تتصاعد الصيحات الرسمية والغير الرسمية في العراق هذه الايام وخاصة رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح في تشكيل لجنة للمطالبة باستعادة الأموال المنهوبة من الخارج، التي تورط فيها رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء ولم يكن هو ببعيد عنهم ويتحمل جزء من وزر تلك الاموال المنهوبة ورجال أعمال ومسؤولون محليون، محسوبون على النظام والحكومات التي تعاقبت في ادارة امور البلد ، والتي تحتاج الى دعم المؤسسات المالية والرقابية الحازمة ، وتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وتوافر الإرادة السياسية للدول المنهوب أموالها وأملاكها وآليات المساعدة من قبل بعض الدول وخاصة العربية منها و أن التحرك الدولي هو الطريقة الأفضل لاسترجاع الأموال المهربة والتي تقدر نحو 500 مليار دولار أميركي، تكون باللجوء إلى إتفاقية غسيل الأموال لعام 2005، والتي وقّع عليها العراق عام 2007، وكذلك بالتعاون مع الجانب الأميركي وفق المادة 28 من الاتفاقية العراقية – الأميركية لسنة 2008، وأيضاً وفق المادة 50 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد حق الدول التي تحارب تنظيمات موضوعة تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، طلب مساعدة الأمم المتحدة وهي حالة العراق الذي كان يحارب تنظيم الدولة (داعش) الموضوع تحت الفصل السابع بموجب القرار 2170 لسنة 2014. وهذه الاموال يجب ان تشمل المادية أو غير المادية، ومنقولة أو غير المنقولة، نقدية أو عقارات أو أسهم شركات أو حقوق عينية ذات قيمة مالية، والمستندات والصكوك القانونية التي تثبت ملكية تلك الاموال أو وجود حق فيها جرى الحصول عليها من قبل اشخاص طبيعيين أو معنويين بطرق غير قانونية من أموال وموارد الدولة. ويدخل في ذلك العملات بجميع انواعها المحلية أو الأجنبية والاوراق المالية والاسهم والسندات والكمبيالات أو أية فوائد أو أرباح عوائد من هذه الاموال أو القيمة المستحقة منها أو الناشئة عنها.
كما يشمل التعريف أموال الدولة المستحقة من الرسوم الضريبية أو الجمركية التي تهرب من سدادها أشخاص نافذون طبيعيون أو معنويون أو تم دمج هذه الاموال في مشاريع استثمارية، على نحو يزيل أي لبس قد يشوب تفسير الاموال المنهوبة (المهرية) وارتباطها بعمليات النهب في الظروف الاستثنائية فقط، بعيداً عن مفهوم الجريمة المنظمة التي تعد أحد مظاهر الفساد وغسل الاموال. ويشمل ذلك الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، جرائم الشرقة، والاختلاس، والاستيلاء على الأموال بوسائل احتيالية أو إساءة الامانة.
لسنا من باب التشائم واليأس انما من باب قول الحقيقة ننقل لكم ماجاء في صحيفة صحيفة “هيرالد سكوتلاند” البريطانية، قالت في تقرير لها ، إن هذا البلد “العائم على بحر من النفط كان يفترض ان تكون عملية إعادة إعمار بنيته التحتية التي دمرتها الحرب قد تمت، واستعاد اقتصاده عافيته “وهذا الذي لايرغب اليه من هم ابتلعوا ولازالوا خيراته لا في الداخل ولا في الخارج لكي يعود العراق لعافيته ، أن هناك تحديات تواجه الجهات الرسمية المعنية باستعادة تلك الأموال، ومنها غياب الخريطة المعلوماتية التي لا وجود لها بشأن أموال وأملاك كبار مسؤولي بالخارج، وتعدد مستويات التعامل مع الجهات المعنية باستعادة الأموال بما يجعلها عملية معقدة، وغياب آلية التصرف في الأموال التي يتم استعادتها كي لا تهرب او تختلس مرة اخرى،
كما تسعى الحكومة وحسب ادعائها إلى استرجاع الأموال التي سلبها الحكام والمسؤولين لكن هذه الدكتاتوريات الحالية أحاطت حساباتها السرية بطوق متين من السرية، ما يصعب هذه الجهود. في ظل الدولة العراقية الحالية الضعيفة والغير قادرة على ادارة الداخل فكيف بها ان تسترد الأموال المنهوبة خارج العراق والتي تقدر بمليارات الدولارات وتمت التحويلات من طريق شخصيات متنفذة في مصدر القرار، وما زالت تملك نفوذاً في الحكومة، والأخيرة غير قادرة على التعامل معها قضائياً وملاحقتها قانونياً لغاية الآن.
فما هي الطرق للوصول إليها في ضوء استمرار الفساد الداخلي في الدولة و عدم وجود ارادة السياسية الكافية للقوى الحاكمة في العراق لتتبع تلك الأرصدة ولانها هي المتهم الاول والاخر في تلك العمليات المشينة ،في ضرورة توفرها على الآليات المناسبة في نظامها القانوني الداخلي لتذليل العقبات التي قد تنشأ عن تطبيق قوانين السرية للمصارف.
هناك عوائق أخرى تتصل بقوة تحالفات لوبيات في الدولة وإدخال أموالها في صورة مشروعات واستثمارات أجنبية ضخمة في دول متفرقة وتحت أسماء وعناوين مستعارة، واختلاف طريقة تطبيق الدول الموجودة بها الأموال المنهوبة للائحة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تم المصادقة عليها في عام 2005، وإن كانت هناك خطوات لازالت اولية ، لكنها لا تمثل إجمالي أموالها المنهوبة والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات .
في ظل غياب الثقة المفقودة اليوم بالدولة بنظامها و بالطبقة السياسية الحاكمة من جرّاء حقيقة وجود الفساد في الدولة كما يُعترف بها بكل صراحة من قبل اعلى مراتب الدولة . وهي تدعي انها تقوم بخطوات لمكافحة الفساد والفصل الأساسي منها إقرار القوانين اللازمة في هذا الإطار. لكن هذا لا يكفي عملياً لانها ترتطم بالتطبيق و لأنّ ذلك يتطلّب أن يقوم القضاء بواجباته وكذلك الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، فمجلس النواب يسنّ القوانين لكن على القضاء تطبيقها”وفي نفس الوقت عملياً هو يقف في كثير من الأوقات عائق امام تنفيذها و تنفيذ هذه القوانين مرتبط بصدق العمل المفقود حتى هذا التاريخ و لم تنفذ مضامينها بشكل فعال بمنأى عن أي ضغوط أو تدخل ، وعليه، من البيّن أن من شأن إقرار قانون كهذا في ظل نيابات عامة وقضاء يحتاج باعتراف المجلس النيابي نفسه أن يبقى من دون أي تأثير. وليس أدلّ على غياب الإرادة السياسية في تنفيذ القانون و تعجيل النظر في اقتراح استقلال القضاء، لجهة أن مسألة استقلال القضاء خارجة عن مثل هذا الموضوع و انه من دون قضاء قادر التنفيذ بعيد عن المحسوبية والمنسوبية ومجرد من الحسابات الطائفية والعشائرية والمناطقية والسياسية لا يمكن الاستمرار باجراء إصلاحي واحد مهما تطورت القوانين ، فيما تتيح استقلالية القضاء الدخول إلى عمل واسع من الإجراءات والقرارات التي تفضي في النهاية إلى تعميق الاصلاح واسترجاع الاموال المنهوبة …ولو بعد حين…