18 ديسمبر، 2024 11:49 م

لقد كان منتظرا ومأمولا أن تكون زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأولى للعراق، والملك عبد الله بن الحسين، فرصة لتثبيت الموقف العربي الحازم والحاسم من الاحتلال الإيراني، والرفض الصريح لكل تعدياته على الحرية والكرامة والسيادة في العراق، وعبث مليشياته بأمن الملايين العراقية، وبأمن دول الجوار.

خصوصا وأن الذي يستضيفهما هو رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، العائد لتوّه من ديالى، بعد أن أدى فرائض الطاعة لجيش الحشد الشعبي وهو يستعرض، أمامه، دباباته ومدافعه وأسلحته المتطورة الأخرى التي أراد بها أن يُبلغ الجيش الوطني العراقي والقائد العام للقوات المسلحة والحكومة والبرلمان والقضاء باختفاء الدولة العراقية بعد مئة عام، بالتمام والكمال، من عمرها القصير.

وبدون كلام كثير، إن هذه القمة ولدت ميتة، لأن أحد أضلاعها الثلاثة عاجز وغير مؤهل لمحاورتهما، ندا لند.

فالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يملك وحده الكلمة العليا في الدولة المصرية، ويَقدر، وحده، أن يناقش أية أمور سيادية عليا وكبرى مع نظرائه في الدول الأخرى، وأن يتخذ فيها القرار النهائي، نيابة عن مئة مليون مصري، دون أن ينتظر موافقة دولة أخرى داخل الدولة المصرية، أو خارجها. فليس في مصر حشد شعبي، ولا لمصر جارة كإيران.

والملك عبد الله بن الحسين، ملك الأردن، هو الآخر، صاحب قرار، ومن صلاحياته أن ينوب عن الحكومة الأردنية، وعن البرلمان، والجيش، والشعب، وأن يتخذ القرار الذي يرى فيه مصلحة المواطن الأردني في حاضره وفي غده القريب أو البعيد.

أما الجالس في المقعد العراقي في قاعة الاجتماع، صاحبُ الوعود التي لا تنفذ، والسياسات العشوائية الارتجالية، والشكوك التي تجعله واحدا من الولائيين المعتمدين لدى النظام الإيراني ومليشياته، فلا يصلح لأن يكون نائبا حقيقيا عن أربعين مليون عراقي، وقادرا على اتخاذ القرار الوطني المستقل، خصوصا إذا تضمنت الحوارات قضايا مصيرية عليا من مستوى توحيد المواقف من مسائل الأمن الوطني والقومي الأكبر من الربط الكهربائي، والأبعد من تبادل بعض المصالح الاقتصادية الأخرى. فليس مسموحا للجانب العراقي أن يتجاوز  حدوده المرسومة بعناية.

ومن البيان الختامي الذي صاغه وأعلنه مكتب الكاظمي تبين أن القمة شغلت نفسها بالاقتصاد والقضايا الهامشية الأخرى، ولم تقترب من أصل المشكلة. 

فهي لم تمس ملف الاحتلال الأجنبي للعراق، ولا وجود مليشيات أقوى من جيش الدولة، ولا هيمنة إيران على مفاصل الدولة العراقية، ولا مشاركة مليشيات عراقية مرتبطة بإيران في الحروب الجارية في سوريا ولبنان واليمن، ولا التدخل الإيراني في شؤون دول عربية حليفة لمصر والأردن، رغم أن هذه هي أهم الأخطار التي هددت وتهدد الأمن الأردني والمصري، في الصميم، والأمن العربي القومي، بشكل عام، وبدون التصدي لها فإن أية قمة عربية ستكون فاشلة لا محالة، ولا داعي لعقدها.

وباستعراض البيان الختامي الذي تضمن 28 فقرة يتضح أن زبدة القمة تركزت في الفقرات المتعلقة بـ “تكامل الموارد وتوفير كافة التسهيلات الممكنة لزيادة حجم التبادل التجاري بينها، وتعزيز الجهود في المجالات الصحية والصناعية والدوائية”. و”ضرورة تعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث، وربط شبكات نقل الغاز بين العراق ومصر عبر الأردن، وإتاحة منفذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر من خلال المضي باستكمال خط الغاز العربي، وإنشاء خط نقل النفط الخام (البصرة-العقبة)”.

ومن الطبيعي والمنتظر والمتوقع أن إيران، وهي الحاكمة المطلقة في العراق، لا تمانع في إقامة مشاريع استثمارية من هذا النوع، أو تبادل خدمات أو بضائع بين دولة الحشد الشعبي وبين مصر، خصوصا إذا كانت تلك المشاريع تُؤمّن لها تحييد مصر في حربها المذهبية التي تخوضها، مباشرة أو بالواسطة.

كما أن قمة بهذه المواصفات تنفع وكلاءها العراقيين، وتساعدها على إلهاء الشعب العراقي وصرف نظر الغاضبين من شباب الانتفاضة عن المسائل الحيوية الأهم، من قبيل رفض الاحتلال ومواجهة الإرهاب الداخلي المتمثل بالاغتيالات والفساد، خصوصا في فترة الأشهر القليلة التي تفصلهم عن الانتخابات القادمة المتوقع أن تكون، كسابقاتها، غير صادقة وغير نزيهة.

يقول البيان الختامي لقمة (الشام الجديد) إن المجتمعين “أعربوا عن أهمية التنسيق الأمني والاستخباري بين الدول الثلاث لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات، ومواجهة كل من يدعم الإرهاب بالتمويل أو التسليح أو توفير الملاذات الآمنة والمنابر الإعلامية، مشددين على أهمية استكمال المعركة الشاملة على الإرهاب”.

تُرى، إذا لم تكن إيران هي الداعمةَ الأولى للإرهاب، تمويلا وتسليحاً، وبتوفير الملاذات الآمنة والمنابر الإعلامية، فمن تكون تلك التي يريدون مواجهتها إذن؟.

شيء آخر. بمجرد انتهاء القمة رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بـ “الزيارة التاريخية” للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس الأردني الملك عبدالله الثاني الى العراق، ووصفتها بـ “الهامّة التي تساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي”.

ونسأل هل هذه القمة جهدٌ مبيَّت ومدبر لفرض الحضن العربي على العراق، فرضا، من أجل انتزاعه من الهيمنة الإيرانية بقوة النفط والغاز والكهرباء والفواكه والخضار، أم هي موافقة ضمنية أردنية مصرية بتبعية العراق لإيران، وقبول عملي مصري أردني بالتفاهم والتعاون وتبادل المنافع مع الدولة التي تحكمها المليشيات، وبمباركة أمريكا وتشجيعها؟.