من ألوان الشعر العربي في العراق، وعدد من الأقطار العربية، ما يسمى (الزهيري) أو الموال، وكذلك ما يطلق عليه ( العتابا ) أو الأبوذية كما هو معروف.وقد شاع نظم الزهيري،والعتابة باللهجة العامية،ومنه على سبيل المثال لا الحصر، ما نظمه الشاعر المبدع ابو كوثر احمد علي السالم اذ يقول:
راحن ليالي السعادة ياحمد ما يجن..
رمدن عيوني وعكب كت الدما ماي اجن..
افطن عليهم ويوجعني الجرح مايجن..
ليلي عليهم وادور للجرالي طب..
والسكم هدم اركاني وعلى عظامي طب..
راحوا الجانو طبعهم يزرعون الطيب..
عفية على العقل صاحي ياحمد وما يجن….
ولم ينُظَم على منوال هذين اللونين في الشعر العربي الفصيح إلا ما ندر.ولعل مما تم نظمه في سياق هذين اللونين بالفصحى،هو ما قاله الشاعر الكبير معد الجبوري من الزهيري:
مَضَى شبابي كطيفٍ مَرَّ بي وَعَدا..
لَمْ يُبْقِ لي غيرَ ليلٍ مُوحِشٍ، وَعَدا..
ما يُثقِلُ الصدرَ مِنْ هَمٍّ طغَى وَعَدا..
فيا لَياليَّ في تلـكَ الرُّبى ، عُودي..
كَمْ في مَغانيكِ، مِن زِقٍّ وَمِنْ عُودِ..
رفقاً بآخِرِ ما يَخضَرُّ، مِنْ عُودي..
فالشيب انجز قبل الوعد،ما وعدا….
وفي لون العتابا بالفصحى يقول:
تفرق كل احبابي وراحوا..
وراحت بعدهم كاس وراح..
تكفكف دمعي راح وراح..
تودع ما تبقى من شباب…
ولاشك ان الشاعر الكبير معد الجبوري فحل في الشعر العمودي،ولا يحتاج الى اطراء من احد،وهو متمكن من قول الشعر بفنونه المتعددة بالفصحى،ومنها بالطبع الزهيري والعتابة،وذلك بلا ريب اعلى درجات الاقتدار المبدع.
ويشيع في الديرة من ريف اطراف جنوب الموصل، نظم الزهيري والعتابة بالعامية،وينتعش الان الى حد ما.. اسلوب تضمين عبارات بالفصحى في نظم الزهيري بالعامية.وتجدر الاشارة مع ذلك، الى ان الشاعر القدير ابو يعرب(ابراهيم علي العبدالله) طرق لون الزهيري بالفصحى في العام 1993،باعتماده البحر الوافر في النظم،ومع ان الزهيري كما يرى الشاعر الكبير معد الجبوري، لا يجري إلا على البحر البسيط ،وان ما يجري على الوافر هو العتابا حصرا،الا انه يرى فيما كتبه الشاعر الفحل المعروف ابراهيم الجبوري (أبو يعرب) في هذا الميدان، دليل إبداع وسبق وريادة، وربما اعتُبر ذلك تجديدا ومغايرة في هذا الاتجاه.ومما قاله الشاعر ابو يعرب من الزهيري بالفصحى النص الاتي:
أجاسم أنت غيث بعد خال..
كريم الجد من عم وخال..
على خد المكارم خير خال..
وجدك مطعم الاضياف كاسي..
ويسبق الندى دون انتكاس..
حفظت خؤولتي ومملأت كاسي..
وكاسي-قبل ان القاك-خالي….
ومع ان للعتابة والزهيري ايقاعا خاصا في وجدان المتلقي، سواء تم نظمهما بالعامية ام بالفصحى، لما لهما من اثر واضح في تحريك شجن السامع، وخاصة اذا ما كان النص ذا نغمة حزينة،لكن النظم بالفصحى يظل ادعى الى البلاغة والاقتدار.