وتأملاتها على الورق في زمن لم يكن من المقبول للمرأة أن تكون مفكرة على الملأ، لكنها حفظت مسعاها الفكري ضمن منزلها. كانت العائلة إحدى أهم الوسائل نسبياً، وأشارت “مارغريت” أن والدتها، رغم كونها أرملة، اختارت أن تُبقي عائلتها في وضع “ليس أقل بكثير” مما كانت عليه حين كان والدها حياً؛ وحظي الأطفال بحياة آمنة، ولم تحصل والدتها على مساعدة تُذكر من الرجال.

حين كانت الملكة “هنريتا مارينا” في أكسفورد، ناشدت “مارغريت” أمها كي تسمح لها أن تصبح إحدى وصيفات الملكة. رافقت “مارغريت” الملكة إلى منفاها في فرنسا. أبعد هذا “مارغريت” عن عائلتها للمرة الأولى. لاحظت أنه في حين كانت تتحلى بمقدار كبير من الثقة بين أشقائها، أصبحت محتشمة بشدة بين الغرباء. شرحت “مارغريت” أنها كانت خائفة من احتمالية أن تتكلم أو تتصرف بشكل غير لائق دون توجيه أشقائها، الأمر الذي يقف عقبة أمام طموحها بأن تلقى ترحيباً جيداً من الآخرين وأن تكون محبوبة. كانت تتكلم فقط وقت الضرورة القصوى، وبناءً على ذلك، كان يُنظر إليها على أنها حمقاء. بررت “مارغريت”  سلوكها بأنها تفضل أن تُسمى حمقاء على أن تُسمى غاشمة أو وقحة.

زواجها..

لاحظت “مارغريت” أن زوجها يحب عفة نفسها. صرحت أيضاً أنه كان الرجل الوحيد الذي غرقت في حبه، إذ أحبته ليس لمنصبه أو لثروته وسلطته؛ إنما من أجل صفات الجدارة والعدالة والامتنان والواجب والإخلاص التي كان يتحلى بها. كانت على يقين أن صفات كهذه من شأنها أن تجمع الناس معاً، حتى خلال الأوقات العصيبة. لم تنجب “مارغريت” أية أطفال، على الرغم من الجهود المبذولة من قِبل الطبيب الخاص بها لمساعدتها على الإنجاب. كان لزوجها خمسة أطفال من زواجه السابق نجوا في فترة الطفولة، واثنتين منهما، جين وإليزابيث، كتبتا مسرحية كوميدية بعنوان “الخيالات المستترة”. كتبت “مارغريت” لاحقاً سيرة ذاتية لزوجها بعنوان “الحياة الثالثة للأمير الجبار اللامع والنبيل ويليام كافنديش”.

أكدت “مارغريت” في مؤلفها “علاقة حقيقية لولادتي وتربيتي وحياتي” أن طبيعتها المحتشمة، التي تصفها ب “السوداوية” قد جعلتها “تندم لخروجها من المنزل لرؤية العالم الخارجي” تجلت هذه الطبيعة السوداوية في إحجامها عن الحديث عن عملها في الميادين العام.

قصائد وخيالات 1653..

كتابها “قصائد وخيالات” هو مجموعة من القصائد والرسائل وبعض النثر في موضوعات مختلفة. وشملت الموضوعات الفلسفة الطبيعية، والذرات، وتجسيد الطبيعة، والعوالم الكبرى وتلك المصغرة، والعوالم الأخرى، والموت، والحروب، والصيد، والحب، والشرف، والشهرة. تتخذ قصائدها أحياناً شكل حوارات بين أشياء مثل الأرض والظلام، وشجرة السنديان ورجل يقطعها، والسوداوية والمرح، والسلام والحرب.

اتخذت كتابات “مارغريت” شكل الخيال الشعري، والتعليم الأخلاقي، والآراء الفلسفية، والحوار، والخطابات والأشعار الرومانسية. يتضمن كتاب “قصائد وخيالات” أيضاً “برلمان الحيوان”، وهو نص نثري يتألف بشكل كبير من الخطابات والرسائل. تنتهي المجموعة بأفكار “مارغريت”  حول كتاباتها، وبإعلان يروج لمؤلفاتها المستقبلية.

الفلسفة التجريبية..

قدمت “إيلين أونيل” مراجعة للفلسفة الطبيعية ل”مارغريت” واستقبالها النقدي في تقديمها لـ كتابها “ملاحظات على الفلسفة التجريبية”. وصفت “أونيل” الفلسفة الطبيعية ل”مارغريت”  كرفض للأرسطية والفلسفة الآلية وتفضيل للعقائد الرواقية. لاحظت أنه بينما كان من النادر للنساء أن تكتب حول الفلسفة الطبيعية في القرن السابع عشر، نشرت “مارغريت” ست كتب حول هذا الموضوع. أشارت “أونيل” أن “مارغريت” ذاتها لم تتلق تعليماً رسمياً في الفلسفة الطبيعية، رغم أن “ويليام كافنديش” وشقيقه “تشارلي” تشاركا الاهتمام بهذا الموضوع ودعما اهتمام “مارغريت” ودراستها في هذا المجال.

قد تكون “مارغريت”  قد تأثرت أيضاً عبر اللقاءات الاجتماعية مع فلاسفة أمثال “توماس هوبز”. آمنت “أونيل” أن “هوبز” (الذي علّم تشارلي الفلسفة) لديه تأثير كبير على الفلسفة الطبيعية ل”مارغريت” ولاحظت أن “مارغريت” كانت من ضمن الداعمين القلائل في القرن السابع عشر لفلسفة “هوبز” المادية، الذي أثار الجدل حول أن الأرواح غير المادية لا توجد في العالم الطبيعي. بدايةً من العقد السادس للقرن السابع عشر، بدأت “مارغريت”  بدراسة أعمال معاصريها بجدية أكبر. اقترحت “أونيل” أن الهدف من هذه الدراسة كان لتمكين “مارغريت” من مناقشة وجهات نظرها بشكل أكبر من خلال مقارنتها بالفلاسفة الطبيعيين الآخرين.

“العالم الملتهب” 1666..

نُشرت حكاية “مارغريت” النثرية التي حملت عنوان ” العالم الملتهب” عام 1666، ومرة أخرى عام 1668. في كل مرة كانت تُنشر مع “ملاحظات على الفلسفة التجريبية”. كما لُوحظ من قِبل العديد من الباحثين، من بينهم “سيليفا باوربنك وسارة مندلسون”، أن هذه النسخة المبكرة من الخيال العلمي نقدت واستكشفت قضايا مثل العلم، والجندر، والسلطة. كما درست العلاقة بين الخيال ضد المنطق والفلسفة مقابل الأدب الخيالي. كتبت “مارغريت”  نفسها في الكتاب، الذي فصّل عالماً خيالياً جديداً (ليس مجرد قارة إنما عالماً مستقلاً كاملاً) بالإضافة إلى إمبراطوريته. لاحظت في خاتمتها للقارئ أنها “مارغريت” نفسها كانت إمبراطورة العالم الفلسفي. في الحقيقة، في خاتمة “مارغريت” للقارئ لاحظت أنه، بنفس الظروف التي كان بها تشارلز الأول، ستكون مارغريت الأولى بنفس الظروف.

211 رسائل مؤنسة 1664..

نُشر عام 1664 من قِبل “ويليام يلسون” كتابها الذي يحمل عنوان “211 رسائل مؤنسة” وهو مجموعة من الرسائل التي تبدو كما لو أنها أُلفت من قِبل نساء حقيقيات. وكان تنظيم الرسائل مشابه لكتابها الآخر الذي يحمل عنوان “أوليو العالم” الصادر في 1655. موضوعات الكتاب متنوعة كما أشكال وأطوال الرسائل. وتشمل موضوعات الزواج، الحرب، السياسة، الطب، العلوم، الأدب الإنجليزي والكلاسيكي، والقمار والتطرف الديني.

