“الميليشياوية” .. سرطان يتشعب في جسد الدولة الأفغانية لإضعاف الجيش والأمن !

“الميليشياوية” .. سرطان يتشعب في جسد الدولة الأفغانية لإضعاف الجيش والأمن !

خاص : ترجمة – د. حسني متولي :

يُطلق لفظ “الميليشيا”، أو التنظيمات شبه المسلحة، في أوساط العامة؛ على فصيل من العناصر التي تستخدم في إطلاق الحروب. وتشرف هذه الميليشيات على تجنيد العوام دون تدريب كافٍ، بغرض رفع مستوى صعوبة أجواء الحروب. وتستفيد الحكومات، والمنظمات العسكرية، والسياسيون، والتنظيمات العرقية من مختلف العصور والسياقات، من الميليشيات كأدوات في تحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية.

ولطالما كان دور الميليشيات في “أفغانستان” بارزًا.. ومنذ حكومة “أحمد شاه أبدلي”، مؤسس دولة “أفغانستان” الحديثة، كان للقوات شبه المسلحة دور مهم؛ رغم تعاقب الأنظمة والحكومات على “أفغانستان”، حيث أشرفت ميليشيا (قزلباش) على قمع معارضة “أحمد شاه”؛ مقابل المال في القرن الثامن عشر، وحتى العناصر التي استفاد منها النظام الشيوعي في قمع المجاهدين، إلى استخدام النظام اللاحق عناصر الشرطة المحلية في قمع (طالبان)، وحتى ميليشيات الشمال والجنوب التي تمكنت من النفوذ داخل الهيكل الحكومي وفرضت نفسها على الدولة.

مع هذا؛ فقد كان النظام الشيوعي، أول من عمل بشكل منظم على تشكيل وتدريب ودعم الميليشيات شبه المسلحة والتي سلمت ميدان الحرب النظامية إلى تنظيم المجاهدين، المدعوم ماليًا ولوجيستيًا من الغرب والحكومة الباكستانية، بهدف طرد الروس من “أفغانستان” والإطاحة بالنظام المحسوب على “الاتحاد السوفياتي”.

والسؤال: هل تمكنت الميليشياوية، باعتبارها منهج متصل بالتاريخ الأفغاني؛ من توفير الأمن ؟.. وهل من علاقة دلالية بين الاضطرابات والميليشياوية ؟

وقبل الحديث عن تداعيات وجود الميليشيات في الهيكل “السياسي-العسكري” الأفغاني، ودورها في إثارة الاضطرابات تُجدر الإشارة إلى عدم سيطرة أي من الحكومات السابقة والحالية بشكل كامل على الجغرافيا السياسية الأفغانية، اللهم إلا الأمير الحديدي، “عبدالرحمن خان”، الذي تمكن من فرض السيطرة على أجزاء كبيرة من الجغرافيا الأفغانية مدة قصيرة؛ مستفيدًا من القمع والقسوة، مع هذا فقد كان نظامه هشًا وتسبب في مرحلة من الاضطرابات والعنف. لذلك لجأت الحكومات الأفغانية المتعاقبة للاستفادة من الميليشيات في حكم الأجزاء البعيدة من الدولة. لكن ما هي نتائج استخدام الميليشيات في توفير الأمن ؟ 

الميليشياوية ونشر الفوضى..        

لطالما تسببت الميليشيات في إثارة الفوضى والاضطرابات بـ”أفغانستان”، وفي بعض الحالات كانت تخون وتطيح بالحكومات. والنظام الشيوعي، في “كابل”، مثال على ذلك. فلقد سقط هذا النظام في وقت إنحازت فيه الميليشيات الموالية لذلك النظام للمجاهدين، وأدارت ظهرها للحكومة المركزية.

ورغم تدّخل عدد من العوامل الإقليمية وفوق الإقليمية في إسقاط النظام الشيوعي، إلا أن أحد العوامل الداخلية كان إنضمام عدد من قادة الميليشيات للتنظيمات الجهادية.

وتستطيع الميليشيات إثارة الفوضى من عدة زوايا، حيث تعمل على إثارة الاضطرابات الاجتماعية بالاعتداء على خصوصيات العوام، والاستيلاء، وخرق القانون، وخلق حالة من الرعب والعنف. وهذه الحالات من أبرز أنواع الاضطرابات الاجتماعية التي ساهمت هذه الميليشيات في نشرها بالضواحي الأفغانية، حيث تضعف السيادة الحكومية.

