خاص: إعداد- سماح عادل
كوفيد 19 أثر على الحياة الاقتصادية وكان تأُثيره عليها كبيرا، ونظرا لأن الكتاب هم عمال في المقام الأول يسعون إلى جلب رزقهم، فقد كان التأثير عليهم مضاعفا، حيث كان تأثير الفيروس اقتصاديا واستتبع ذلك تأثيرا ثقافيا وعلى مستوى التفرغ للكتابة، ولم ينج من تأثير الفيروس الاقتصادي سوى من لهم أعمال ثابتة في مؤسسات الدولة، ولهم رواتب محفوظة أو لهم أعمال لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية والأغنياء طبعا، في حين ربحت شركات الأدوية والقائمين على جلب الفيروس واللقاحات الملايين.
لذا كان لنا هذا التحقيق الصحفي الذي يجمع آراء الكتاب والكاتبات حول تأثير العزلة العالمية بسبب الفيروس عليهم، وقد وجهنا لهم الأسئلة التالية:
– كيف كان تأثير ظهور فيروس “كوفيد ١٩”والعزلة التي صاحبته لمدة عام ونصف على الكتابة لديك؟
– هل أثرت العزلة على حركة الثقافة وعلى نشر وتوزيع الكتب خاصة مع قلة الفاعليات الثقافية من معارض كتب وندوات؟
الانترنت كسر العزلة..
تقول الكاتبة العراقية “زهراء حسن”: “لم يؤثر كثيرا وذلك بسبب أن بلدا مثل السويد لم يعتمد سياسة الغلق الكامل أو سياسة الحجر في البيوت، فقد بقيت أكتب الشعر، وكتابة الشعر لا تحتاج إلى مكان هادئ، حيث الشعر لا يعلن عن الحضور، يأتي بمزاجه الذي يقرره كيفما يشاء، في الليل أو في النهار أو عند إغماضة العين الأولى قبل الذهاب إلى النوم، فقط أستطيع القول أنه أثر على النفسية والمزاج، من حيث الأخبار السيئة المتعلقة بالفيروس ورحيل الكثير من الناس بسببه”.
وعن تأثير العزلة تقول: “نعم أثرت العزلة على حركة الثقافة، حيث أصبحت الندوات الثقافية تقام في الانترنت، وصرنا لا نلتقي وجها لوجه وبهذا فقد الجانب الاجتماعي وهجه، ولكن هناك ناحية إيجابية ظهرت في هذا الوقت، حيث الجميع يستطيع الحضور والاستماع إلى الندوات، في السابق بسبب بعد الطريق وأحيانا الوقت الذي يتضارب مع وقت العمل لم نستطع حضور الكثير من الندوات، اليوم صار بالإمكان حضور ندوة ثقافية تبدأ في الساعة السابعة عن طريق الانترنت.
أما بالنسبة للقراءات الشعرية، سابقا كنت أذهب لقراءة الشعر في اتحاد الأدباء، لكن هذا النشاط اختفى بسبب الفيروس، وأثر كثيرا على القراءات الشعرية، الآن الانفراج بدأ واضحا، وربما في الخريف القادم سيعود كل شيء إلى مكانه. أما من ناحية نشر وتوزيع الكتب، ليست لدي معلومات كافية عن ذلك، غير أني سمعت أن الكثير من دور النشر توقفت عن الطبع، ولكنها بدأت تستعيد نشاطها الآن”.
وتواصل: “البدائل التي لجأ لها الكاتب كانت الندوات والمحاضرات الثقافية عن طريق المنصات الالكترونية، حيث يستطيع الكاتب اللقاء عبر الانترنت مع كاتب آخر في آخر الدنيا، هذه البدائل جيدة، وفي الحقيقية لم تكن عزلتنا كاملة، وذلك بسبب هذا الاختراع الجميل الكومبيوتر، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت سببا كبيرا للكتابة والتعرف على الآخرين، هي أيضا لعبت دورا كبيرا في كسر عزلتنا، لك أن تتخيلي كيف سيكون وضعنا لو جاء هذا الوباء قبل زمن الانترنت، كنا سنكون في حجر حقيقي وكانت الأمور ستكون أسوأ بكثير، الجميل أن في هذه المرحلة من انتشار الوباء، حيث الانترنت هو السند والمساعد في كسر وحدتنا”.
