12 فبراير، 2025 7:05 ص

أسرار وحكايات .. من زمن فات : قطز .. نصر واغتيال (2)

أسرار وحكايات .. من زمن فات : قطز .. نصر واغتيال (2)

خاص : بقلم – عبدالناصر محمد :

وصل الجيش المصري إلى “فلسطين” بداية الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان عام 658 هجرية / 1290 ميلادية، ومع بزوغ شمس يوم الجمعة اليتيمة، يوم 25 رمضان / 30 أيلول/سبتمبر، زحف عشرون ألف مقاتل مصري نحو “عين جالوت”.. ودقت طبول الحرب ضد “المغول”؛ الذين كانوا في أهبة الاستعداد للمعركة بجيش يقارب عشرون ألف مقاتل أيضًا؛ يقودهم القائد المغولي الشهير “كتبغا”، الذراع الأيمن للخان الأعظم، “هولاكو”، الذي أضطر للسفر إلى “إيران” في هذه الأثناء.

شعر “قطز” أن الرهبة دبت في نفوس جنود جيشه؛ فهم الآن أمام أكثر من أنجبتهم البشرية دموية ووحشية وسفكًا للدماء، من أستطاعوا بما يملكونه من جبروت وغلظة من استعمار ما يقرب من نصف العالم، فتوغل السلطان بين صفوف جيشه ممتطيًا جواده الأشهب مطلقًا صيحته الشهيرة: “وا إسلاماه.. وا إسلاماه”، وأخذ يدب الشجاعة والعزيمة والثقة بالنفس في نفوس جنوده وألهب حماسهم مما جعل كل منهم قوة لا تُقهر؛ فأخذوا يفتكون بأعدائهم وراحت سيوفهم البطارة تُذهق أرواح “المغول” وتحصدهم حصدًا؛ ورماحهم تتجه صوب أحشائهم؛ وسهامهم المسلولة تستقر في قلوبهم؛ فأنهمرت دماء “المغول” وأفترشت أرض المعركة وراح الجيش المصري يلقنهم درسًا في فنون القتال والحرب حتى تم سحق “المغول” وأنزلوا بهم هزيمة منكرة لم يتعرض لمثلها جيش حتى الآن، وأستردوا “بيت المقدس” من قبضتهم؛ وحاول قائدهم، “كتبغا”، الفرار لينجو بنفسه؛ غير أن الفارس المغوار والمحارب الشرس، “بيبرس”، كان له بالمرصاد؛ فتعقبه إلى أن سقط في يده ليقتله ويفصل رأسه عن جسده ويقتل معه أحلام “المغول” في مواصلة مشوار الاستعمار ويُبدد حلم وصولهم إلى “القاهرة”.

لم يتوقف السلطان المنتصر، “قطز”، عند هذا الحد؛ بل استمر في تعقب فلول الجيش المغولي، الذين فروا ليحتموا بأعوانهم وجيوشهم المنتشرة في بلاد الشام؛ إلى أن استطاع “قطز” وجيشه من طردهم من جميع أراضي بلاد الشام.

وبعد خمسين يومًا فقط، من هذا النصر المبين في معركة “عين جالوت”؛ وتحرير “بيت المقدس” من يد عشاق الدم، وبعد كل الفتوحات والانتصارات، وبعد تطهير أراضي “الشام” من القهر المغولي، وبعد أن تلقت الديار المصرية هذه الأخبار السارة، وإزينت ورفعت رايات النصر استعدادًا لاستقبال جيشهم العظيم وسلطانهم المنتصر؛ تم اغتيال السلطان المظفر، “سيف الدين قطز”، في واقعة لها عدة سيناريوهات؛ ولعل أكثرها واقعية وأقربها للحقيقة، ذلك السيناريو الخاص بقتل “قطز” على يد مجموعة من كبار أمراء “المماليك البحرية”؛ يرأسهم، “بيبرس”، ولذلك لعدة أسباب؛ منها: أن شخصية “قطز” تتسم بالغدر؛ وأنه سوف يقضي عليهم بمجرد وصولهم إلى “القاهرة”؛ لما بينهم من صراع منذ العداء بين قائده، “أيبك”، وقائدهم، “فارس الدين آق طاي”، فشرعوا إلى قتله عملاً بالمثل القائل: “نتغدى به قبل ما يتعشى بينا”، خاصة وأنه وعد، “بيبرس”، بإمارة “حلب”، ثم تراجع وأشاع أنه سوف يوليه على إقليم “قليوب” في “مصر”، عقب العودة لـ”القاهرة”.

وسبب آخر يجعل هؤلاء الأمراء يتجهون لقتل السلطان المظفر، “سيف الدين قطز”، وهو الإنتقام؛ فهو ومعه رجاله من قتلوا قائدهم، “آق طاي”، عام 654 هجرية، بإيعاذ من سيده السلطان، “أيبك”، وحاول قتلهم لولا فرارهم من “مصر”، ولذلك استغل أمراء المماليك، خروج السلطان المظفر، “سيف الدين قطز”، للصيد وهم في طريق العودة؛ وبعد أن عسكر الجيش بمدينة “الصالحية”، مكان تجمع الجيش عند الزحف نحو “عين جالوت”، لينقضوا عليه ويمزقوا جسده بسيوفهم؛ ليسدل الستار على قصة فارس عظيم.

قرر كبار أمراء المماليك، بعد إعلان خبر مقتل سلطانهم المنتصر، “قطز”، تنصيب، “بيبرس”، سلطانًا للبلاد، وأرسلوا مرسومًا بذلك لأهل بر “مصر” المحروسة.

وفي يوم موعود وصل الجيش المصري، المنتصر على “المغول”؛ ومحرر “بيت المقدس”، وعلى رأسه السلطان الجديد، ركن الدنيا والدين “الظاهر بيبرس البندقداري”، واقترب الموكب المهيب رويدًا رويدًا من “باب النصر” – الذي لم تغيره كل هذه الأزمنة – ليدخل السلطان شامخًا مرفوع الرأس ليجد الشعب في استقباله مصطفًا على جانبي الطريق فرحًا مهللاً مبتهجًا بالسلطان المنتصر على “المغول” (!!).. ولا عزاء للسطان القتيل، “قطز”، الذي أصبح مجرد صفحة من تاريخ مصر.. وإنطوت !!

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة