خاص: حاورته- سماح عادل
“كمال المصري” باحث ومترجم مصري في مجال الدراسات الإنسانية، تخرج في كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية 2002، حاصل على ماجستير في “العلوم السياسية” وماجستير في “الفلسفة الحديثة”، ويعد أطروحة الدكتوراة في “الفلسفة السياسية والنسوية”، صدرت له العديد من الترجمات في المجالات الأدبية والفكرية ومجال البحث العلمي.
إلى الحوار:
** لما اتجهت إلى الترجمة رغم أن تخصصك الدراسي في مجال الفلسفة؟
– الحقيقة أن تخصصي الأول كان هو اللغة الإنجليزية وآدابها، حيث حصلت على ليسانس الآداب ودرست الترجمة واحترفت الترجمة مباشرة، بالتوازي مع دراسة الفلسفة، ثم لاحقاً دراسة العلوم السياسية. وواقع الأمر أني بدأت في ترجمة الأعمال الفلسفية مبكراً جداً أثناء الدراسة، وإن كنت بدأت عملي بترجمة مسرحيتين مهمتين هما «دوقة مالفي» للبريطاني “جون وبستر” و«عدو الشعب» للنرويجي “هنريك إبسن”.
** لك ترجمات في مجال البحث العلمي مثل التنمية والعمارة الخضراء والتعليم المعماري.. هل تنطوي الترجمة في ذلك المجال على صعوبات وما هي هذه الصعوبات؟
– بالطبع المترجم المعتاد على أعمال فكرية أو فلسفية، يجد صعوبة عند التحول إلى ترجمة أعمال علمية. وتتمثل صعوبات ترجمة أعمال في المجالات العلمية بالأساس في تعريب المصطلحات الأجنبية المنشأ، فضلاً عن ضرورة تكوين حصيلة معرفية في موضوع الترجمة ذاته.
** كيف تختار الأعمال التي تقوم بترجمتها وهل يتدخل اهتمامك بموضوعات ما في ذلك؟
– في معظم الأحوال أختار العمل حسب اهتمامي في مجال البحث وأهمية الموضوعات، وبما أنني أبحث في مجالي السياسة والفلسفة فلا تخرج الأعمال كثيراً عن هذا الإطار. كما أن الناشرين بالطبع يفضلون أن يكون المترجم يحمل خلفية الكتاب الذي بصدد ترجمته. وهناك بالطبع كتب لا يمكن إغفال أهمية ترجمتها إلى العربية، سواء أقمت أنا بذلك أو قام بها غيري.
** هل ساعدك تخصصك الدراسي في تسهيل ترجمة الكتب الفلسفية وماذا تمثل الفلسفة بالنسبة لك؟
– نعم، ساعدني التخصص الدراسي كثيراً في فهم المصطلحات واعتياد الغريب من الألفاظ والأفكار، كما وفر لي بيئة جيدة لفهم وتقبل الأفكار والعبارات في العمل الأصلي حتى لو تعارضت مع معتقداتي أو أفكاري. والفلسفة كمجال يتقاطع مع معظم الحقول المعرفية الأخرى بدرجات متفاوتة، لذلك الفلسفة مفيدة جداً لي في فهم النصوص.
** ما الفرق بين الترجمة والتأليف؟ وهل يتحمل المترجم مسؤولية النصوص؟
– أنا لا أجد فرقا كبيرا بين الترجمة والتأليف، فالمترجم – بشكل ما – هو مؤلف النص المترجم وإن كانت الأفكار هي أفكار المؤلف الأصلي ولكن المترجم حتماً اختبرها في ذهنه قبل إخراجها باللغة المترجم إليها، فالقاعدة هي أن من لا يفهم لا يُفهِم. كما أن نسبة كبيرة من المترجمين مؤلفين في مجالاتهم أيضاً. وبالطبع تظل الأفكار داخل النصوص المترجمة مسئولية المؤلف، وإن كان المترجم (والناشر) مسئولين عن جودة النص الناتج من حيث الدقة واللغة والإخراج.
