القسم الأول
المراد من الدعاء المأثور عدم تسلط الحاكم الظالم والحكيم الطبيب ، بمعنى أن يبعد الله عنا شر تسلط الحكام الظالمين ، وأن لا يحوجنا لمراجعة الأطباء ، بأن ينعم علينا بتمام الصحة والعافية . ولكن سوء أعمالنا تسببت لنا في تسلط وباء ( كورونا المستجد ) علينا وعلى أطبائنا ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ ) . أما الحاكم الظالم فإِنَّ ( اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ) . وتلك نهاية سياسي الصدفة بعد الإحتلال الغاشم ، الذين لا يستطيع القضاء مواجهتهم والتصدي لهم بدليل إعترافاتهم العلنية وعلى رؤوس الأشهاد ، أما نحن معاشر المغلوبين والمقهورين على ساحة القضاء ، فلا قوة لنا تجاه الوصف المطلق لعموم قاعدة عدم جواز الدفع جهلا بالقانون ، لتبرير ما يتخذ تحت سقفها من قرارات ، مستسلمين لها طائعين خاضعين صاغرين لعدم جواز مخالفتها ، لقيامها على إعتبارات العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع أمام القانون ، بهدف عدم فسح المجال واسعا أمام الإعتذار بجهل القانون ، وإلا سادت الفوضى وأشرعت أبواب التحايل والهروب من تطبيق قواعد العدالة والإنصاف ، ولما كانت فكرة المساواة بين الأفراد أمام القانون هي الأساس الذي تقوم عليه تلك القاعدة ، فإن أول ما ينبغي القيام به هو تطبيق القانون على الجميع ، دون إستثناء أي من أفراد المجتمع ولأي سبب كان ، بغية عدم إفلات أحد من الخضوع لأحكامه ، بل يتوجب أن تكون العقوبة بمقدار الضعف إن كانت المخالفة أو الجنحة أو الجناية مرتكبة من قبل القائمين على تنفيذ القانون ، والقول بخلاف ذلك يعني إهدار كامل الغاية التي من أجلها أنشأت القواعد القانونية ، وأهمها رعاية وصيانة مصالح الأفراد بالمحافظة على النظام العام في المجتمع . وبذلك نرى التشديد في مسألة الإعتداء على حقوق المواطنين مع عدم التوسع في مفهوم الجهل بمضمون القانون ، إلى حد الخروج به من مفهوم العلم بالعقوبات المقررة إلى ساحة آليات تنفيذه المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية النافذ ، ليتخذها المنفذون ( محامون وقضاة ) أداة سحق للحقوق ، برد الدعوى وبطلانها تحت عنوان أداء الخصم لليمين الحاسمة مثلا ، التي يفهمها ويحتسبها المواطن البسيط على أنها السبيل لإسترداد حقه ، دون معرفته بخطورة موافقته على ذلك الأداء ، الذي أتخذه المحامون سبيلا ووسيلة للخداع وضياع الحقوق ، إضافة إلى كونه من أوجه اليمين الغموس الذي يتوجب تجنبه وعدم السماح لأحد بممارسته ، بنص التشريع على إلغائه أو عدم بطلانه لأية دعوى ، لقيامه على أسس ومفهوم ومعنى ( التورية ) ، التي يحمل فيها أداء اليمين على معنيين ، أحدهما أقرب إلى الذهن لكنه غير المقصود ، والثاني بعيد وهو المقصود ، والغاية منه إثارة الذهن بإتجاه غير المقصود ، هربا من المساءلة القانونية عن المقصود ، وكما هو حاصل في أدائه من قبل الخصم بنية كونه غير القائم بالفعل المنسوب إليه بشكل مباشر ؟!. لإبعاده عن إجراءات القصاص العادل الذي يستحق .
*- لقد عشنا تفاصيل حالات واقعية ألزمتنا وطنيا بتوثيقها متطلبات الرؤى المستقبلية ، وقد نكون على خطأ التقدير في التفسير أو بالسند ، إلا إننا نطمح ونطمع في الرأي الآخر تصحيحا وإشاعة للثقافة القانونية ، التي تساهم في وضع المعالجات المناسبة واللازمة للمشكلات المستجدة في جميع المجالات ، ومنها ما تقدمنا به في الدعوى المرقمة ( 907/ ب /2017) في 4/4/2017 ، ضد السيد وزير التربية إضافة لوظيفته ، وملخصها عدم تطبيق وزارة التربية للتشريعات المتعلقة بفتح المدارس الأهلية ، وخاصة ما يخص عدم توفر شروط ومواصفات المعايير المطلوبة في دور السكن المؤجرة لإستخدامها بناية للمدرسة ، على وفق ما نصت عليه التعليمات عدد (1) لسنة 2014 ، وبعد سلسلة الإجراءات الخاصة بإقامة الدعوى والتبليغ بالحضور، وتحملنا تكاليف الرسوم والمصاريف والحضور في المواعيد المحددة للمرافعات ، لم يحضر من يمثل السيد الوزير فيها ، وكنت عندها متفائلا بإصدار المحكمة قرارها المتناسب والمتلائم مع ما عرضته من واقع حال عام معروف ومشهور ، وإذا بالقرار المرقم (709/ ب / 2017 ) في11/5/2017 ، يقضي برد الدعوى ، حيث وجدت المحكمة أن موضوعها وبالنص ( يخرج عن الإختصاص النوعي لهذه المحكمة ويقع ضمن إختصاص المحكمة الإدارية . لذا فإن دعوى المدعي تكون واجبة الرد لعدم إختصاص هذه المحكمة بنظرها على فرض صحة الخصومة فيها ) . ( وصدر القرار إستنادا لأحكام المواد 154 و 156 و 161 و 166 و 177 و 203 مرافعات مدنية . حكما غيابيا قابلا للتمييز وأفهم علنا في 11/5/2017 ) .
*- وسواء كنا على علم أو جهل بما تقضي به تلك المواد الساندة لإصدار الحكم الغيابي القابل للتمييز ، فإن الموضوع برمته لا يستوجب كل تلك الإجراءات المؤدية إلى تكليف المدعي (المواطن) البائس والفقير ، بدفع الرسوم والمصاريف التي يحتاج إلى إنفاقها في مجالات وحالات أهم وأولى ، مادامت المحكمة على علم بعدم إختصاصها بنظر الدعوى على فرض صحة الخصومة فيها ؟!. إذ ينبغي إبتداء إبلاغ المدعي بأن موضوع دعواه يقع ضمن إختصاص المحكمة الإدارية ، تبسيطا للإجراءات ، وعدم هدر الجهد والمال والوقت فيما لا فائدة منه ؟!. إن لم يكن القصد الإيذاء والضرر عن عمد أو جهل إداري ياسيادة قاض دار العدل ؟!. ويبقى السؤال قائما ويحتاج إلى إجابة ذوي الإختصاص ، هل سيكون قرار المحكمة ذاته فيما لو حضر ممثل السيد الوزير ، أم سيكون في صالحه إضافة لوظيفته ، دون الأخذ بصحة واقع الحال المشكو منه ، وغير الغائب عن نظر ومشاهدة التربويين أنفسهم ، وما حمله الدستور من سوء الجمع بين التعليم الحكومي المجاني وبين التعليم الأهلي لقاء بدل الأجور المليونية ، وبما يعزز ويجسد التفاوت الطبقي ؟!.