خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة تقوض وجود الأحزاب المعارضة في “تركيا”، وافق قضاة المحكمة الدستورية التركية بالإجماع، أمس الأول، على نظر قضية تتعلق بطلب لحظر نشاط “حزب الشعوب الديمقراطي”، المعارض؛ الموالي للأكراد، حسبما أفادت وكالة (الأناضول) التركية الرسمية للأنباء.
ويتهم الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، “حزب الشعوب الديمقراطي”، بأنه امتداد لـ”حزب العمال الكُردستاني”، المُصنف كتنظيم إرهابي من جانب “تركيا” و”الاتحاد الأوروبي” و”الولايات المتحدة”. وينفي “حزب الشعوب الديمقراطي”؛ هذه العلاقات.
طالب بفرض حظر دائم للحزب..
وفي أوائل حزيران/يونيو الحالي، رفع المدعي العام في أعلى محكمة تركية؛ دعوى قضائية منقحة أمام المحكمة الدستورية؛ يُطالب فيها بحظر “حزب الشعوب الديمقراطي”، بعد أن تم رفض الدعوى الأولى، في آذار/مارس 2021، بسبب أخطاء إجرائية. وذكرت (الأناضول) أن لائحة الاتهام المكونة من: 850 صفحة تتهم الحزب بالانفصالية؛ علاوة على تهم أخرى.
وطالب المدعي العام بفرض حظر دائم على الحزب ومنع 500 شخص من النشاط السياسي. وقال المحامي، “مافيس أيدين”، لوكالة الأنباء الألمانية، (د. ب. أ)، إن المتضررين لا يدركون أنهم استهدفوا؛ وأن الحزب لا يعرف من هم أيضًا، لأنه لم يطلع على لائحة الاتهام. وأفادت (الأناضول) بأن المحكمة الدستورية رفضت طلبًا بتجميد حسابات مصرفية.
قرار ذو دوافع سياسية..
ووصف “مدحت سنجار”، الرئيس المشترك لـ”حزب الشعوب الديمقراطي”، قرار المحكمة بقبول القضية بأن له دوافع سياسية، واتهم الحكومة التركية بالتحريض على حزبه. وأشار إلى هجوم على مكاتب الحزب في “إزمير”، يوم الجمعة، قتل فيه أحد الموظفين.
وأوضح إن الحكومة حولت الحزب إلى هدف، مضيفًا أن لائحة الاتهام لم تكتب بأيدي النيابة، بل أيدي القصر الرئاسي و”حزب الحركة القومية”، المتطرف، الذي يدعم حكومة “إردوغان”. كما قال إنه كان ينبغي على المحكمة الدستورية رفض القضية، حيث أنها بقبولها قد أضاعت: “فرصة تاريخية” لدعم الديمقراطية.
وكان حزب “الحركة القومية”، المنضوي في ائتلاف حكومي مع حزب “العدالة والتنمية”، الحاكم، قد طالب مرارًا؛ بحظر: “حزب الشعوب الديموقراطي”.
ويعتقد الخبراء أن القضية قد تستغرق الآن عدة أشهر. وسيصدر القضاة حكمهم بأغلبية الثلثين، مما يعني أنه سيتعين على 10 قضاة من بين 15 قاضيًا التصويت لصالح الحظر.
اتهامات بممارسة أنشطة إرهابية..
ويُشار إلى أن “حزب الشعوب الديمقراطي”، هو ثاني أكبر حزب معارض في البرلمان وحصل على: 11.7% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، قبل ثلاث سنوات. وهو يتعرض لضغوط منذ سنوات، ويقبع الآلاف من أعضائه في السجون بتهم تتعلق بالإرهاب. والرئيس المشارك السابق للحزب، “صلاح الدين دميرطاش”، مسجون منذ عام 2016.
ويرفض “حزب الشعوب الديموقراطي”، الاتّهامات الموجّهة إليه بممارسة “أنشطة إرهابية”، ويشدد على أنه ضحية اضطهاد بسبب معارضته لـ”إردوغان”. وأثار طلب حظر الحزب، قلق الدول الغربية؛ حيال سيادة القانون في “تركيا” الساعية لتهدئة التوترات التي تخيّم على علاقاتها مع “الولايات المتحدة” و”أوروبا”.
دعاوى كاذبة ومفبركة..
وتقول ممثلة “حزب الشعوب الديمقراطي”، في عاصمة إقليم كُردستان العراق، “ناهدة آرميش”، في تعليقها علي الخطوة التركية: “مع الأسف يبدو أن السلطة التركية تريد هذه المرة أيضًا، إغلاق حزبنا ومنعه، وكالعادة تحت دعاوى كاذبة ومفبركة، كالقول إننا إرهابيون وانفصاليون نهدد وحدة البلاد، في حين أن العكس صحيح تمامًا، فمن يهدد وحدة تركيا وينشر الانقسام والنعرات وسط المجتمع التركي، هو النظام نفسه عبر تحريضه على شعب بأكمله، وهو الشعب الكُردي الذي يُشكل تقريبًا ربع عدد سكان تركيا”.
مضيفة أنه: “طيلة سنوات طويلة والحكومات التركية المتعاقبة، تعمل مرارًا على حظر الأحزاب السياسية الممثلة لتطلعات الأكراد وعموم القوى الديمقراطية، وفي النتيجة فإن حظر عدة أحزاب قبلنا، ومنذ عقد التسعينيات من القرن الماضي؛ ولحد الآن، لم يتمخض عنه جديد، فالقضية الكُردية العادلة وعموم الديمقراطية والتعددية والشراكة والتنمية، لا زالت جميعها متفاقمة، وبلا حلول لها في تركيا”.
خيار عاجز يفتقد للدستورية..
موضحة أنه: “ما يعني أن خيار حظر حزبنا هو خيار عدمي وعبثي، وهو ينم عن العجز لا أكثر كوننا نجحنا كحزب، في أن نكون محورًا للحراك الديمقراطي المنظم في عموم تركيا، وليس فقط في المناطق الكُردية، ما يُفسر بطبيعة الحال هذه الهجمة الشرسة علينا، والتي تفتقر لأبسط المسوغات الدستورية والقانونية، فضلاً عن تعارضها مع ألف باء الديمقراطية، وسنرفض هذا القرار ونعمل على إبطاله، بكافة وسائل الطعن والنضال الديمقراطي والجماهيري السلمي ضده”.
وضعهم في طريق مسدود يفقدهم الحلول السلمية..
المراقبون المختصون في الشؤون التركية؛ يرون أن الأكراد في “تركيا”، رغم محاولتهم المشاركة في الحياة السياسية والبرلمانية، وحل قضيتهم وفق سياقات رسمية وقانونية، لكن سياسات الحظر والإغلاق المتكررة بحق أحزابهم الممثلة في “البرلمان التركي”، الواحد تلو الآخر، تضعهم في طريق مسدود، ما يفقدهم الأمل في خيارات الحل السلمي والمدني لقضيتهم، التي تُعد واحدة من أهم وأعقد القضايا المتفجرة في “تركيا”، منذ تأسيس الجمهورية، في العام 1923؛ ولغاية اليوم.
الخيارات الضاغطة تدفعهم للثورات العسكرية..
ويقول الباحث المختص في شأن تركيا، “جمال آريز”، أن: “هذه السياسة التركية المتشنجة والمناقضة للديمقراطية والتعايش والاعتراف بواقع التعدد القومي في البلاد، هي الخطر الأكبر على تركيا، وليس كما تدعي السلطات هناك من أن حزب الشعوب الديمقراطي، يُشكل خطرًا لا بد من محوه، وهذه السياسات المضيقة والضاغطة على الأكراد في تركيا؛ هي ما يدفعهم لخيارات الكفاح المسلح والثورات العسكرية ضد النظام التركي، طالما أن أبواب السُبل البرلمانية والسياسية والسلمية، توصد في وجههم مرة بعد مرة”.