على الرغم أن بعض الرسائل تشير أن بعض الشخصيات هم أشخاص حقيقيون، مثلا، قد يكون “توماس هوبز” هو الشخصية الموجودة في الرسالة رقم 173، وقد يرمز اختصار “سي.آر” ربما إلى الملك “تشارلز الثاني”، والبعض الآخر من الرسائل موجهة لأشخاص حقيقيين تتواصل “مارغريت” معهم أحياناً، لكن الغالبية العظمى من الشخصيات هي شخصيات خيالية تخوض محادثة نابضة بالحياة بشكل دائم وتضع ملاحظات حول الحياة المعاصرة.

أزمة مالية..

عادت “مارغريت”، بعد عدة سنوات من زواجها، مع شقيق زوجها السير “تشارلز كافنديش” إلى إنجلترا. حيث سمعت بقرار بيع تركة زوجها (التي صودرت منه لارتكابه جرمًا ملكيًا)، وبأنه من المحتمل أن تستفيد من عملية البيع هذه، ولكن لم تتمكن “مارغريت” في واقع الأمر من الحصول على أي فائدة على الإطلاق. ولاحظت بأنه، وفي الوقت الذي التمست فيه العديد من النساء الحصول على بعض أموال التركة، فهي لم تطلب ذلك إلا مرة واحدة فحسب، وقوبل طلبها بالرفض. قررت “مارغريت” في النهاية أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء، وغادرت إنجلترا بعد سنة ونصف من هذه الحادثة لتعود إلى زوجها مرة أخرى.

الأزياء..

قالت “مارغريت” في مذكراتها عن استمتاعها في إعادة اكتشاف نفسها من خلال الأزياء، إذ ذكرت أنها كانت تهدف إلى التميز في الملبس، إضافة إلى الأفكار والسلوك، وأنها كانت ترفض ارتداء الأزياء التي ترتديها بقية النساء. أبدت رغبتها في الوصول إلى الشهرة. أظهرت العديد من المقاطع في مذكراتها شخصيتَها الفاضلة، وعلى الرغم من اعترافها بالخير الموجود في قلوب الآخرين، لكنّها كانت تعتقد أنّه من المقبول أن تسعى لتصبح أفضل منهم. كان طموح “مارغريت” يتمثل، حسب قولها، بالوصول إلى الشهرة الأبدية. وتوقعت أن تتعرض للانتقادات بسبب كتابتها لمذكراتها الشخصية. ردت “مارغريت” على هذه الانتقادات بأنها كتبت مذكراتها لنفسها، وليس بهدف المتعة، ولكنها قررت تأليفها لتتمكن الأجيال القادمة من فهم الوصف الحقيقي لنسبها وحياتها، وكتبت بأنها كانت تشعر بأنه من المبرر لها أن تكتب مذكراتها طالما أنها لم تكن أول من يقوم بذلك، فقد سبقها،على سبيل المثال، كل من “يوليوس قيصر، وأوفيد”.

اختتمت “مارغريت” مجموعتها بقولها أنها لم تدرك عدم اتسام كتاباتها بالبلاغة، أو أنه من الممكن انتقاد صياغتها أو ترتيب كلماتها، وأضافت بأنها واجهت صعوبة في إيصال المعنى المطلوب مع الحفاظ على القوافي. باختصار، ذكرت “مارغريت” بأنها كانت تسعى للحفاظ على المعنى على حساب جمالية النص، وكان هدفها أن تصل أفكارها بنجاح. كما أشارت “مارغريت” إلى توقعها بأن تتعرض أعمالها للانتقاد لكونها غير مفيدة، وكردّ على هذه الانتقادات ذكرت أنها كانت تقوم بفعل الكتابة بهدف ملء أوقات فراغها، ولم يكن هدفها تثقيف قرائها في الفنون أو العلوم أو اللاهوت، مؤكدة أنها استغلت وقتها بشكل أفضل من غيرها. وهذا ما أكدته مرارًا وتكرارًا في قصائدها ورسائلها.