من جهة أخرى، لم تخضع الميليشيات للمساءلة أمام أي مؤسسة، ولذلك في الكثير من الحالات كانت تقوم بالكثير من الأعمال غير القانونية. ويكفي إلقاء نظرة على شكاوى القوات الأمنية المحلية داخل القرى، للتعرف على حجم دور هذه القوات في نشر الفوضى الاجتماعية.

الميليشياوية ومسألة الإنتماء..

تتكسب الميليشيات من الحرب، وقد تسبب نفوذ هذه القوات داخل الهياكل العسكرية والسياسية الأفغانية إلى سيطرتها على الموارد المالية الخارجية من حين لآخر على نحو يسمح لتلك الميليشيات بالتحرك في إطار أهدافها الخارجية. وقد قدمت الكثير من الدول الدعم المالي للميليشيات والقوات غير القانونية في “أفغانستان”. وهو ما يعكس إرتباط ولاء هذه الميليشيات للمال فقط. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تقسيم هذه الميليشيات إلى عرقية وأخرى حزبية ودينية.

والواقع فقد ضاعف إنتماء الميليشيات على الدول، والتنظيمات، والمراكز الخارجية من تفاقم حالة الفوضى في “أفغانستان” وتهديد الأمن القومي باعتباره مظلة توفر الأمن للإقليم والشعب والحكومة. وكانت الحكومة تدفع، كلما اعتمدت على الميليشيات، ثمنًا باهظًا قبل أن تسقط بالنهاية. ولقد كان حجم هذا الاعتماد كبيرًا لدرجة أن قوات الميليشيات تصرفت بوضوح بما يتماشى مع أهداف الدول الأخرى وتجاهلت المصالح الوطنية لـ”أفغانستان”.

ولطالما استفادت دول الجوار الأفغاني من الميليشيات، سياسيًا وعسكريًا، على نحو ساهم في تقوية إنتماء هذه الميليشيات إلى القيادات القومية والدول الأجنبية أكثر من الحكومات المركزية.

علاوة على ذلك، لا يمكن الثقة في ولاء هذه الميليشيات، لأنها تفتقر إلى إستراتيجية منهجية وتفكير تقدمي للعمل من أجل المصلحة الوطنية. ولعل نفوذ هذه الميليشيات داخل الهياكل “العسكرية-السياسية” ذو فائدة مؤقتة وسريعة، لكنها تسبب الكثير من الأضرار على المدى الطويل.

الأضرار التي قد تستهدف حتى وجود الحكومات والأنظمة السياسية؛ وتتحول أكبر مشكلات الحكومة في مسألة تطبيق القانون، على غرار تسجيل تاريخ “أفغانستان” تأثير هذه الميليشيات الضار على المجتمعات المحلية والحكومات المركزية.

الميليشاوية وإضعاف الجيش..

تحول الميليشياوية إلى “وظيفة”؛ من جملة الأضرار الأخرى التي تُشكل تحديًا خطيرًا للنظام الدفاعي لأي حكومة؛ إذا تؤثر هذه المسألة على إنضمام الأفراد إلى القوات المسلحة. إذ تتسم عملية استيعاب هؤلاء الأفراد في الهياكل شبه المسلحة بالسهولة، فضلًا عن العوائد المالية غير المشروعة.

والعناصر التي تستخدم في الحرب، ضمن هذه القوالب، لا تخضع للمساءلة أمام أي مؤسسة، ولا يتورعون عن القيام بأي أعمال غير قانونية. بعبارة أخرى، هناك صلة مباشرة بين تنامي النزعة الميليشياوية وضعف الجيش.

في المقابل تزداد الميليشيات في أي دولة ضعفًا كلما إزدادت قوة الجيش النظامي. وحين أنصب اهتمام “الاتحاد السوفياتي” والحكومة الديمقراطية الأفغانية على الميليشياوية تضاءل دور القوات المسلحة؛ ما أدى إلى سقوط حكومة “كابل” بالنهاية.

بالنظر إلى هذه الأضرار، يمكن القول إن الميليشياوية تُشكل تهديدًا كبيرًا للأمن القومي لـ”أفغانستان”. ويستحيل الوصول إلى حالة من الأمان النسبي في “أفغانستان” دون وجود حكومة قانونية تهتم للعدالة وتعمل على إضعاف مراكز القوة والميليشيات العرقية والدينية.

كذلك تُمهد المليشياوية للمزيد من التبعات؛ مثل: التمرد وإنتاج المخدرات. لذلك، إذا أرادت الحكومة الأفغانية وقادة المؤسسات الأمنية والدفاعية؛ تسيير دورة الأمن الأفغانية بسلاسة، فإنهم بحاجة للقضاء على نمو النزعة المليشياوية، فلن تتنصر أي حكومة بوجود الميليشيات.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة