-1-
الناس ثلاثة :
مَنْ يختص (بالاخذ) دون أنْ (يُعطي) شيئاً فذلك هو الحقير اللئيم .
ومَنْ (يأخذ) و(يُعطي) فذلك هو السويّ السليم .
ومن (يُعطي) و(لايأخذ) فذلك الكبير العظيم .
-2-
ومن الواضح :
إنَّ المجتمع كلّما ازدادت فيه نسبةُ المُدركين لوظيفتهم الاجتماعية في البذل والعطاء، وبمقدار ما يأخذون في – أقل التقديرات – ازدهرت أوضاعه العامة، وانتعشت أحواله الخاصة ….
-3-
ومشكلتنا اليوم
أننا أمام نرجسية مفرطة، تأبى الاّ الأخذ ومن دون عطاء على الاطلاق …
تجد ذلك في معظم أصحاب الكراسي المنغلقين على أنفسهم ومصالحهم ، فاذا تجاوزوها، لم يَتَعَدوْا الأبناء والأقارب والأصهار والانصار، أما باقي المواطنين ، فانهم في طي النسيان وليكن بعد ذلك الطوفان ..!!
-4-
ونتيجة الاستهانة (بالمواطنة)، وبروز معادلات جديدة تقف على راسها المحاصصات الحزبية والطائفية والقومية والمناطقية …. فان منسوب عطاء المواطنين للوطن وأبنائه انخفض هو الأخر .
والبادئ أظلم – كما يقولون –
-5-
ولم تبق هناك الا ثلة قليلة يمكن أنْ نطلق عليها اسم (الصفوة) ممن لايفكرون بالأخذ على الاطلاق، بل هم مشاريع انسانية وطنية، لاتريد جزاءً ولا شكوراً، على ما تمارسه من أدوار في الحياة العامة وما تؤديه من خدمات جلّى للبلاد والعباد .
-6-
وتقف المرجعية الدينية العليا على رأس هذه الطبقة المتميزة .
وتضم أيضاً رموزاً من الرجال الوطنيين المخلصين، الذين آثروا أنْ يعيشوا داخل الوطن يشاركون أبناءه الضراء والعناء ، وبمقدورهم ان يعيشوا في عواصم آمنة توّفر لهم من عناصر الأمن والسلامة والراحة، أحسنها وأعلاها، ولكنهم يرفضون ذلك حباً للوطن والمواطنين، وسعياً منهم للأسهام بشرف الخدمة العامة .
-7-
والملاحظ :
ان هناك عزوفاً رسمياً كاملاً عن التوّجه الى هذه الشريحة بالذات ..!!
إنّ الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف –وهم محترفو التزلف والتملق والانتهازية – والكثير ممن كانت لهم مواقعهم المعروفة في ظِلّ الدكتاتورية البائدة ،هم الذين يطلّون برؤوسهم في المشهد السياسي الراهن حتى لكأنهم العملة النادرة ..!!
أليس عجيباً ان يُزهد في أصحاب المناقب والتجارب، ويُعتمد أصحاب السوابق والمثالب ؟!
-8-
وليس واضحاً ما هو السبب الذي يكمن وراء ذلك ؟
أهو الحس الوطني الأصيل، الذي يرفض بموجبه هؤلاء الاشراف، التحول الى “نادي المولعين” بتلميع صورة السلطان والدعوة الى استنساخه ؟!!
أم هو الصدق والصراحة في التأشير على المنعطفات الخطيرة ، والثغرات الكبيرة في جدار الممارسات الرسمية الفعليّة ؟
أم هي الرغبة في الانفراد بالقرار انطلاقاً من الشعور الراسخ، بالقدرة الذاتية على صنعه، على أحسن وجوهه دون مشاورة الآخرين ؟
أم هو مجموع هذه العوامل ، مضافا الى اسباب مجهولة أخرى ؟!!
-9-
وبمرارة كبرى نقول :
ان العراق الذي استنارت الدنيا بحضارته، واستمدت من ينابيع عطائه الفكري والعلمي والاخلاقي والروحي، لايليق به على الاطلاق، ان يكون رهين قرارات أحادية أثبتت التجربة الراهنة أنها قرارات عاجزة عن تأمين السلامة لابنائه، كما انها عجزت عن إخراجه من عنق الزجاجة .
-10-
اننا اذ نقترب من موعد الانتخابات النيابية العامة – التي ستجري في اواخر نيسان من العام القادم – لابُدَّ ان نذّكر بوجوب التغيير، وضرورة توجه المواطنين الى صناديق الاقتراع، لاختيار الاكفاء المهنيين المخلصين، وإلاّ فانّ دورةً جديدة من الشقاء والعذابات، ستلفنا جميعاً وعندها لن ينفع الندم.
[email protected]