الجمهور المستهدف..

قالت “مارغريت” الكثير حول جمهورها المستهدف، مثل المؤلفين “أفرا بن وويليام ووردزوورث”، وحول الغرض من الكتابة والفلسفة في المقدمات والتمهيدات وفي الرسائل الموجهة للقارئ. فقد كتبت العديد من رسائل الإهداء في مجموعتها الشعرية التي حملت عنوان “قصائد وخيالات”، كانت رسائلها في أغلب الأحيان مبررات لإقدامها على الكتابة، سواء من حيث اتخاذها لقرار الكتابة في الوقت الذي لم يكن فيه تشجيع النساء على الكتابة أمرًا شائعًا، ومن حيث اختياراتها للموضوعات.

استخدمت “مارغريت” رسائل الإهداء لتعلم القراء كيفية القراءة، وكيفية الاستجابة لشعرها، وغالبا ما كان ذلك بطلب من الذين حصلت على استحسانهم، وطلب الصمت من الذين لم تعجبهم أعمالها. استخدمت أيضا رسائل الإهداء للفت الانتباه إلى نقاط الضعف المحتملة في كتاباتها ومحاولة تبريرها، وطلب العفو عنها. كانت رسائل إهداء “مارغريت” موجهة لجماهير محددة، وكانت تتغير تبعًا لتغير الجمهور المستهدف.

غالبًا ما كانت “مارغريت” تتخذ موقف الدفاع عن نفسها في رسائل الإهداء، مبررة ذلك بأنها لطالما توقعت التعرض للانتقاد من الذكور والإناث على حد سواء، وليس فقط انتقاد طريقة كتابتها، بل انتقاد قيامها بفعل الكتابة بالمقام الأول، إذ لم يكن حينها تشجيع الكاتبات أمرًا سائدًا. تحدثت عن هذا الموضوع وقالت بأن النساء اللواتي يشغلن أنفسهن في الكتابة لن تتصرفن بطريقة غير لائقة، ولن تثرثرن. على الرغم من توقعها الحصول على العديد من الانتقادات من قبل النساء، لكنها كانت تدعو إلى دعم النساء بهدف اكتساب الاحترام والسمعة الحسنة. وختمت كتبها بالقول بأنها وفي حال فشلها، ترى نفسها أنها استشهدت من أجل نصرة قضية المرأة.

ذكرت “مارغريت” في رسالتها إلى السيدة “توب”، أنّ السبب الرئيسي لإقدامها على الكتابة كان رغبتها بالشهرة. اعترفت، مرةً أخرى، بأنّ كتاباتها كانت انحرافًا عن المعايير الاجتماعية المقبولة، وطلبت التقبل من الجمهور. وبينما تحدثت غالبا في معظم كتاباتها، بشكل مجازي عن الأنشطة النسائية المنزلية والنمطية، حاولت هنا أن تبرر رغبتها في الشهرة بإبعاد شغفها عن موضوع النسائية. ووصفت طموحها بأنه السعي لتحقيق المجد والكمال والثناء، والذي، لم يكن متعلقا بالمواضيع الأنثوية. أشارت إلى أنه حتى أثناء الكتابة وإتباع الشهرة، بقيت متواضعة ومحترمة، وذكرت أنها لم تفعل شيئًا يجلب العار لأسرتها. عزت ثقتها بنفسها إلى اعتقادها بأنها لم تكن تحمل نوايا شريرة، وإنما البراءة برغبتها في الشهرة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة