18 ديسمبر، 2024 8:47 م

الأخضر بن يوسف .. وداعاً

الأخضر بن يوسف .. وداعاً

في موت شاعر كبير بقيمة سعدي يوسف ، ليس غريباً إن يتصدر الترند الأول في الميديا والاعلام والناصيات والمواقع ، منذ اللحظات الاولى للاعلان عن رحيله فجر يوم ١٢ حزيران ٢٠٢١ في عاصمة الضباب لندن ، وقد حملت وتقاطعت بعض الآراء والتقيمات حول أرثه ومواقفه السياسية تحيداً تجاه ما أصاب العراق في سنواته الآخيرة من أحتلالات وضياع وتشظي . وكانت بعض تلك الآراء والمواقف مجحفة بحق الشاعر الراحل سعدي يوسف وبعيدة عن الوقائع وقريبة الى الغبن والتشفي ، ولاسيما من بعض الأنفار ، كانوا يوم أمس من أبواق الدكتاتورية وحروبها وعطايا مهرجاناتها الشعرية ومداحي أم المعارك ، ومن بعض مروجيه الاحتلال الامريكي ودعاة الطائفية .

كتب الشاعر والمترجم العراقي محمد مظلوم -على صفحته في فيسبوك- بيتا من قصيدة يوسف، مستفتحا بها بيانا رثائيا يرثي به صاحب القصيدة:
أيها الموت لا تفتخر
وسلاما أيها الولد الطليق.
وقد تعرض الشاعر ” الشيوعي الآخير ” في سنواته الآخيرة الى حملة تشويه شنيعة بسبب مواقفه السياسية تجاه الاحتلال الامريكي للعراق ونظام الحكم الطائفي ، ولكن للتذكير لم يعد مخفياً على متابعي الشأن العراقي إنزلاقات الشاعر في بعض المواقف السياسية والتصريحات التي لا تناسب أرثه النضالي والشعري والفكري وتضحياته ، وقد أستغلها بعض الموتورين والمصابين بعمى الرؤية لصب جام غضبهم على مرحلة سياسية صعبة عاشها الشاعر ورفاقه . شكل الشاعر سعدي يوسف جزء مهم من وعينا الوطني والانساني في مرحلة مهمة من تاريخ العراق السياسي في طاحونة القمع والحروب وحكم صدام حسين . في مرحلة الجامعة في بغداد في مطلع الثمانينات ، كنت أحمل مع كتبي الجامعية أحد دواوين الشاعر سعدي يوسف مغلفاً بجريدة أو مجلة ، وذات مرة في مكتبة الأداب ، وأنا أتصفح ذلك الديوان رآني الشاعر صادق حسين صابر المقيم حالياً في باريس ، فصاح ديوان سعدي يوسف بصوت مسموع مما أرعبني في لحظتها ، وسحبه من أمامي من على الطاولة ، ورجوته حينها أن يكون الآمر بيننا ، خوفاً من عين الرقيب لأنها التهمة ستكون بمثابة أي منشور حزبي معارض آنذاك ، ولم يعيد لي صديقي الديوان . شكل الشاعر سعدي يوسف جوانب مهمة ومؤثرة في تاريخ ثقافتنا الوطنية ، ويعد أحد أهم رموز الشعر والثقافة في العالم العربي .

آخر ما كتبه قبل موته …

يردد حفيدي شهاب مقولته كل مساء

حين تهدأ غرفته ويكف ضجيج الممرات

” مامن بيت بنيناه يدوم ، والفراشة ما ان تخرج من شرنقتها حتى تموت ”

بعد ايام يوارى الثرى

لندن اقرب لي من بيوت الطين في حمدان

معلقة على سعف النخيل

مازالت عذوقها محملة بالرطب

ومازال الفتى سعدي يقطع شارعها

المغبر في عز الظهيرة .

ماذا تريد ايها الأخضر وقد ذويت

الجزائر بحر لا تسعه السماوات

والبصرة سماء اطبقت على اليم

لن ترتوي بعد هذا النأي بماء شط العرب .

…………………………

في اول الليل زارني امرؤ القيس

وخلفه كان ريتسوس يقرأ معلقة

قفا نبكي …

لماذا البكاء يا صاحبي ؟

الفجر منطلق القصيدة

والذكريات جميلة

أمرها اجمل من ساعة منفى

وانا مثلكم

تائه ربما ، لكني اذكر علامات الطريق

قد نلتقي مرتين

مرة في القصيدة وأخرى عند مصب النهر

هل ادرك السياب قنطرة على نهر بويب

ام ظل في منتصف الطريق

يصحح آخر بيت من قصيدته

انت الغريب على الخليج يوما

وانا الغريب سنوات عمرك كلها يا بدر

هل نلتقي تحت السدر ام تحت النخيل ؟

قريبا سينبلج الفجر

وترحل روحي في هدوء

هل تسقط الراية الحمراء

ام تبقى يدي معلقة بها

ونرحل في سماء الفجر

آه يالوني المفضل

بغداد تمر بخاطري

حمراء هذا الفجر

مثل اليمامة ،

مذعورة ، تحيط صغارها …

يكفي

فقد تعبت من لون الوسادة والشراشف

خلف الستائر ينتظر الأحد

هيا … هيا الى مرعى السماء .

الحملة التي تعرض لها الشاعر سعدي يوسف بعد مماته ونبش قبره تحمل في طياتها أبعاد عميقه حول الشخصية العراقية وادارة الصراع وروح الانتقام ، حيث لا أحد فوق لغة النقد ومن حق الجميع ان يلوم وينتقد لكن ما تعرض له سعدي خارج هذا السياق ، وكيف أذا كان ميتاً .