** هل ترى أن حركة الترجمة في الوطن العربي على المستوى المطلوب أم تعاني من مشكلات وما هي تلك المشكلات؟ وهل ثمة ما يمكن عمله لدعم حركة الترجمة عربيا؟
– حركة الترجمة في الوطن العربي جيدة وهناك إنتاج مترجم، يكاد يتساوى مع الإنتاج المؤلف. لكن نظراً لضعف المؤلفات العربية في مجالات عدة، تظل هناك حاجة ملحة إلى تكثيف جهود الترجمة لمواكبة التقدم الحاصل في كل المجالات. كما أن إنتاج الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية ضئيل جداً. فضلاً عن جهود الترجمة تركز فقط على اللغات الأكثر انتشاراً، كالإنجليزية والفرنسية ومؤخراً الروسية والصينية، وإن كانت هناك محاولات للترجمة من لغات عالمية أخرى ولكنها تظل ذات إنتاج محدود نسبياً.
إحدى أهم المشكلات التي تواجه الترجمة هي عدم وجود قاعدة بيانات موحدة للأعمال المترجمة، لذلك نجد أكثر من ترجمة لنفس الكتاب، ربما في نفس البلد. المشكلة الأخرى هي عدم وجود دور نشر كثيرة تتبنى ترجمة أعمال عالمية، باستثناء المشروعات المؤسسية الكبرى مثل سلسلة عالم المعرفة وغيرها في دولة الكويت، والمركز القومي للترجمة في مصر، وسلسلة ترجمان. ولكن أيضاً هذه جميعاً ليست كافية لاستيعاب إنتاج المترجمين العرب.
** هل هناك مجالات معينة تزداد فيها الترجمة مثل الروايات الأجنبية في حين تفتقر مجالات أخرى للترجمة والتعريف بها للقارئ العربي؟
– نشطت مؤخراً ترجمة الأعمال الروائية من اللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية والصينية والكورية، ربما لأن الإقبال على قراءة الروايات هو الأكبر، فنحن نعيش عصر الرواية. هذا بالطبع قد أثر على بقية الأنواع الأدبية سواءً تأليفا أو ترجمة، كما أثر على الإنتاج المترجم في مجالات مهمة كالتربية وعلم النفس والفلسفة والعلوم الطبيعية والاجتماعية، التي تظل المحاولات فيها بالأساس محاولات فردية.
** في رأيك ما هي الصعوبات التي تواجه ترجمة أدبنا وكتبنا الثقافية إلى اللغات الأخرى، هل بسبب عدم وجود جمهور متحمس لقراءة الأدب العربي أم تكاسل دور النشر وعدم اهتمامها بعمل ترجمات أم ماذا؟
– لن يقبل الجمهور الأجنبي على قراءة أعمال فكرية أو أدبية مترجمة ما لم تكن المبادرة من الناشر العربي إلى ترجمة تلك الأعمال، مثلما تفعل دار نشر الجامعة الأمريكية مثلاً. وعلى حد علمي لا توجد مؤسسة وطنية واحدة مهتمة بترجمة المنجز الفكري والأدبي العربي إلى اللغات الأجنبية. المبادرة لابد أن تكون من جانبنا، خاصة أن اللغة العربية لا تُدرس في الخارج. ويمكننا أن نستلهم هنا تجارب الصين وكوريا اللتين تعملا على انتشار اللغتين الصينية والكورية في العالم كله بدعم حكومي رسمي وتشجع الدارسين العرب مثلاً على ترجمة الأعمال من وإلى تلك اللغة العربية إلى الصينية أو الكورية.
** تعد رسالة الدكتوراه في «النظرية السياسية النسوية»، حدثنا عن تلك النظرية وما سبب اهتمامك بها؟
– النظرية السياسية النسوية مجال جديد نسبياً، وإن لم يكن الأحدث، ضمن حقل النظرية النسوية، راجت في العقود الأربعة الأخيرة، مع ظهور تيارات فكرية نسوية تعمل على تطوير أطر جديدة لكيفية تنظيم المؤسسات والممارسات السياسية وإعادة بنائها بحيث لا يتم اعتماد النوع محدداً للسياسات. ويمكن القول بأن النظرية السياسية النسوية تعمل على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هي:
– فهم ونقد دور الجندر (النوع الاجتماعي) في كيفية تفسير النظرية السياسية.
– إعادة تأطير وإعادة صياغة النظرية السياسية التقليدية في ضوء القضايا النسوية (خاصة المساواة بين الجنسين).
– دعم تبني المساواة بين الجنسين في العلوم السياسية.
جدير بالذكر أن النظرية السياسية النسوية توجد به وجهات نظر مختلفة ناتجة عن أنواع مختلفة من التحليلات، منها الماركسي والاشتراكي والليبرالي، وغيرها.
السبب الرئيسي لاهتمامي بها كان بحثاً قمت به في مرحلة الماجستير حول المشاركة السياسية للمرأة في الوطن العربي، حيث جاءت نتائج الدراسة مخيبة للآمال على الرغم من وجود خطاب نسوي قد يبدو ناجحاً. أوضحت الدراسة أنه ما تزال أمامنا طريق طويلة على مستوى النظرية والممارسة السياسية (النسوية).
** في رأيك، ما الذي يدفع الرجل المثقف والكاتب إلى تبنِّي أو على الأقل مناصرة ودعم الأفكار النسوية والدفاع عن حقوق النساء وحقهن في المساواة؟
– مناصرة ودعم أفكار المساواة بين الجنسين هي أمر ليس جديدا على المفكرين أو الكتاب في كل حضارات العالم. ومن بين الفلاسفة الذين تبنوا هذا التوجه تاريخياً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الفرنسي شارل فورييه (1772–1837)، والانجليزي جون ستيوارت مل (1806-1873). ويمكن القول عموماً بأن مناصري حقوق الإنسان يناصرون حقوق المرأة، فليس هناك تعارض من وجهة نظري بين حقوق الإنسان وحقوق المرأة. ولا أرى ضرراً يقع على الرجل من حصول المرأة على حقوقها، فهي بالأساس حقوق وليست منح. بل إن عدم حصولها على تلك الحقوق يعني ضمناً أن هناك جوراً من جانب الرجل.
** كتاب «مملكة الأمل: تجارب من جلسات الدعم النفسي» احكي لنا عنه؟
– جزء من عملي كمستشار تعلم (Learning Consultant) بالخليج – وبعيداً عن الترجمة – كان إجراء جلسات كوتشنج مهنية (للتعلم المهني والوظيفي بالأساس)، حيث أقدم الإرشاد والتوجيه لموظفين من مختلف التخصصات في التطور الشخصي والمهني. ثم تطور الأمر لاحقاً إلى جلسات كوتشنج للحياة، وجدت فيها ثروة حقيقية من تجارب وخبرات الإحباط التي تحولت مع النقاش والتحليل والدعم إلى قصص لبلوغ الأمل. ووجدت أنه من الممكن إخراج تلك التجارب في شكل حكايات واقعية بأسلوب أدبي بها كثير من العبر والحلول أحياناً. اقترحت الأمر على عدد من الحالات فوافق بعضهم على الفكرة. وبدأت في تحويل ملاحظات الجلسات إلى نص سردي، بحيث تحمل كل حكاية فكرة أو أفكار أساسية تصب في مسألة التشبث بالأمل. عدد من هؤلاء الأبطال تربطني بهم الآن علاقات طيبة جداً. هي تجربة جديدة في الكتابة لا تتبع كثيراً الأسلوب النمطي في تصنيف الأعمال الأدبية عموماً.
** لديك مجموعة قصصية بعنوان «بنات أفكاري»، من أين تستمد أحداث وشخصيات قصصك من الواقع أم يلعب الخيال دورا كبيرا في رسمها؟
– مجموعة «بنات أفكاري» كانت أول عمل لي، وهي مجموعة قصص أبطالها شخصيات حقيقية لكن الأحداث في كل منها خيالية، لكني أكثر تركيزاً الآن على العمل البحثي والترجمات الفكرية.