17 نوفمبر، 2024 7:47 م
Search
Close this search box.

داء في النفس

قدم لي هويته الشخصية لأتمم له معاملة جواز السفر
كان رجل خمسيني ذو قامة معتدلة وعينين سوداوين وبشرة بيضاء شابها خيط سمرة ربما بفعل التعرض لأشعة الشمس وقبل ان اضعهما على المكتب اندفع احدهم نحوه هاتفا …
ا بو مروان …واحتضنه بفرح ظاهر وهو يردد عبارات الترحيب بينما ارتسمت الدهشة على وجه ابي مروان كأنه لم يسبق لهما اللقاء او المعرفة .
رفعت وجهي اليهما وهتفت قائلا:-
من فضلكم ابتعدوا عن النافذة واكملوا حديثكم
وعدت الى عملي انظر البطاقة وادرج المعلومات
الاسم :عبد الله
اسم الاب: محمد
اسم الام: مليكة
اسم الجد: علي
اسم الجدة :علية
ابتسمت في سري لهذه المصادفة التي جمعت اسمي الجد والجدة وذكرت ان اسمي عمي وزوجته هو الاخر هكذا (صالح وصالحة)ثم عدت الى الاوراق ورحت ادرج بقية المعلومات التي تتضمنها البطاقة وناديت :
عبد الله
نعم …عاد الى النافذة وكان صاحبه لم ينتهي من حديثه بعد فقد تناهى الى سمعي عبارات تدل على ان الرجل يسرد حوادث جرت ليذكر صاحبه بسنوات الجوار التي امضياها في زمن ما حيث انهما كانا يجلسان على كراسي الانتظار وهو مجاورة للنافذة التي اعمل عليها وكان صوت الرجل واصحا وهو يواصل حديثه ومنه:-
الله يرحم جدك …لقد كان معلم الآباء والابناء …اجل لقد علمنا وانا اذكر انه كان يمضي اوقاتا طويلة في التعليم المجاني لمختلف الدروس وبشكل خاص القرآن الكريم .
بعد فترة صمت… واصل الحديث:
سمعت جدتي تقول ان الجدة رحمها الله كانت تمضي لزيارة قبر الجد (علي) يوميا تحمل ما امكنها حمله من الزاد والماء وكان ذلك الامر يثقل عليها ويزيد من متاعبها الصحية ولم تمتنع عن الزيارة رغم ان الكثيرين كانوا ينصحونها بجعل الزيارة شهرية او اسبوعية لكنها لم تقبل الامر حتى كانت ليلة حلمت بالجد يخبرها بأن جثمانه ليس في القبر الذي تقصده للزيارة يوميا وهو الذي دفن فيه الجسد بادئ ذي بدء لأن الملائكة نقلت روحه الى جوار المرقد الشريف للأمام الحسين عليه السلام واوضح لها ان روحه مستقرة عند الخطوة الثالثة بين مرقد الامام الحسين عليه السلام ومرقد الشهيد حبيب بن مظاهر الاسدي.
عندئذ فقط تحولت زياراتها اليومية الى زيارة الحسين عليه السلام اولا وهي ما كانت تؤديها دائما وكذلك تحسب الخطوات لتقرأ الفاتحة على روح الجد عند الخطوة الثالثة بين المرقد الشريف للأمام الحسين والمرقد الشريف للشهيد حبيب بن مظاهر الاسدي رحمه الله تعالى.

لم تبد على عبد الله اية رغبة في مواصلة الحديث او الاهتمام بتلك الحوادث كأنما شخص آخر غيره هو من يدور عنه الحديث. لذا بدت علامة الاستغراب على ملامح الرجل بسبب هذا التجاهل الذي يبديه صاحبه رغم تأكده المسبق بأن من المستحيل ان يكون نسي او انسي تلك السنوات من الطفولة والصبا فما كان منه الا ان امسكه بيده قائلا بنبرة التحدي ..عبد الله الست انت ابن محمد ابن علي معلمنا الكبير في المحلة القديمة والذي كان يتخذ من المسجد الصغير مكانا للدرس.
هتف عبد الله كمن يريد ان ينهي حديثا اثار في نفسه مشاعر الانزعاج :نعم انا هو ولكني لم اتذكر تلك الايام ثم هتف وبنبرة حادة
ارجوك دعني انني على عجلة من امري.
اصر الرجل على التشبث بالحديث وواصل قائلا:-
ليس مهما انك لا تذكر …لكننا دائما نذكر سيرة الجد العطرة ونذكر انه كان رجلا مباركا وما يؤكد ذلك انه سعى في كتابة رسالة شكوى موجهة الى الامام (ع)ضد اشخاص مقربين له كانوا يؤذونه وينصبون له المكائد والقاها في مجرى النهر القريب من المقام الشريف فجاءه الرد بورقة مطوية حين فتحها قرأ العبارة(تأسى بعلي يا علي)ولذا صمت عن جميع من تجاوزا عليه وفوض امره لله تعالى.
شعرت ببعض الرهبة مما سمعت لكن الذي فاجئني هو ان هذا الحفيد لا يحمل عشر معشار تلك التقوى وذلك الايمان والصلاح الذي يتحدث عنه الرجل فتمتمت في سري (يالله كم هو الفرق بين ذين وذين)خلق كريم تذكره الاجيال وخلق فض لا يمكنه التواصل مع الاخرين.
لذا وجدتني اهتف (رحم الله تعالى ذلك الجد)
انهيت عملي ورفعت المعاملة وطلبت صاحبها (عبد الله) ان يوقع على استلامها في السجل الخاص فوقع دون ذكر الاسم او التاريخ لذا عرضت عليه ان يسجل اسمه كاملا وتاريخ الاستلام اضافة الى رقم المعاملة المدرج في السجل سابقا. فما كان منه الا ان هتف بنبرة نزقة معترضا … ما هذا …؟ لا اجد ان الامر يستحق كل هذه الاجراءات …الا ننتهي من هذا الروتين الممل …؟
غاظتني كلماته ورأيتني دون ارادة مني استوقفه لحظات لأوضح له ان هذا الاجراء ليس روتينيا بل يشكل حماية ووقاية من اي ضياع او تزوير لان هذه المعلومات توثق الكترونيا وترفع دوريا كي لا يضيع حق ولكي لا تزور معلومة.
لم يقتنع بل اشاح بوجهه وسار بخطوات سريعة وهو يتمتم …(شبعنا من هذه الاحاديث التي لا تجدي .!!!
هتفت …استاذ من فضلك لسنا هنا بصدد الاحاديث وانما نحن بصدد توثيق معاملة ولا يليق بحضرتك التفوه بمثل هذا الكلام
.
لم يرد بكلمة وحمل معاملته ومضى كأنني اوجه الحديث الى شخص آخر سواه !!!!
تماما كما تجاهل الشخص الذي كان يتحدث اليه قبل حين.
ترى اية صفة يمكن ان نصف بها فرد يتصرف بهذا الاسلوب وهل هذا التصرف يمكن ان يصدر عن شخص سوي …؟
ربما كان مريضا بداء التجاهل …الكبرياء… الجهل… الغرور…
هي ولا شك امراض في النفس مستعصية لمن يجد نفسه متوهما انه في الذرى وهو لا يرى ابعد من ارنبة انفه.
تابعته بنظري حتى توارى خلف الباب الرئيسي يتبعه الاخر كظله دون ان يتمكن من الفرار منه كأنه قلم الزمان يعيد كتابة سطور نسيت او انسيت او تناساها لعلة هي( داء الغرور) .

 

أحدث المقالات