معاناة اقتصادية..
ويقول الكاتب اليمني “زياد القحم”: “باعتباري ممن يميلون إلى العزلة بين فترة وأخرى حتى في الظروف العادية فلم تكن تجربة الحجر الصحي مختلفة كثيرا، وعموماً الفترات التي ينقطع فيها الكاتب أو الكاتبة عن الناس تكون ثرية بإنجازات الكتابة، سواء كان هذا الانقطاع فعلاً اضطرارياً كحالات من تمنعهم أسباب صحية أو غيرها عن الخروج أو كان اختيارياً كحالات الانقطاع من أجل التفرغ لإنجاز أعمال معينة، أو كان بين الاضطرار والاختيار كما يحدث هذه الفترة التي ينقطع فيها الكثير من الناس عن الخروج من أماكن إقامتهم ضمن إجراءات الحجر الصحي المصاحب لتفشي وباء كورونا المستجد.
وفي كل الأحوال فإنها مناسبات جيدة لتجريب طريقة جديدة في الحياة أو ممارسة طقوس حياتية مختلفة، ومن أهم ما يمكن فعله هو ممارسة القراءة بما لها من قيمة إنسانية، وما تمنحه من ارتقاء في الذائقة والمعرفة، والأهم أن هذه الفترات تكاد تكون مواسم كتابة.
ربما الموجع أنها فترات مليئة بالإشكاليات الاقتصادية التي تترك آثاراً سلبية على الطبقات العاملة بسبب انقطاعها عن أعمالها، الكتاب والكاتبات والمؤلفون والمؤلفات ينتمون وينتمين في الغالب لطبقات عاملة متأثرة بهذا الوضع الصعب، تصبح هذه الفترة فترة معاناة، من النوع الذي لا يولد الإبداع، وهم يجدون الكثير من المتاعب في سبيل توفير لقمة العيش الكريمة.
ويضيف: “خلال هذه الفترة أثرت كورونا على الكتابة من زاويتين، الأولى أنها حضرت كموضوع، والثانية أنها قامت بإلغاء الفعاليات لكنها أسست أكثر للفعاليات الافتراضية عبر الانترنت، وباستخدام تطبيقات مختلفة لعل أشهرها هو الزوم، وشخصيا شاركت بمجموعة فعاليات محلية وعربية عبر تطبيق الزوم وأعتقد أنها كانت تجربة جيدة، ولعل هذا هو أبرز البدائل لفعاليات الواقع”.
نرسم بقعا من الضّوء والأمل..
وتقول الروائية التونسية “كلثوم عياشية”: “الكتابة بالنسبة إلي كالغناء فعل أمارسه في كلّ الأوقات وفي اعتى الحالات النفسيّة تطرفا فكلاهما متنفس. قديما وجدت في الصفحات ملاذا آمنا أسكب فيه مخاوفي وأحلامي وأرسم أعراشا لحدائق سريّة نائية. والكوفيد لفظ سمعته في البداية لم يغير الكثير من سلوكي اليومي لأني كائن مجهري يعيش عزلة اختيارية. ضممت القادم القاتل إلى فزّاعات حديثة فخخت نهارتنا بالأسئلة والفزع وقلت هو زائل لا محالة وأننا سنعود سريعا إلى تفاصيلنا.
فقد وجدنا الموت على أعتابنا في أنفلونزا الخنازير وجنون البقر والسارس وأنفلونزا الطيور التي حرمتنا أطباقا أثيرة وأحالت السّماء آفاقا معادية. ولما كانت الكتابة نظرا إلى الداخل بالأساس وتتبعا لأثر هذا العبور في الحياة اعتبرت الحجر الصحيّ فسحة غير متوقعة من الوظيفة، انزويت في البيت شهرين كاملين دون أن أغادره سوى مرة واحدة، وعدت إلى ترتيب شعث أوراق عديدة وأفكار. فأنا أكتب طوال الوقت ذهنيّا اخطّ وأمحو عشرات الأعمال التي ينجو منها القليل، ولم يكن شبح الموت المسكوب من الأخبار والشاشات ليتسلل إلى أحدها.
قلت ستتزاحم التّجارب التي ستخوض في هذا الوباء وستتناسخ منه وعنه أحاديث طويلة. أنهيت قصّة لليافعين ستصدر قريبا عن دار آفاق التونسيّة كما أنهيت روايتي الثانيّة التي أرجو أن تجد سبيلها الأنسب”.
وعن تأثير العزلة على الحركة الثقافيّة تقول: “من الواضح أن الكوفيد قد شلّ حركة العالم وفغر فاه يحصي قتلاه، والكاتب والمبدع بصفة عامة أكثر من تضرر بهذا السكون. فالواقع العربي يعرف أن الثقافة ليست من أولويات المواطن حيث يعتبرها البعض ترفا زائدا.
ألغيت ندوات عديدة وأحيلت حفلات لتوقيع كتب ومناقشتها على الانتظار. في حين أوجد البعض فسحة للقاءات متفرّقة اشترط فيها التّباعد. كما صدرت لبعض الأصدقاء كتب في مجالات مختلفة. كما حدّت التطبيقات الحديثة ووسائل التّواصل الاجتماعي من هذه العزلة إذ نظّمت لقاءات افتراضية تناولت نفس المسائل التي خطط للحديث فيها في الملتقيات.
والأهم من هذا أننا عدنا إلى النّشاط الأحب القراءة إذ قرأت مع بعض الأصدقاء عناوين ناقشناها وتبادلنا الآراء فيها. منحنا أجنحة لنرسم بقعا من الضّوء والأمل لن يعيقه الوباء بل سيمنحه خفقا جديدا لمقاربة تجربتنا الإنسانية فالموت واحد مهما غير ألبسته وأمعن في القبض”.
الحياة المؤجلة..
ويقول الكاتب والشاعر المصري وهو عضو عامل باتحاد كتاب مصر “ماجد أبادير”: “مما لا شك فيه أن هذا الوباء المستجد طالت أثاره كل شيء وبالطبع الثقافة. فكم ساهم ذلك الوباء في كم من الإجراءات سواء المقصودة أو غير المقصودة للوقاية من شره. فها هو معرض القاهرة الدولي للكتاب يخرج عن قضيب موعده السنوي ويتم تأجيله، وها هي انتخابات اتحاد الكتاب المقرر لها نهاية مارس 2020 تدخل عامها الثالث دون أن تتم. ناهيك عن العديد من الفعاليات المؤجلة والملغاة.
ويؤكد: “أما بالنسبة لما لجأ إليه الكتاب فهناك القراءة طبعا وتجهيز الكتب وخاصة بعد ظهور بارقة أمل في عودة معرض الكتاب والمقرر افتتاحه في نهاية يونيو الحالي إن شاء الله، وهناك كانت بالطبع مواقع التواصل الاجتماعي سواء من خلال النشر الالكتروني أو إرسال بعض الأعمال والمقالات للنشر الورقي.
وعلي المستوي الشخصي تمكنت بحمد الله من الانتهاء بشكل كامل من كتابي الرابع أشعار بالعامية المصرية “مالكيشي صور عندي” وهو عنوان قصيدة أهديتها إلي أمي رحمها الله احكي لها عما حدث منذ أن رحلت شابة في عقدها الثالث حتى الآن. بالإضافة إلي بعض المبارايات المنزلية لكرة القدم مع ولداي مايكل وجورج والتي دائما ما أكون الطرف الخاسر فيها.
وندعو الله أن يقينا شر هذا الفيروس ويقي العالم أجمع منه، وأن تعود الحياة إلي طبيعتها عن قريب إن شاء الله لنعيش الحياة وذلك أفضل من أن نكتب عنها.