كما كان منتظرا، اعتلى أسيمي غويتا العسكري الشاب المثير للجدل، كرسي الرئاسة في دولة مالي، بعدما أطاح في مناسبتين متتاليتين وخلال عام واحد برئيسين مدنيين، الأول كان منتخبا هو الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا، والثاني أنيطت له صحبة رئيس حكومته، مهمة قيادة المرحلة الانتقالية مؤقتا إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية خلال العام 2022 وبالتالي انبثاق سلطة مدنية، والأمر يتعلق بالرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس الحكومة مختار وان.
غويتا.. الإسم المجهول
لم يكن إسم “أسيمي غويتا” الكولونيل الشاب قبل تاريخ 18 غشت/أغسطس 2020، تاريخ قيادته لأول انقلاب عسكري ضد الرئيس المدني المنتخب إبراهيم أبوبكر كيتا، معروفا أو متداولا في الصحافة المحلية أو الدولية، ولم يكن كذلك حتى في وسط القوات المسلحة المالية، بل كانت علاقاته سواء داخل مهنته أو حتى خارجها محدودة جدا، لذلك لقب بـ”العسكري المجهول”.
ازداد أسيمي غويتا أو “أسو” كما يحب أن يناديه أصدقاءه ومقربوه خلال العام 1983، ونشأ وترعرع في بيئة عسكرية، فوالده كان مديرا سابقا للشرطة العسكرية بالجيش المالي، درس القواعد العسكرية والحربية وتعلمها في مدرسة “كوليكورو” المتخصصة في الأسلحة المدرعة وسلاح الفرسان، ودرس أيضا في أكاديمية “كاتي” العسكرية الأشهر والأبرز في مالي، حضر العديد من الدورات التدريبية العسكرية خارج مالي وتحديدا في فرنسا وألمانيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية.
ظل غويتا يعمل في الظل وفي صمت وبعيدا عن الأضواء الكاشفة، عين خلال العام 2002 في شمال مالي متنقلا بين مدن غاو وكيدال وتمبكتو ثم ميناكا وتيساليت، ليقود معارك حربية ضد المتمردين الإنفصاليين ثم ضد الجهاديين من أتباع تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد المغرب الإسلامي ومنطقة الساحل، وهي المعارك التي برز فيها وجعلته يحظى برتب عسكرية مهمة في الجيش المالي.
غويتا يصل إلى الحكم
منذ تنفيذه للإنقلاب العسكري الأول في مالي ضد الرئيس المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا وظهوره لأول مرة أمام كاميرا التلفزيون الرسمي المالي بمعية أربعة ضباط عسكريين آخرين وعينه تتجه نحو كرسي الرئاسة، لكن من دون أن يظهر نواياه الحقيقية، إذ فضل التواري خلف عاصفة التنديدات والاستنكارات الدولية، التي هبت عليه من كل صوب وحدب، ما جعله يدعن ويطلق مجموعة من الرسائل السياسية من أجل طمأنة المنتظم الدولي والتعهد بأنه سيسلم السلطة إلى مدنيين منتخبين بعد ثمانية عشرة شهرا عوض ثلاث سنوات التي كانت مقررة من قبل، وبالفعل سلم غويتا السلطة للرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس حكومته مختار وان وبدأت الاستعدادات لإجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت المحدد، إلا أن الذي لم يكن يعرفه الجميع هو أن غويتا احتفظ لنفسه بمجموعة من الصلاحيات، التي تؤكد أنه كان الفاعل الرئيسي في البلاد وليس الرئيس باه نداو، أهم هذه الصلاحيات هي أنه منح لنفسه منصب نائب للرئيس الانتقالي ومكلفا بالقطاعات الأمنية، بالإضافة إلى تمكين عدد من رفاقه ومعاونيه من الحصول على عدد من الوزارات المهمة.
وبتاريخ 24 ماي/أيار المنصرم، عاود غويتا الكرة من جديد ونفد انقلابا عسكريا ثانيا، لكن هذه الرمة ضد الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس حكومته مختار وان، متهما إياهما بتشكيل حكومة جديدة دون التشاور معه مسبقا، رغم أنه مسؤول عن الدفاع والأمن، وهما قطاعان هامان في هذا البلد الذي يعيش الفقر ويشهد الفوضى والاضطرابات.
وقال في تصريح للصحافة عقب تنفيذ الانقلاب إن “هذا الإجراء يدل على إرادة واضحة لرئيس المرحلة الانتقالية ورئيس الوزراء بانتهاك الميثاق الانتقالي (…)، حيث ثبت وجود نية لتخريب العملية الانتقالية”، مؤكدا أنه “ملزم بالرد” و”تجريد الرئيس ورئيس الوزراء وجميع الأشخاص المتورطين من صلاحياتهم”.
تنديد واستنكار دولي
وسط تنديد واستنكار دولي، أدى العسكري الشاب أسيمي غويتا أمس الإثنين 7 يونيو الجاي، اليمين الدستوري لتنصيبه رسميا رئيسا انتقاليا لدولة مالي، ليقرر اليوم الثلاثاء 8 يونيو الجاري تعيين تشوغويل كوكالا مايغا رئيسا للوزراء في الحكومة الانتقالية، وهو سياسي قادم من صفوف تجمع للقوى الوطنية، حركة 5 يونيو/حزيران، التي لعبت دورا مهما في إسقاط الرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كيتا، متهمة إياه بـ”الفساد والفشل في مواجهة التمرد الجهادي”.
أهم هذه التنديدات هي تلك التي جاءت من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وجه رسالة مشفرة للكولونيل وكافة الانقلابيين في مالي، حيث أكد في مؤتمر صحفي وفقا لما جاء في أ ف ب: “مستعدون في الساعات المقبلة، في حال لم يتم توضيح الوضع، لفرض عقوبات محددة الهدف بحق الأطراف المعنية”.
من جهتها دعت بعثة الأمم المتحدة في مالي إلى الإفراج “الفوري وغير المشروط” عن المعتقلين، وقالت إن من يحتجزون القادة سيُعاقبون على أفعالهم، في حين دعت وزارة الخارجية الأمريكية إلى “الإفراج غير المشروط عن المحتجزين حاليا”.
بدورها أكدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وعدة دول أوروبية في بيان مشترك من أن وفدا من إيكواس سيزور باماكو اليوم الثلاثاء 8 ماي الجاري، للمساعدة في حل “محاولة الانقلاب”.
وفي الوقت الذي تعالت في التنديدات الدولية، فضل “الاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية”، أحد أكبر أحزاب المعارضة في عهد الرئيس المنتخب أبو بكر كيتا وفقا لـ”فرانس 24″، الترحيب بتعيين تشوغويل كوكالا مايغا رئيسا للحكومة، وأبدى استعداده لدعم العملية الانتقالية، أما “التجمع من أجل مالي” الذي أسسه كيتا فطالب بانتخابات حرة و”شفافة” تفضي إلى رئيس منتخب غير مطعون بشرعيته، وفق رئيس الحزب بوكاري تريتا.