يطرح تحديد الدائرة الانتخابية أو تقسيم الدوائر الانتخابية اعتبارات مماثلة فيما يختص بالغرض والقصد والتأثير في مجال فيه بعض المرونة . ويعد ( تمثيل السكان ) مسألة رئيسية لمفهوم الديمقراطية مثل فكرة المساواة في قوة التصويت ؛ فالمسألة هي هل المطلوب هو المساواة المطلقة أم أن المطلوب شئ قريب من المساواة المطلقة ؛ أم هل ستكون المساواة النسبية في قوة التصويت كافية . فمثلا ، قضت المحكمةالعليا للولايات المتحدة بأن شرط الحماية على قدم المساواة يعتبر مشروع تقسيم الولاية لدوائر في انتخابات الكونجرس غير دستوري لأنه أخفق في تحقيق المساواة بين الناخبين في كل دائرة ؛ وفي مثال آخر ، فإن تفاوت صغير يصل الى 6984 .0 في المائة يعتبرغير دستوري .
وهناك دول أخرى أكثر براجماتية ، تعترف بأهمية السكان ، وإن اعترفت أيضا بعوامل أخرى ذات صلة . فقرار المجلس الدستوري الفرنسي لسنة 1986 ، مثلا ، أكد معايير تحديد الدائرة الانتخابية التي تضمنت مبدأ أن اختلافات السكان في نطاق الدائرة الواحدة يجب أن لا تتعدى واحد في المائة من متوسط الدائرة . وفي المملكة المتحدة ، مطلوب من لجان الحدود أن ترسم حدود الدائرة الانتخابية بحيث تكون قريبة قدر الإمكان من متوسط الحصة الإقليمية . وأخذ قرار كندى في سنة 1989 بعين الاعتبار الانحرافات في رسم الدائرة الانتخابية في بريتيش كولمبيا ، حيث كان لها تأثير في تعزيز قوة التصويت في الريف . فالمحكمة اعتبرت ( المساواة في قوة التصويت هي العامل الوحيد بالغ الأهمية الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند تحديد الحدود الانتخابية ) ، وإن كانت تلك ( المساواة النسبية في عدد الناخبين لكل نائب ) مطلوب . واعتبرت المسوغات التي طرحتها الحكومة في هذه المناسبة غير كافية ، مع ذلك ، كانت هناك بعض حالات ( من الصعب فيها تبين مدى إمكانية توافقها مع مبدأ أن السكان يجب أن يكونوا المعيار الأول ) .
وفي الآونة الأخيرة ، أكدت المحكمة العليا الكندية أن الغرض من حق التصويت في القسم الثالث من الميثاق ليس المساواة في قوة التصويت بقدر ما هو حق ( التمثيل المؤثر ) ، الذي يعد فيه التفاوت النسبي شرطا رئيسيا ، وإن كان يتيح أخذ الجغرافيا ، وتاريخ المجتمع ، ومصالح المجتمع ، وتمثيل الأقلية في الاعتبار أيضا .
ولم تتبع نموذج الولايات المتحدة في المساوة المطلقة سوى بضع دول ، وإنما سعت بدلا من ذلك نحو جعل المقاعد التشريعية متناسبة تقريبا مع السكان . وألغت تغييرات الحدود في منغوليا لانتخابات سنة 1992 التحيز الريفي الذي شهدته انتخاب 1990 . وكان من المفروض أن يؤخذ ( التمثيل المؤثر ) في الحسبان عند إنشاء دوائر انتخابية جديدة لانتخابات أكتوبر 1991 في زامبيا ، وعلى وجه التحديد في المناطق التي تعاني من عوائق طبيعية وصعوبات خطيرة في الاتصالات . وعند وضع حدود الدوائر الانتخابية ، طلب إلى اللجنة الانتخابية أن تأخذ في اعتبارها ثلاثة معايير : مدى إتاحة وسائل الاتصال ، والمعالم الجغرافية للمنطقة ، وعدد القاطنين من السكان . وخولت أن تغير التطبيق الحر في حصص السكان حيث تكون هناك معايير أخرى تسوغ مثل هذا العمل . وأسفر ذلك عن تحيز ريفي واضح إلى جانب تغييرات جوهرية في عدد الناخبين ، يتراوح بين 376 , 6 صوتا في إحدى الدوائر الانتخابية و 379 , 70 صوتا في دائرة أخرى . ورغم أن كل الأحزاب قبلت هذا التحديد إلا أن مثل هذه التغييرات الجوهرية قد خفضت حتما كثيرا من الأصوات .
وفي حين يكفل مبدأ المساواة النسبية أن الأصوات تحمل بشكل أو بأخر قيمة متساوية ـ وهي اختلافات لها ما يسوغها من الناحية الموضوعية على أساس الظروف المحلية أو الإقليمية ـ فمن الواضح أنه لا توجد قاعدة تقدم النسبة المثالية لعدد السكان لكل نائب . ولقد اعتبرت المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية في تقييمها السابق على على إجراء الانتخابات ( بلغ إجمالي السكان 3.6 مليون نسمة ، وبلغ إجمالي الناخبين 1.7 مليون ناخب ) أن النسبة
1: 000 ,25 تعني تمثيلا ضعيفا . ومع ذلك يعتمد الكثير في هذا الشأن على الظروف المحلية . واقتصرت دوائر التصويت في انتخابات لتفيا لسنة 1990 على نحو 000 ,10 ناخب تقريبا ، واقتصرت تلك الدوائر في ليتوانيا وفقا لقوانين أكتوبر 1989 على النحو على 400 , 18 ، أما القاعدة في أيرلندا فهي عضو واحد على الأقل لكل 000 ,30 نسمة ، وليس أكثر من عضو واحد لكل 000 , 20 نسمة ، وكان معيار التمثيل في رومانيا في انتخابات سبتمبر 1992 نائبا لكل 000, 70 نسمة ، في حين أن متوسط حجم الدائرة الانتخابية في بنجلادش للانتخابات البرلمانية لسنة 1991 كان 631 , 207 نسمة ، وأن كل نائب من النواب المنتخبين في الصين بطريق غير مباشر والبالغ عددهم 978 , 2 نائبا ، يمثل 000 , 335 نسمة تقريبا ، ولن يعتمد مستوى التمثيل على السكان والجغرافيا فقط ، وإنما يعتمد على التنظيم السياسي إجمالا . فمثلا قد تفي الدول الاتحادية التي لها مجالس تشريعية عاملة ومؤثرة ، أو الدول الوحدوية ( المركزية ) ذات الأنظمة الحكومية المحلية والعالية التطور ، بالمستويات الدولية بمقتضى نسب منخفضة نسبيا من تمثيل السكان .
وتظل الطريقة التي تحدد بها الدولة حدود الدوائر الانتخابية ، من منظور القانون الدولي ، وليدة اختيارها الشامل لنظام الانتخابات إلى حد كبير . ويبقى الهدف العام واحدا ، ألا وهو ترجمة إرادة الشعب في حكومة نيابية . و مرة أخرى ، تكشف ممارسة الدولة والاختلافات البيئة بين الدول نفسها فيما يتعلق بالسكان والجغرافيا والتوزيع والموارد عن مجال الاختلافات الممكنة والمسموح بها . ومع ذلك ، تطرح الاختلافات الجوهرية في نسبة التمثيل السكان بين الوحدات الانتخابية عددا من الأسئلة . فمثلا ، هل للتباين تأثير في حرمان مجموعة أو مجموعات من السكان من حق الانتخاب ، مما يشكل مخالفة للمعيار الدولي لعدم التفرقة ؟ أو هل للتقسيم غير العادل تأثير سياسي ، أي التأثير في حصيلة الانتخاب ؟ وتطرح كلتا الحالتين إمكانية مخالفة القانون الدولي ، وإن كانت مخالفة ستحدد عادة في ضوء ما حدث بالفعل فقط.