هل إستوردنا ديمقراطيةً معفرةً بالويلات؟!
في السبعينيات من القرن العشرين , إستورد العراق حنطة معفرة بالزئبق لزراعتها , والتعفير كان لقتل القوارض التي تلتهمها .
ووزعت الحنطة على الفلاحين من غير توعية وتثقيف وتحذير وتأكيد على أنها سامة وللزراعة فقط وليس للأكل.
وبسبب الجهل المروع والإهمال والتقصير والجوع الموجع , أكل الفلاحون وعوائلهم الحنطة , فحصلت أكبر مجزرة للتسمم بالزئبق في تاريخ الشعوب , مات فيها الآلاف وتعوق عشرات الآلاف.
وبين الحنطة المعفرة بالزئبق والديمقراطية المعفرة بالويلات يمكن المقارنة!
فالزئبق وهذه الديمقراطية يشتركان بالقتل والتعويق , والثانية أشد فتكا من الزئبق , لأنها تمتلك طاقاته الإنفلاتية الإنفراطية , وممانعته عن التجمع واللم , عندما يسيح على سطح منبسط أملس.
وحالما سُكبت الديمقراطية من حاوياتها في البلاد فأنها تزئبقت , وساحت في ربوعه , لتتكور في خنادق وحفر وأوعية وبرك , ومستنقعات وأحواض لتربية المخلوقات الأمارة بالشرور والبغضاء , والمحقونة بالكراهية الإنتقام.
والتي يتم إطعامها من مواد غذائية عقائدية منتهية الصلاحية , ومتعفنة في علب العصور وظلمات الدهور.
فأنتجت موجودات آدمية معبأة بالوحشية والشراسة التدميرية , وسعت في الأرض لتعيث فسادا في البلاد والعباد.
وفي خضم نواعير التداعيات , تجدنا في محنة التناثر الزئبقي , الذي أعجزنا على إستيعاب الديمقراطية في وعاء الوطن , وتحويلها إلى منبع للقدرات الصالحة النافعة , الواعدة بخير زمانٍ للأجيال الصاعدة.
فهل قرأنا التعليمات المرافقة للديمقراطية المستوردة , وشروط الإستعمال , والإعداد والتحضير لطبخة وطنية صالحة للأكل؟
أم أننا تخيلناه وطبخناها على مواقد جهلنا , وجمرات غينا , وادّعينا بأننا نصنع ديمقراطيتنا , ولكن بالدم والدموع والآهات ,وبطوابير الأكاذيب والأعاجيب؟!!
فالويل لنا من ديمقراطيةٍ معفرة بالأفكار المناهضة للحياة والإنسان!!