خلال قرائتي لمختارات من القصص والروايات التأريخية والتي تعود لنخبة من الملوك والسلاطين والفرسان والحكام الذين حكموا بقاع واسعة من الاراضي الممتدة على سطح الكرة المدورة , كانت معظمها متشابه احيانا فلعديد من مضامينها احتوت على القسوة والظلم والجشع وعدم الاكتراث لقضايا الرعية ومعاناتهم والابتعاد عن حياة الشعوب بشكل واضح , فكان الحاكم في وادي وشعبه المسكين في وادي اخر !! و لكل قاعدة شواذ ولكن بصورة متواضعة داخل كتاب التاريخ العالمي !! سألت نفسي كثيرا مالذي يدفع الملك او الحاكم للمبالغة في ظلم شعبه ورعيته ؟ هل هي مشاغل البلاد الكثيرة ؟ ام الكرسي الذهبي وصلاحياته الواسعة التي يضعف امامها شريحة من الانتهازيين ؟ ام ان تحقيق رغبات الشعوب كان ولايزال من الامور التي من الصعب تحقيقها ؟؟ ان جميع هذه الاسئلة تمتد للصواب بصلة فهي من خصائص الملوك والحكام وحتى النجوم اللامعين احيانا !!! وان الملاحظ من خلال دراستي الدقيقة لاكثر من شخصية ملكية سواء كانت عربية ام عالمية وجدت فيها تشابه كبير فيما بينها يدفعها في الكثير من الاحيان لرتكاب الأثام وصب المظالم على الشعوب التي يحكمونها !! هذه الحالة تمثلها ( الحاشية ) والحاشية هي عبارة عن مجموعة من الاشخاص تحيط بلملك او الحاكم عادة مايتم اختيارها لقواعد فئوية او عشائرية فينظمون اعماله ومواعيده حسب مايرونه مناسبا !! فهم عيون الملك التي يرى فيها هموم الناس وقضاياهم وحاجياتهم , وبمرور الايام وتوالي السنين يصل الملك عادة لأعطاء الثقة المطلقة بهؤلاء الاشخاص واقصد ( الحاشية) و التي عادة ماتستغل هذه الحالة في الظلم والاستبداد فيظهر كتاب التاريخ يلعن هذا الملك او ذاك لتنفيذه مظلمة او مجزرة !! دون الاخذ بنظر الاعتبار ماتفعله ( الحاشية) وراء الكواليس !!! ان حديثنا اليوم ليس دفاعا عن الظلمة والمستبدين من الملوك او الحكام فهم نالوا عذاب الله في دار الاخرة عما ارتكبوا من مظالم وجرائم نتيجة اتباعهم بشكل اعمى لكلمات وملاحظات ( الحاشية ) التي ترسم الصور فتلون من تلون وتمسخ من تريد مسخه !! متناسين دورهم الرئيسي كونهم اداة الحاكم المستقيمة وعيونه الواضحة التي ترى كل شيئ وتنقله بكل اخلاص وامانة !! ان الذي يحصل اليوم في حياتنا المعاصرة يصدر من سراج واحد من الذي حصل قديما في الواقع العربي والغربي على حد سواء , فليوم يوجد لكل مسؤول سكرتير ! و قديما كان يسمى بــ( الحاجب ) ومهمته هي اخفاء الملك اوالحاكم عن عيون المدينة وايصال طلباتهم اليه دون رؤيته من الناس في بعض الاحيان فيكون الحاجب منفذ الملك الوحيد للناس وبلعكس , ومن خلاله يستطيع الملك ان يعلم اخبار واحوال المدينة ومايجري فيها , فتخيلوا ان هذا الحاجب على سبيل المثال كان كاذبا ؟ او مخادعا ؟ او مستغلا لمنصبه ؟ ومتناسيا عين الله التي تراه في كل مكان وزمان !! مالذي سيفعله بحاجيات الناس ؟ وخاصة ان خول بشكل كبير من قبل الملك نفسه على ادارة امور البلاد والعباد ليبقى ذلك الحاكم والملك يتمتع بنسمات الحكم وكرسي الرئاسة بعيدا عن ضجيج المدينة ومشاكلها !!!! ان على المسؤولين المعاصرين عدم الاكتراث الى دور حاجبهم الجديد والايمان المطلق بمايقوله دائما فيكونوا صور منسوخة عن اقرانهم قديما !! كون ان مايصدر من الحاجب كان صائبا ام خاطئا سيكون مردوده دائما في عيون الناس على انها اصدارات المسؤول نفسه ولن يفهم مجمل الناس هذه القضية ابدا وماهية دور الحاجب , فعليهم جميعا ان يدققوا في اية قضية تطرح عليهم وان لايلتزموا الكلام والاحاديث من مصدر واحد وهو مصدر الحاجب ان ارادوا ان يكونوا عادلين في حياتهم امام الله سبحانه وامام شعوبهم اوامام انفسهم وضمائرهم , وليفعلوا كما فعل قدوتهم من الانبياء والأئمة الاطهار (عليهم السلام) الذين كانوا يجولون الرعية بمختلف الازمان بحثا عن الظلم لاصلاحه وبحثا عن الحق لارجاعه غير مكترثين بحاجب او سكرتير !! ان الخلل اليوم يازملائي لاينصب على تلك المهنة , فهي مهنة من اعظم المهن التي ربما يستلقي منها اصحابها الكثير من الدعاء والشكر والثناء تجاه خدمة او معروف يقدمه صاحبها لرفع مظلمة او خلاص بريئا من تهمة نتيجة اخلاص الحاجب او السكرتير في عمله امام الله فكان الصحابي انس بن مالك (رض) والذي كان يعمل بمثابة خادما لرسول الله محمد (ص) خير قدوة ودليلا على روح الاخلاص لعمله وحب مساعدة الناس فكان ينقل لرسول الله (ص) مايراه في بقاع العالم الاسلامي بجناح المحبة والمودة للناس جميعا , على العكس من الشخصيات الانتهازية التي ارتبط اسمها بتلك المهنة فكانت بمثابة لعنة صارمة في التاريخ على ملوكهم وحكامهم ورؤسائهم نتيجة انصياع الاخير لما يراه الحاجب وما تميل به مشاعره وغرائزه واطماعه , فلابد ان تعلم ايها المسؤول الكبير ان نقل المظالم اليك عن طريق الحاجب هي مسألة خطيرة وفي ذات الوقت ربما تكون غاية سامية ؟ وفي النهاية سوف يحاسبكم الله عنها شئتم ام ابيتهم !! فحذروا ان تتبعوا نزواتكم فتحرككم مشاعركم الشخصية فتظلموا الصادق وتكافؤون الكاذب , فتبعوا دوما في حياتكم الحكمة ورجاحة العقل فيما يعرض عليكم من امور العباد حتى لاتظلموا فتكونوا على مافعلتم نادمين ..