“أخوكم إنضرب عِبّ باريسي”!
نقول في اللهجة السامرائية ” دير بالك لا تنضرب عِبْ” , و “دير بالك على جيبك” و ” إنهف عِبْ” و ” إنضرب جيب” و ” دير بالك من النشالة”, وتقول “إنضربت عِبْ أبو النعلجة”.
وقد يقرّعك أحد الوالدين بالقول ” مخنث ضربوه عِبْ” !
والمقصود أن يأتي أحدهم ويخطف من جيبك ما فيه , خصوصا أثناء الزحمة , وأظنكم تحترسون من “النشّالة” في غمرة الإزدحام.
وما كنت أعرف أن في باريس “نشّالة” , وعليك أن تحترز وتتحذر منهم , والعجيب في الأمر أن معظم نشّالة باريس شابات ولديهن لعبة مغرية تسمى “لعبة الحلقة” أو ” مصيدة الحلقة”.
فأثناء تجوالك في شوارعها وساحاتها المعروفة , خصوصا قرب دار الأوبرا , تصادفك إحداهن وقد إنحنت أمامك قائلة: “يا إلهي إنها حلقة ذهبية”!
وتحملها لماعة صفراء متوهجة , ما بين السبابة والإبهام , وتضيف: “هل تعود إليك؟ , إنها حلقة ذهبية”!
وتقوم بهذه الحركة التمثيلية الإغرائية بإنفعالية تمتلك إنتباهك بالكامل وتقطعك عن محيطك , وما أن تبدأ الكلام معها , وتقترب منك , فأن عليك أن تتفحص جيوبك , لأنها حتما قد خطفت منك شيئا بحركة سحرية لا تخطر على بالك.
فتذكرت نشّالة سوق الغزل , الذين يخطفون الطير من القفص بسرعة مذهلة , ويبيعونه للآخرين , وقد شاهد هذا الخطف السحري في سوق الغزل أيام كان سوقا.
أما أن يتملكني شعور التجوال في سوق الغزل وأنا في باريس , فهذا ما لا يخطر على بال.
وكما قلت لكم لابد من فحص الجيوب , فهل خطفت شيئا مني؟
تصورت في البداية أن لا شيئ قد سُرق مني , لأني إعتدت في سفري أن أضع ما هو مهم تحت ملابسي , والأشياء الأخرى في جيوب يصعب الوصول إليها إلا بالقوة.
لكن هذه الفتاة قد خطفت من جيوب بنطالي الخلفية شيئا , إنها أوراق ملاحظاتي , التي أسجل فيها بعض الأفكار وأبيات الشعر , لكنها مكتوبة بالعربية , ولا يوجد بينها نقود , فرمتها بعد خطوات , فحظيت بجمعها وأنا أخشى أن يُخطف شيئا آخر مني!
تأملت الفتاة التي تبدو بمظهر جذاب , يخدع الناظرين , وقلت لنفسي وكأنني أخاطبها : “ماذا تجدين في جيب العراقي الذي ضُرِبَتْ جيوب وطنه ألف عِبٍّ وعِبْ , وما عاد يحوي إلا الأوراق التي يكتب فيها كلمات لا تطعم من جوع ولا تؤمن من خوف”؟
“كلها تضرب عِبْ , وتضرب جيب”, “والوطن المسكين جيوبه ما تفرغ , مثل الناعور يملي ويبدي بجيوب النشّالة”.
سألت بعض الأخوة , فقالوا إنهم “الجبسي” , يأتون من دول أوربا الشرقية ويعسكرون في ضواحي باريس ببيوت من الصفيح , كالتي إنتشرت على قارعة شارع الجمهورية في مدينةٍ كانت تُسمى “مدينة السلام”!!
“شنو القضية يا معوّد “؟!
“خليهم يضربون ضربتهم “!!
“حتى في باريس , ما يسلم العراقي من ضرب العِبْ”؟!!
“هسه إشجابج عليه , لو ضاربلي بير نفط عِبْ , جان افتهمنا”؟!!
ومضيت أتأمل مسرحيات ضرب العِبْ الباريسية , في ميادينها المكتظة بالسائحين!!